تعتبر رواية “الموتى لا يلقون النكات” واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التي أضاءت على حقبة زمنية فارقة في حياة الشعب السوري منذ بداية القرن الـ21 ووصول بشار الأسد إلى السلطة بلا انتخابات بعد والده حافظ الأسد.
كاتب الرواية الصحفي حسين الزعبي، حرمه الموت من أن “يلقي النكات”، وهو ما فعله ملايين السوريين بعد سقوط النظام على الرغم من سنوات الألم والقهر، إذ توفي بمنفاه القسري بفرنسا، في 27 من تشرين الأول الماضي، بعد صراع مع المرض.
أحداث الرواية التي استعانت بقصة عاطفية حولتها إلى ممشى درامي لها أمعنت في الزمن وصولًا إلى الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وما رافقها من فتوحات وانتصارات عظيمة على نظام الأسد المخلوع، قبل العودة إلى دوامة الانكسارات والخسائر التي خرج السوريون منها مؤخرًا بتحقيق الهدف الأكبر للثورة المتمثل بإسقاط حكم الأسد.
استفاد الكاتب من مهنته الأصلية كصحفي في منح الأحداث بعدًا توثيقيًا وتسلسلًا تاريخيًا على لسان أبطاله، قبل الحديث عن الأسلوب الذي بدا مختلفًا كليًا عن بعض مفرزات القطاع الأدبي خلال الآونة الأخيرة، التي اتخذت من الثورة وسرد أحداثها أو محاولة توثيقها جواز عبور لاعتبار هذه الأعمال روايات أولًا، ولتحقيق رواج نسبي ثانيًا، بمعزل عن القيمة الأدبية، والبعد التوثيقي، وأسلوب الصياغة، طالما أن كثيرًا من هذه الأعمال لم تسلك مسار النشر الطبيعي المتعلق بالتحرير والتدقيق اللغوي، ما أتاح وصول أعمال “ناقصة” للجمهور، وهو ما تلافته “الموتى لا يلقون النكات”.
تقدم الرواية أكثر من نموذج لخسائر لا تنتهي في عهد الأسد المخلوع، ونماذج لضحايا تعاطي نظام الأسد القمعي مع الثورة السورية، فأصلان مثلًا شاب غادر إلى مصر وتزوج شابة معارضة للنظام اسمها نايا، لكنها عادت إلى سوريا وتعرضت للاعتقال والتعذيب، وأصلان انتحر بعدما رمى نفسه في النيل.
أما فارس، فأصيب بالسرطان في الغربة وكتب رسائل لصديقته صوفي يشرح فيها الأوضاع في سوريا، وهو ما سخره الكاتب واختتم به الرواية، بينما نادر واحد من أطباء الثورة الذين يعالجون الناس في المناطق الثائرة، قُتل خلال محاولة الخروج من إحدى المناطق.
اللغة في “الموتى لا يلقون النكات” بسيطة وقريبة من الناس وروح الحياة اليومية، وتتمتع بأسلوب ساخر، يقوم على الكوميديا السوداء، فرغم زخم المعاناة، لا تخلو من الطرافة، وروح النكتة والعمق، دون أن تلغي جانب التحريض على التأمل والتفكير في حتمية الموت والنهاية وجوانب إنسانية مأساوية مختلفة مقدمة بأسلوب مشوق.
كتب الرواية حسين الزعبي، وهو كاتب سوري من أبناء بلدة المسيفرة في محافظة درعا، جنوبي سوريا، وخريج قسم الصحافة في جامعة “دمشق”، وصدرت الرواية عام 2022، وعدد صفحاتها 237 صفحة.