أبرزها مص الإصبع.. سلوكيات خاطئة يمارسها الأطفال
عنب بلدي – سماح علوش
يسيطر شعور الخوف والتوتر على الطفلة أسيل (6 سنوات)، خشية أن يراها أحد والديها عندما تمص إصبع إبهامها، وهي عادة سيئة تمارسها منذ عدة سنوات.
تتوقف أسيل القاطنة مع عائلتها في مدينة إدلب عن ممارسة هذه العادة عندما يراها أحد ما، وتشعر بالخجل من نفسها.
حاولت والدتها أن تمنعها عن تكرار هذا السلوك بشتى الطرق، سواء بالترغيب وذكر أضرارها على أسنانها، أو الترهيب والمعاقبة لكن دون جدوى، إذ إنها تمارس هذه العادة عندما تشاهد التلفاز أو عند النوم بعيدًا عن أعين والديها، كي لا تعاقَب.
يكتسب الأطفال خلال مراحل نموهم وتطورهم العاطفي والاجتماعي العديد من السلوكيات السيئة التي تضر بصحتهم بالدرجة الأولى، وتعرضهم للتنمر والسخرية من أقرانهم، وتسبب لهم أذى نفسيًا إذا تفاقم الوضع، ويغفل بعض الأهالي عن مدى خطورتها في حال عدم القدرة على إيجاد حلول مناسبة للتخلص منها بشكل نهائي.
سلوكيات في المدرسة
تلعب المدرسة دورًا لا يستهان به في التربية والإرشاد النفسي، وخصوصًا للأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي كونهم الفئة الهشة في طور النمو، ومن السهل اكتسابهم عادات وسلوكيات يجهلون أضرارها.
قالت السيدة بيان، وهي معلمة أسيل في المدرسة، إنها تحاول دائمًا إشغال الطالب، وصرف نظره عن أي سلوك خاطئ يمكن أن يسبب له أذى جسديًا أو نفسيًا.
وأضافت لعنب بلدي أن الطفل يشرد في بعض الأحيان، ويسرح بخياله وهنا يقع بفخ هذه السلوكيات.
وتصادف المعلمات حالات مشابهة للطفلة أسيل، إذ أوضحت المعلمة لبنى العاملة في إحدى مدارس مدينة إدلب، أن الأطفال يكتسبون عادات سيئة من أقرانهم في الصف.
وقالت لعنب بلدي، إن لديها طالبة في الصف الأول كلما غضبت أو شعرت بالتوتر، تقوم بالصراخ وشد شعرها تعبيرًا عن استيائها، والمشكلة الكبرى أن زميلتها في المقعد تأثرت بها، وتحاول محاكاة ذات السلوك، علها تفرغ الطاقة الناتجة عن الغضب.
وتابعت أن هناك حالات أخرى كقضم الأظافر أو طقطقة الأصابع عند شعور الطفل بالقلق أو التوتر، إذ يعبر بسلوك غير صحي عمّا يفكر به، ويعتبر “حصر البول” السلوك الأكثر ضررًا بين تلك العادات، لما يسببه من أذى نفسي وصحي على حياة الطفل.
أسباب شخصية ومجتمعية
حول الأسباب التي تدفع الأطفال لممارسة سلوكيات خاطئة، أوضح مدير مركز “LOVAAS” لاضطرابات الأطفال، مصطفى العيسى، أنه لا يمكن إطلاق أسباب عامة، لاختلاف مسببات هذا السلوك من طفل لآخر.
وعلى سبيل المثال، ذكر العيسى كلامًا لطبيب الأمراض النفسية خوسيه بيدريرا، أنه “في حال استمر الطفل في مص إصبعه إلى حين بلوغه سن السابعة أو الثامنة، فإن النمو العاطفي وعلاقاته في هذه الحالة لا تتوافق مع سنه”.
أما عن نفس السلوك من ناحية أخرى، فقد يكون أحد أسبابه الشرود عند طفل في الصف الثاني مثلًا نتيجة فروق فردية مع زملائه، وكذلك شدة المعلم غير المتناسبة مع شخصيته الضعيفة التي تتعرض للتعنيف، أو أنه يعاني من اضطراب كرب ما بعد الصدمة (PTSD) نتيجة الأزمات التي مرّ بها هذا الطفل، وفق العيسى.
