شكلت وعود قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، بإخراج المقاتلين الأجانب قبل أيام، خطوة غير مسبوقة على صعيدين، الأول أنه اعترف بوجود هؤلاء المقاتلين بعد نكران استمر لسنوات، والثاني ملامح وصول إلى تفاهم يفضي لتطبيق مطالب تركيا في المنطقة.
وقال عبدي في حديث لوكالة “رويترز“، في 19 من كانون الأول، إن المقاتلين الكرد الذين جاؤوا إلى سوريا من أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في الصراع مع تركيا.
ويعد انسحاب المقاتلين الكرد غير السوريين أحد المطالب الرئيسية لتركيا المجاورة، التي تعتبر “قسد”، المهيمنة في شمال شرقي سوريا، تهديدًا لأمنها القومي، وتدعم حملة عسكرية جديدة ضدهم في الشمال.
وأضاف عبدي أنه على الرغم من وصول مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” (المدرج على “لوائح إرهاب” في تركيا والولايات المتحدة، ودول أوروبية) إلى سوريا، لا يعني أن لقواته (قسد) روابط تنظيمية مع الجماعة.
وأشاد بالمقاتلين غير السوريين الذين ساعدوا “قسد”، المدعومة أمريكيًا، في قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدى العقد الماضي، لافتًا إلى أن قتال التنظيم هو سبب قدومهم.
عبدي قال أيضًا إن بعض المقاتلين الكرد الأجانب عادوا إلى ديارهم على مر السنين، لكن آخرين بقوا للمساعدة في قتال التنظيم، مشيرًا إلى أن الوقت حان لعودتهم إلى ديارهم إذا تمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأضاف، “هناك وضع مختلف في سوريا، نحن الآن نبدأ مرحلة سياسية، ويجب على السوريين حل مشاكلهم بأنفسهم وتأسيس إدارة جديدة”.
بعد سنوات من النكران
حملت تصريحات عبدي اعترافًا ضمنيًا بوجود مقاتلين أجانب، رغم أنه نفى عبر السنوات الماضية هذا الوجود، معتبرًا أن تركيا تستعمل ذريعة “العمال الكردستاني” للهجوم على مناطق سيطرة “قسد” في سوريا.
وفي مطلع 2023، قال عبدي في أحد التصريحات التي نفى فيها وجود مقاتلين أجانب، خلال لقاء مع موقع “المونيتور” الأمريكي، إنه مع بدء عمل “قسد” لمحاربة تنظيم “الدولة” في الشرق السوري، ظهر عديد من القياديين والعناصر في “PKK” إلى جانب قواته في سوريا، وهو ما اعتبره عبدي حقبة انتهت بانتهاء التنظيم.
وقال حينها، إن “حزب العمال” ساعد في القتال ضد التنظيم لكن لا دور له في “الإدارة الذاتية”، وأضاف، “لسنا فرعًا من حزب (العمال الكردستاني). نحن منفصلون”.
وعن انتشار صور قائد “PKK”، عبد الله أوجلان، تركي الجنسية، في المدن السورية، اعتبر عبدي أن أوجلان رمز للكرد في الشمال السوري وأماكن أخرى، لكن ليس لـ”قسد” أي مخططات لأجزاء أخرى من “كردستان”، سواء كان ذلك في تركيا أو العراق أو إيران.
“نحن معنيون بسوريا ومستقبل كل شعوبها، نحن لا نرغب في التورط أو أن نصبح كبش فداء لفشل تركيا في حل مشكلتها الكردية، لقد عانينا بالفعل بما فيه الكفاية، ولا نقبل التعرض لهجوم مستمر بهذه الطريقة”، أضاف عبدي.
اقرأ أيضًا: باعتمادها علم الثورة.. “قسد” تريد تفاهمًا مع دمشق
هل الخطوة كافية لتركيا؟
لطالما نظرت تركيا لـ”قسد” على أنها تهديدًا لأمنها القومي، وكانت حاضرة دائمًا في أي حدث يتعلق بشمال شرقي سوريا، كما أنها الداعم الأساسي لـ”الجيش الوطني السوري” الذي يقود معركة ضد “قسد” منذ أكثر من عشرة أيام، تمكن خلالها من السيطرة على مدينة منبج شرقي حلب.
