إدلب.. آثار للاعتماد على الدجاج بدل اللحوم الحمراء

إدلب – سماح علوش

منذ سنوات، باتت لحوم الدجاج في إدلب مصدر بروتين أساسي في التغذية، نظرًا لانخفاض سعره مقارنة باللحوم الأخرى، وذلك بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها سكان المدينة.

ولعبت تبعات النزاع في سوريا دورًا كبيرًا بتغيير ثقافة الاستهلاك في البيت السوري، كما وحدت ثقافة الاستهلاك، إذ فرضت ثقافة الشراء بــ”الحد الأدنى” لدى معظم طبقات المجتمع.

منذ سنوات، وبسبب الضائقة المالية وقلة فرص العمل في إدلب ومعظم الشمال السوري، تلجأ شريحة واسعة من السكان إلى الاقتصاد في كميات اللحوم والأسماك، أو اللجوء إلى خيارات أقل تكلفة.

وفق ثلاث عائلات قابلتها عنب بلدي، تعتمد على الدجاج في الوجبات التي تتطلب اللحوم، وتشتريه مرة إلى مرتين شهريًا، بينما يشكل عيد الأضحى فرصة لتناول اللحوم الحمراء من خلال الحصول على “حصة من الأضحية”.

سيدة في إحدى العائلات، ذكرت أنها اشترت 250 غرامًا من اللحمة قبل شهرين، لكن أثرها لم يظهر في أكلة “المحشي”.

تعد البروتينات الحيوانية أو النباتية من أهم العناصر في النظام الغذائي، فهي تساعد الجسم على القيام بالعمليات الحيوية و البناء العضلي، ويحصل عليها من اللحوم الحمراء والدجاج والبيض والأسماك والبقوليات والمكسرات.

الدجاج أرخص اللحوم

يبلغ سعر كيلوغرام الدجاج الحي 55 ليرة تركية (1.6 دولار أمريكي)، و110 ليرات لكيلو “كباب الفروج” المفروم من صدور أو أفخاذ الدجاج.

وخلال جولة عنب بلدي في أسواق إدلب، قال بائع السمك عبد الكريم لاذقاني، إن البيع محدود منذ سنوات، إلا في حالات انخفاض السعر.

وأضاف أن الأسعار تتراوح بين 75 و250 ليرة تركية للكيلو الواحد، فيما يبقى صنف السمك “الأسود” ملاذ الفقراء بسعر 30 ليرة تركية للكيلو.

وعن حركة البيع، ذكر البائع أن الأمر لا يتعلق فقط بالمال، بل بالحاجة منها لكل عائلة، فهناك من يشتري كيلو واحد وهو ميسور الحال لأنه يعيش مع زوجته فقط.

أما القصّاب حسام حدادة، فاشتكى من قلة البيع وتراجع عدد الزبائن، قائلًا إنه كان يبيع خروفًا كل يوم في عام 2023، لكن الآن يبقى الخاروف معلقًا لثلاثة أيام على الرغم من أن سعر الكيلو الواحد 360 ليرة تركية، فيما كان منتصف العام الحالي بـ420 ليرة تركية.

وذكر لعنب بلدي أن هذا الحال وصل إلى لحم العجل، والذي يعد موازيًا للحم الغنم بالجودة، ويباع بسعر 300 ليرة تركية للكيلو الواحد.

وتعد الأسعار مرتفعة بالنسبة للحالة المعيشية في إدلب، إذ لا تتجاوز أجور العمال اليومية في أحسن الأحوال 150 ليرة تركية (نحو 5 دولارات أمريكية).

يعد الدجاج خيار الأهالي الوحيد لتناول اللحوم في إدلب – 26 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ سماح علوش)

فوائد وأضرار

يعد الدجاج مصدرًا غنيًا بالبروتين الذي يساعد في بناء العضلات وإصلاح الأنسجة، ومحتوىً غذائيًا جيدًا يحتوي على “الفيتامينات والمعادن والنياسين والفوسفور”.

اختصاصية التغذية رنيم عبارة، قالت لعنب بلدي إن تناول الدجاج بكثرة والاعتماد عليه بالغذاء قد يسبب ارتفاعًا بـ”الكوليسترول”، إذا تم تناوله مع الجلد أو تم تحضيره بطرق غير صحية (مثل القلي)، فقد يسهم ذلك في زيادة مستويات “الكوليسترول” الضار في الدم، والتسبب بزيادة الوزن.

ويمكن أن يؤدي للإصابة بمشكلات في الكلى، لأن تناول البروتين بكثرة يمكن أن يضع ضغطًا عليها، خاصة في الأشخاص الذين يعانون من مشكلات كلوية، فضلًا عن التعرض لمخاطر التسمم الغذائي، إذا لم يطهى الدجاج بشكل صحيح أو تم تخزينه بطريقة غير آمنة فيسبب انتشار البكتيريا مثل السالمونيلا أو الإشريكية القولونية، وفق الاختصاصية.

وبحسب اختصاصية التغذية، فمن الأفضل تنويع مصادر البروتين في النظام الغذائي وعدم الإفراط في تناول الدجاج بشكل مستمر لضمان التوازن الغذائي والحفاظ على الصحة العامة.

تأثير عدم تناول اللحوم الحمراء والأسماك لفترات طويلة

رغم وجود بديل للحوم من المنتجات النباتية، والتي تعوض جزءًا من القيمة الغذائية لجسم الإنسان، يبقى تحقيق ذلك في الشمال السوري لكل الأفراد ضربًا من الخيال، في عدد كبير منهم لم يتذوق اللحم منذ الأعياد.

اختصاصية التغذية رنيم عبارة، قالت لعنب بلدي إن الاكتفاء بتناول لحم الدجاج وعدم تناول اللحوم الحمراء والأسماك لفترات طويلة قد يُحدث عدة تغييرات في صحة الإنسان.

وأضافت أن ذلك يعود إلى  التكوين الغذائي لهذه الأنواع، فاللحوم والأسماك مصادر غنية بالبروتينات ذات الجودة العالية، وقد يواجه الأفراد الذين لا يعوضون هذا النقص بمصادر أخرى من البروتين مشكلات في تلبية احتياجاتهم الغذائية.

‌ومن المشكلات التي قد تسببها نقص الأحماض الأساسية الموجودة في الأسماك وخاصة الدهنية منها “أوميغا 3″، والتي تؤثر على صحة القلب والدماغ.

وذكرت أن ‌الامتناع عن تناول اللحوم الحمراء الغنية بالحديد والزنك قد يسبب نقصًا فيهما (خاصة الحديد الهيمي الذي يمتصه الجسم بشكل أفضل)، إذا ما تم الاستعاضة عنها ببروتينات نباتية أو مكملات أخرى، كما يسبب ‌نقص فيتامين “B12” الضروري لوظائف الجهاز العصبي والدم.

وتوجد العديد من البدائل الصحية التي يمكن تناولها بدلًا من اللحوم الحمراء، والأسماك والدجاج، كالبروتينات النباتية مثل العدس والفاصولياء فهي مصدر غني بالبروتين والألياف، والحمّص والبرغل الذي يحتوي على بروتينات ومعادن.

ويعاني 13 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب إحصائية نشرتها “لجنة التحقيق” الخاصة بسوريا والتابعة للأمم المتحدة.

ووثقت الإحصائية، أكثر من 650 ألف طفل سوري بدأت تظهر عليهم علامات التقزم نتيجة سوء التغذية الشديد، وقالت اللجنة الأممية إن “سوريا باتت تنحدر إلى أزمة إنسانية مقلقة”.