وأضاف العيسى أنه يمكن القول إن مص الإصبع عند طفل بعمر خمس سنوات، مع ضعف في اللغة وسلوكيات نمطية، قد يكون مؤشرًا كبيرًا على اضطراب طيف التوحد.
وقد يكون في أفضل الأحوال عادة يمارسها الطفل دون سبب ناشئ منذ الصغر، وأسهم في تعزيزها الأهل والمجتمع، رغم أن الحالة النفسية للطفل مستقرة وجيدة، بحسب العيسى.
وبشكل عام، ربما تكون لدى الطفل مشكلات عاطفية أو نفسية أو جسدية أو اجتماعية أوغيرها، لا يمكن تحديدها بشكل مطلق، ويمكن ذكرها على سبيل الذكر لا الحصر، فلكل سلوك ولكل طفل ولكل شخصية مثيرات تدفعه لفعل هذا السلوك دون غيره.
ولكل سلوك خاطئ تأثيرات مختلفة عن الآخر، فمص الإصبع يسبب من الناحية الفيزيولوجية مشكلات في الفك والحنك والأسنان، والتبول اللاإرادي يسبب ضررًا نفسيًا كبيرًا للطفل، ويؤدي به إلى تغيير في تكوين شخصيته، ويسبب له الانعزال أو الخجل أو الانطواء وربما الانسحاب الاجتماعي.
وأضاف العيسى أن الأضرار المترتبة تقاس بشدة السلوك وتكراره ونتائجه ومسبباته بتناسب طردي، فكلما ازدادت شدة السلوك وتكرر، كانت نتائجه أكثر شدة على الطفل.
حلول ومقترحات
“أبي ضربني وصرت رجال”، قال العيسى لعنب بلدي، إن هذه العبارة التي يكررها بعض الآباء كتبرير ضربهم لأبنائهم، ستترك تغيرات في شخصية الطفل، فإما سيكون مثل المثال السابق شخصية قاسية جدًا على أطفاله، أو سيغير فيها ويصبح شخصية سمعية هادئة تميل إلى عدم تكوين صداقات، وربما يصبح شخصية حسية تصل سلوكياتها إلى درجة الرهاب والخوف والبكاء عندما يرى طفلًا يُضرب.
وأوضح أنه لا يمكن تعميم الأسباب والنتائج إلا بعد تشخيص وتقييم وقياس سلوك كل طفل دون الآخر، وأن يبدأ المختص بالتسلسل المطلوب بداية من الأسباب الفيزيولوجية، فمثلًا ليست هناك مشكلات بولية عند طفل ما تسببت بتبول لا إرادي، وعند نفيها يعمل على تشخيص الأسباب وتقييم السلوك وقياسه ثم اختيار البرنامج المناسب لكل طفل، إن كان تعديل السلوك أو تحليل السلوك أو برامج المهارات.
وبشكل عام، فإن التعامل مع الطفل يجب أن يؤخذ بعين الرأفة والرحمة والإحسان والعدل، فكما لا نضرب ربّ الأسرة عندما يسكب الماء على السجاد وهو الأوعى والأعقل والأكبر والأكثر مهارة والأشد قوة في بيته، فالأولى أن ندرب الطفل ونعلمه بدلًا من معاقبته فيستقر نفسيًا، ولا يميل إلى ممارسة سلوكيات خاطئة.
وتركت سنوات الحرب في سوريا منذ عام 2011 ندوبًا نفسية لدى الأطفال السوريين، وفي عام 2021، أظهر ثلث الأطفال في سوريا علامات الاضطراب النفسي، بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
منظمة “أنقذوا الأطفال” قالت إن الأطفال في سوريا نشؤوا دون أن يعرفوا شيئًا سوى الصراع والنزوح، بعد مرور ما يقرب من 14 عامًا من الصراع.
وذكرت أن الأطفال شهدوا وعانوا من العنف الشديد وعانوا من فقدان أحبائهم، معتبرة أن الوضع هش والاحتياجات الإنسانية للأطفال وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية، وهم بحاجة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.
ووفقًا لتقرير “يونيسف“، الصادر في 24 من كانون الثاني الماضي، بمناسبة اليوم الدولي للتعليم، فإن نحو 2.4 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا.
وأضافت المنظمة أن الإحصائية شملت جميع مناطق سوريا، ويمثل عدد الأطفال خارج المدرسة نحو نصف عدد الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم 5.52 مليون طفل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :