عنب بلدي – علي درويش
زاد الضغط الشعبي والسياسي والعسكري على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرة “إدارة العمليات العسكرية” على معظم مساحة سوريا الجغرافية.
الضغط الشعبي والعسكري على “قسد” تبعته تصريحات دول غربية على رأسها الولايات المتحدة، بتغير وضع الساحة السورية والتي حصلت خلالها “قسد” على سلاح ودعم غربي، لكنها لا تزال متمسكة بمواقفها ومطالبها، وطريقة إدارتها للمنطقة أمنيًا، خاصة مع معارضيها.
حواضن لحكومة دمشق
مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، التي تشمل محافظتي الحسكة والرقة والقسم الشرقي من محافظة دير الزور، وأجزاء من ريف حلب الشرقي، معظمها يعتبر حواضن شعبية لحكومة تسيير الأعمال بدمشق.
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، يرى أن الأثر الأكبر الآن على “قسد” أن غالبية الشعب في المحافظات الثلاث وبمختلف أطيافه معارض للنظام السابق، وكان عندما يقارن بين النظام و”قسد” يفضّل الأخيرة على أن يعود إلى سيطرة نظام بشار الأسد.
وأضاف الشيخ علي لعنب بلدي، أن الوضع حاليًا تغيّر، والشعب في هذه المنطقة معارض للنظام وسعيد بسقوطه ومتفائل بالتغير الحاصل والإدارة الجديدة في دمشق.
والرأي العام الآن يطالب بالوصول إلى حل مع الإدارة الجديدة، وعدم البقاء بهذه الحالة المعلّقة، بالتالي خرجت مظاهرات بعدة مناطق وتوجد مطالب شعبية إلى جانب ضغط من فصائل عسكرية بهذا الاتجاه، “لذلك من الصعب بقاء الوضع في الفترة المقبلة على ما كان عليه بالنسبة لـ(قسد)”، وفق تعبير الشيخ علي.
“إدارة العمليات العسكرية” في شمال غربي سوريا أطلقت معركة “ردع العدوان” ضد قوات النظام السابق في 27 من تشرين الثاني الماضي، وسيطرت بشكل متسارع على المدن والبلدات وصولًا إلى دمشق وإسقاط النظام في 8 من كانون الأول الحالي.
قوات النظام خلال هذه الفترة سحبت قواتها من مختلف المناطق لصد هجوم الفصائل على حمص وحماة، وإحدى مناطق انسحابها كانت محافظة دير الزور.
“قسد” استغلت الوضع ودخلت إلى مدينة دير الزور، في 6 من كانون الأول، وهو ما قوبل برفض شعبي طالب “إدارة العمليات” بإرسال قوات لطرد “قسد”، وهو ما حدث بالفعل في 11 من كانون الأول.
وشهدت الحسكة والرقة مظاهرات مناهضة لـ”قسد”، قابلتها الأخيرة بإطلاق نار أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وإصابة آخرين.
أوراق قوة “قسد”
الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن “قسد” تحاول استغلال أوراق قوتها لتحقيق مكاسب سياسية من حكومة تسيير الأعمال في دمشق.
أوراق قوة “قسد” تتمثل بسيطرتها على معظم حقول النفط والغاز السوري كحقول العمر ورميلان للنفط وكونيكو للغاز (معمل غاز الطابية) ومحطة السويدية الحرارية، إلى جانب وجود سدود مهمة كسد الفرات في محافظة الرقة وهو أكبر سدود سوريا وسد تشرين في مدينة منبج شرقي حلب.
يضاف إلى أوراق قوتها ملف معتقلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في سجونها، وسيطرتها على مخيمات تقطن فيها عائلات التنظيم، وتحاول “قسد” استغلال الدعم الدولي لها بهذا الموضوع أيضًا.
ويقبع آلاف الأسرى من مقاتلي التنظيم “الدولة” في سجون “قسد”، وينحدرون من 60 دولة، وذلك منذ أن سيطرت على مساحات من شرق الفرات، حيث كان التنظيم ينتشر قبل عام 2017.
الباحث أسامة شيخ علي أشار إلى أن “قسد” تملك أيضًا أوراق قوة أخرى، وهي دعم التحالف الدولي لها، وقوتها العسكرية، فلديها قوات عسكرية مدربة.
إيحاء بالتفاوض
أوضح الباحث سامر الأحمد أن “قسد” تحاول أن توحي بأنها تفاوض، وأن لا مشكلة لديها بالمفاوضات، وبنفس الوقت تعزز سيطرتها وسطوتها الأمنية في مناطق سيطرتها، وذلك عبر فرض التجنيد الإجباري والاعتقالات والملاحقات وغيرها من الأمور.
لكن يوجد أمام “قسد” عائق مهم، وهو تركيا التي ترفض أي ارتباط أو وجود لحزب “العمال الكردستاني” بمستقبل سوريا، و”قسد” حتى الآن لا تعطي إشارات واضحة بإمكانية الفصل عن “العمال الكردستاني” وهذه مشكلة، وفق الأحمد.
وقال الأحمد، “أعتقد نحن أمام مأزق سياسي بين (قسد) وحكومة دمشق، حكومة دمشق بالنهاية لا تريد الدخول بصراع مسلح جديد، لكن هذا الصراع كان موجودًا على الطاولة، و(قسد) لم تعطِ حتى الآن إشارات واضحة بالتخلي عن السلاح والانضمام إلى الإدارة الجديدة”، وفق الأحمد.
