يتناول الفيلم اللبناني “وينن”، الصادر عام 2013، قضية حاضرة في حياة اللبنانيين والسوريين على حد سواء منذ عقود من الزمن، مع اختلافات طفيفة في السياقات ربما، إذ يركّز العمل كليًا على قضية المفقودين خلال الحرب.
تدور الأحداث حول حياة عائلة فقدت ستة من أبنائها، ولا تعلم شيئًا عن مصيرهم إثر اختفائهم وتغييبهم خلال الحرب الأهلية في لبنان، لتجتمع العائلة بعد نحو عقدين من غياب الإخوة الستة وتتباحث في مسألة بيع منزلهم الذي يضم ذكرياتهم وحياتهم الماضية التي تشاركوها مع الغائبين.
تتقاطع هذه الجزئية مع الواقع السوري على مدار العقود الماضية على اعتبار أن الجاني وباعث المعاناة في القضيتين والبلدين واحد، نظام الأسدين، الأب والابن، فاللبنانيون يشيرون صراحة إلى دور هذا النظام في معاناتهم وتعطشهم الدائم لمعرفة مصير ذويهم من المفقودين بالآلاف، الذين طواهم الفقد خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت بين نيسان 1975 وتشرين الأول 1990، وشهدت في عامها الثاني دخول “الجيش السوري” إلى لبنان، وبقاءه على أراضيها حاكمًا وآمرًا وناهيًا حتى انسحابه عام 2005، مرغمًا.
وإذا كانت هذه الفترة من تاريخ لبنان غنية بالمعاناة، فإن آثار هذه المعاناة لا تزال مستمرة، والمفقودون ما زالوا مجهولي المصير، حتى بعد تحطيم أقفال سجون نظام الأسد المخلوع، الذي بدأت المعاناة خلال حكم والده وترسخت خلال حكمه، وهو ما عزز معاناة ذوي المعتقلين في سوريا ولبنان معًا.
العائلات اللبنانية تبحث منذ عقود عن آلاف من أبنائها، والسوريون منذ عقود في الحالة ذاتها، بعدما وثقت سنوات الثورة على حكم بشار الأسد أكثر من مئة ألف معتقل، لم يعودا بالكامل بعد فتح أبواب الزنازين.
ورغم غياب الإحصائيات الرسمية حول المختفين قسرًا في سوريا بعد سقوط الأسد، وأعداد الخارجين من المعتقلين، فإن محاربة الأهالي لليأس، وإلصاق صور المفقودين في الطرقات، والبحث المستمر بشتى السبل، واكتشاف المقابر الجماعية، وسجلات بأسماء الضحايا، وخروج معتقلين من جنسيات مختلفة، بما فيها لبنان، يقول الكثير حول طغيان نظام الأسد من جهة، وحجم الغياب والفقد الذي تعانيه العائلات التي أحيا إسقاط الأسد آمالها بعودة الغائبين.
وإذا كان انتظار اللبنانيين دون بصيص أمل مستمرًا منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن الكثير من السوريين مفقودون منذ ثمانينيات ذلك القرن، بعدما غيّبهم حافظ الأسد، لتخرج مؤخرًا قلة قليلة ممن قضوا أكثر من 40 عامًا في زنازين دخلوها شبابًا، وخرجوا منها في سن الشيخوخة.
فيلم “وينن” من تأليف جورج خباز، وإخراج كريم دكاش، وبطولة جورج خباز وندى أبو فرحات وديامان عبود وطلال الجردي وإيلي متري وتقلا شمعون، ومدته ساعة ونصف تقريبًا.