ومع التقدم الذي أحرزه “الجيش الوطني” على حساب “قسد”، طرح عبدي مبادرة لإخراج المقاتلين الكرد الأجانب (غير السوريين)، وقال لـ”رويترز”، إن قواته على استعداد لإحلال وقف إطلاق نار شامل مع تركيا و”الوطني”، وترك مدينة عين العرب/ كوباني، في أيدي قوة أمنية داخلية مع وجود القوات الأميركية “للإشراف على هذه المنطقة، بشرط وجود هدنة كاملة”.
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي إن مظلوم عبدي لا يملك القدرة على إخراج المقاتلين الأجانب من المنطقة إلا اذا توصل لتفاهم معين مع قيادة “حزب العمال الكردستاني” وصدرت أوامر من الأخير لإخراجهم وفق تفاهم معين.
وأضاف أن الحل المطروح حول خروج المقاتلين الأجانب مقابل هدنة ليس كافيًا أو مرضيًا بالنسبة لأنقرة، ولا يمكن أن يلبي طموحاتها في هذه المرحلة، خصوصًا فيما يتعلق بملف الأمن القومي.
ولفت إلى أن هدف تركيا هو تفكيك القوة العسكرية الصلبة في شمال شرقي سوريا، ونزع سلاحها الثقيل.
ويرتبط مدى احتمالية الوصول لتفاهم بمدى استعداد “قسد” للانضمام إلى الجيش السوري الذي تعمل الإدارة الجديدة في دمشق على تشكيله خلال هذه المرحلة.
ولفت شيخ علي إلى أن بقاء كتلة “قسد” العسكرية الصلبة يجعل من الصعب الوصول إلى تفاهم مع تركيا، أو حتى مع الإدارة السياسية في دمشق، خصوصًا أن قائد “الإدارة العسكرية”، أحمد الشرع (الجولاني)، تحدث مرارًا عن أن جميع الفصائل يجب أن تحل، ولا يمكن أن يبقى هناك أسلحة خارج إطار الدولة السورية.
وحول وجود “قوى الأمن الداخلي” في المنطقة، يرى الباحث أنها قد تلعب دورًا في ضبط الأمن بالمنطقة، ريثما تُشكّل مجالس محلية من أبناء المنطقة نفسها باشراف الحكومة السورية بدمشق.
تركيا ترفض التفاوض
في 17 من كانون الأول الحالي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين “قسد” وغرفة عمليات “فجر الحرية” التابعة لـ”الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، بالقرب من مدينة منبج شرقي حلب.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، إن الاتفاق مُدد إلى نهاية الأسبوع الحالي، ومن الواضح أن الولايات المتحدة “ستسعى إلى تمديد وقف إطلاق النار هذا قدر الإمكان في المستقبل”.
ولم يمضيِ سوى يومين على الإعلان الأمريكي، حتى خرجت تركيا لتنفي وجود أي تهدئة.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية أنها لم توافق على أي عملية لوقف إطلاق النار مع “قسد” وفق بيان نقلته وكالة “الأناضول” التركية.
وجاء في البيان، “من غير الوارد بالنسبة لنا أن نلتقي بأي منظمة إرهابية، نعتقد أن ذلك مجرد زلة لسان”.
وذكر البيان أن “الإدارة الجديدة في سوريا وجيشها، الجيش الوطني السوري، بالتعاون مع الشعب السوري، سوف يحررون المناطق التي يحتلها تنظيم (PKK) (YPG) الإرهابي (في إشارة إلى قسد)”، بحسب الوزارة التركية.
من جانبه، قال مستشار العلاقات العامة في الوزارة، الأدميرال زكي أكتورك، في إحاطة صحفية، إن أولوية بلاده هي القضاء على “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب”، باعتبارها تشكل تهديدًا لأمن تركيا وسوريا.
وأضاف أن بلاده ستتعاون مع الإدارة الجديدة في سوريا في “الحرب ضد الإرهاب”.