التوازن اختل
يرى أسامة الشيخ علي أن “قسد” ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية” الآن في حالة إرباك وقلق مما حدث في سوريا، فـ”الإدارة” كانت قائمة على التوازنات بين قوى الداخل (معارضة، نظام، إدارة ذاتية)، وكانت تحاول أن تلعب على هذا التوازن.
والآن مع سقوط النظام، اختل هذا التوازن وهناك طرفان فقط، السلطة الجديدة في دمشق و”الإدارة الذاتية”، “لذلك موقفها صار أصعب وأوراقها قلّت بشكل كبير”، وفق الشيخ علي.
لكنّ هناك عاملًا لا يمكن إنكاره وهو الموقف الأمريكي، حتى الآن الوجود الأمريكي يعوق أي تقدم عسكري للفصائل أو للجيش التركي للقضاء على “الإدارة الذاتية” عسكريًا.
ووفق الشيخ علي، حتى إن انسحبت أمريكا من سوريا، فإن موضوع القضاء على “قسد” بطريقة عسكرية سيكون صعبًا وبتكلفة عالية جدًا وتداعيات كبيرة على المنطقة.
وتعمل “قسد” الآن على تشكيل وفد والذهاب إلى دمشق للتفاوض مع “القيادة العامة” في سوريا، وعلى صعيد آخر هناك مفاوضات كردية- كردية بين “قسد” و”المجلس الوطني الكردي” لتشكيل وفد كردي موحد للتفاوض مع دمشق.
وفي حال نجحت “قسد” بتشكيل وفد كردي موحد والذهاب إلى دمشق، سيكون موقفها التفاوضي أقوى، لكن بحسب الشيخ علي، هذا الأمر صعب تحقيقه الآن بسبب التجارب السابقة، أي تجارب مفاوضات “المجلس الوطني الكردي” مع “قسد”.
ورجح الشيخ علي أن “القيادة العامة” في سوريا تفضل حل موضوع “قسد” عن طريق التفاوض، “لكن لا أعتقد أنهم سيقبلون بالوضع القائم حاليًا، إذا لم تصل المفاوضات إلى نتيجة محددة وواضحة، أعتقد أن القيادة العامة يمكن أن تتجه إلى الحل العسكري، خاصة إذا كان موضوع الانسحاب الأمريكي واردًا وعدم الاهتمام الأمريكي بهذا الموضوع”، وفق قوله.
تصريحات لا تصب بمصلحة “قسد”
قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إنه يجب نزع سلاح “قسد” وضمها إلى قوات حكومة تسيير الأعمال في دمشق.
وجاء تصريح بيربوك بعد محادثات مع نظيرها التركي، هاكان فيدان، بالعاصمة التركية أنقرة، في 20 من كانون الأول الحالي.
وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن بيربوك في مؤتمر صحفي، فإن أمن الكرد ضروري لسوريا حرة، ولكن يجب أيضًا معالجة المخاوف الأمنية التركية لضمان الاستقرار، “يجب نزع سلاح المجموعات الكردية ودمجها في هيكل الأمن الوطني”.
موضوع “قسد” كان حاضرًا أيضًا في نقاشات الوفد الأمريكي الذي التقى مع قائد “القيادة العامة” في سوريا، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في دمشق.
مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، باربارا ليف، قالت في مؤتمر صحفي عُقد عن بعد حضرته عنب بلدي، إن الظروف التي دفعت الكرد في شمال شرقي سوريا للدفاع عن أنفسهم تغيرت بشكل كبير للغاية.
وأضافت ليف أن وقف إطلاق النار في مدينة عين العرب/كوباني، والانتقال المنظم لدور “قسد” أفضل السبل للمضي قدمًا.
وأكد الوفد الأمريكي أهمية الإدماج والتشاور الواسع خلال الفترة الانتقالية في سوريا.
قائد “قسد”، مظلوم عبدي، ذكر، في 19 من كانون الأول الحالي، أن تعاطي “إدارة العمليات العسكرية” وأسلوبها في التعامل مع الملفات الأساسية، هو ما يحدد إذا كانت سوريا تتجه نحو الاستقرار أم التصعيد، مضيفًا أن هناك “فرصة تاريخية” لتحقيق حلم الشعب السوري في بناء سوريا جديدة بعد سقوط نظام الأسد.
وفي نفس اليوم، اعترف عبدي بوجود مقاتلين أجانب في صفوف قواته، وأبدى استعداده لمغادرتهم الأراضي السورية، في حال تم التوصل لإطلاق نار.
ويحاول عبدي في هذا الطرح تخفيف التوتر مع تركيا التي طالما اعتبرت “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”، وذلك يعود لتحكم كوادر حزب “العمال” خاصة الأجانب في مفاصل “قسد”.
وفي لقاء آخر مع صحيفة “the world” البريطانية، في 19 من كانون الأول الحالي، دعا عبدي الولايات المتحدة إلى الضغط على تركيا، بهدف منع هجوم متوقع على مدينة عين العرب بريف حلب الشرقي.
في 17 من كانون الأول، أبدى عبدي استعداده لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة عين العرب شرقي حلب، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف ووجود أمريكي.
وأعلن عبدي، في 11 من كانون الأول، التوصل إلى “اتفاق لوقف إطلاق النار في منبج بوساطة أمريكية”، وذكرت الخارجية الأمريكية أن الاتفاق تم مديده لنهاية الأسبوع الحالي، لكن وزارة الدفاع التركية قالت إنها لم توافق على أي عملية لوقف إطلاق النار مع “قسد” في سوريا.