حكومة المرحلة أمام اختبار الـ90 يومًا

  • 2024/12/22
  • 3:14 م
قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع يعلن انتصار الثورة السورية من المسجد الأموي بدمشق - 8 كانون الأول 2024 (AFP)

قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع يعلن انتصار الثورة السورية من المسجد الأموي بدمشق - 8 كانون الأول 2024 (AFP)

حسن إبراهيم | هاني كرزي | جنى العيسى

بدأ العد التنازلي لحكومة تسيير الأعمال السورية، التي تدير دفة الحكم على أنقاض منظومة هشة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، في مسار مدته 90 يومًا، لا يزال يتسم بالضبابية والتشتت، وتعترضه المطبات، مع حديث عن التحول من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة والمؤسسات.

تحت أنظار ومراقبة دولية وأممية وشعبية، تحبو حكومة تسيير الأعمال في أروقة حكم سوريا، آخذة بالتوسع بدءًا من نواتها حكومة “الإنقاذ” التي كانت تعمل في إدلب، منذ 2017، إلى السيطرة على مفاصل القطاعات في عموم الجغرافيا السورية.

بلد منهك وممزق ومدمّر، يحمل إرثًا وعبئًا ثقيلًا تمتد جذوره لـ53 عامًا من سيطرة آل الأسد، قبع آخر 13 عامًا ضمن أسوأ مراكز التصنيف العالمية على مستويات عدة، ينتظر منذ هروب بشار الأسد، في 8 من كانون الأول الحالي، تغييرات بالحد الأدنى، مع آمال بالتعافي تدريجيًا، وخلق أرضية تؤسس لدولة يحلم بها السوريون.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على خطوات حكومة تسيير الأعمال سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، والممكن إنجازه في فترة الـ90 يومًا، والعقبات أمامها، وتناقش مع مختصين وخبراء تفاصيل هذه الخطوات والأولوية فيها، والمطلوب تقديمه، ومآلاتها.

ثلاث مراحل لبداية سوريا جديدة

في 27 من تشرين الثاني الماضي، أطلقت فصائل المعارضة السورية عملية “ردع العدوان” ضد قوات نظام بشار الأسد وحلفائه، أفضت خلال 11 يومًا إلى سقوط النظام، وفرار الأسد إلى روسيا.

وكلفت “إدارة العمليات العسكرية” التي دارت المعركة، محمد البشير (رئيس حكومة الإنقاذ)، في 10 من كانون الأول، بتشكيل حكومة تسيير أعمال لمدة مؤقتة، حتى 1 من آذار 2025، والتي بدأت بتسلّم المهام والصلاحيات.

وتصدر قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، المشهد، وقابل عدة وفود دولية وأممية في العاصمة دمشق، وحدد ثلاث مراحل يجب أن تمر بها سوريا، الأولى تسلم حكومة مؤقتة، وهو ما تحقق بوجود حكومة تسيير الأعمال.

المرحلة الثانية تتمثل بدعوة لمؤتمر وطني جامع لكل السوريين، يصوت على بعض المسائل المهمة مثل حل الدستور وحل البرلمان، وتشكيل مجلس استشاري يملأ الفراغ البرلماني والدستوري خلال الفترة المؤقتة (تسيير الأعمال)، حتى تكون هناك بنية تحتية لانتخابات (المرحلة الثالثة) في ظل وجود قرابة نصف السوريين خارج البلاد، وكثير منهم ليس لديه وثائق، وهناك حاجة لإحصاء شامل والتواصل مع الجاليات في المهجر.

وقال الشرع، إن من حق الناس أن يختاروا من يحكمهم ويمثلهم في مجلس النواب، ولا أحد يستطيع إلغاء الآخر في سوريا، مع وعود بمحاولة الوصول عبر الحوار لعقد اجتماعي كامل يحافظ على أمن مستدام للسوريين، لافتًا إلى أن الحكم في سوريا سيكون متناسبًا مع ثقافة وتاريخ البلد، وأن سوريا لن تكون نسخة من أفغانستان.

لقاء جمع بين قائد القيادة العامة أحمد الشرع ورجال الأعمال في العاصمة دمشق- 19 من كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

الاقتصاد وحاجة الناس.. تأمين الوقود أولوية

يعد الملف الاقتصادي والمعيشي في سوريا من أبرز التحديات التي تواجه حكومة تسيير الأعمال، خاصة في ظل تعطل الإنتاج منذ سنوات وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.

لا يمكن اختزال ما أدى لتدهور الاقتصاد خلال فترة حكم الأسد بعد عام 2011 ببضعة أسطر، إلا أن بعض القوانين التي سنّها أسهمت بشكل مباشر بإفقار السوريين، فيما لم تمنع بعض الإجراءات من تدهور القوة الشرائية.

إلى جانب العديد من القرارات، تبرز مسألة نقص الوقود التي عطلت عشرات المنشآت الصناعية والتجارية، وشلّت حركة التجارة، الأمر الذي أثر سلبًا على المعروض في الأسواق المحلية، ودفع بأسعار السلع للصعود بشكل يفوق قدرة الناس على الحصول عليها.

وخلال السنوات الماضية، لجأت حكومة النظام المخلوع إلى تحرير أسعار العديد من السلع أبرزها المحروقات، لكنها لم تقابل هذا الإجراء بزيادة مجزية للرواتب من شأنها تقليل الفجوة.

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، الدكتور عبد الله الدردري، قال قبل أيام، إن التقديرات الأممية الأولية تشير إلى أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عامًا من التنمية البشرية.

وأوضح الدردري أن الناتج المحلي الإجمالي سجل تراجعًا كبيرًا من 62 مليار دولار أمريكي في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط في عام 2023، في تصريحه لصحيفة “الشرق الأوسط”، في 13 من كانون الأول الحالي.

فيما ارتفع معدل الفقر في سوريا من 12% في عام 2010 إلى أكثر من 90% في 2023، مع تجاوز معدل الفقر الغذائي نسبة 65% من عدد السكان، بحسب التقديرات الأممية.

في ظل هذه المعطيات، تواجه حكومة تسيير الأعمال تحديًا صعبًا في إحداث تغيير إيجابي ينعكس على السوريين، وسط عدم وجود فرص واضحة قد تدعم رغبتها بالتغيير.

نحو اقتصاد حر

في الأيام العشرة الأولى لتسلمها الحكم في سوريا، لم تتضح بعد خطة حكومة تسيير الأعمال في الشأن الاقتصادي، إلا أنها ألغت العديد من القرارات التي أرهقت أصحاب رؤوس الأموال، في بادرة اعتبرها مختصون أنها على الطريق الصحيح لتعافي الأنشطة الاقتصادية.

من أبرز تلك القرارات إلغاء “منصة المستوردات”، وإلغاء الدليل التطبيقي للاستيراد، والسماح باستيراد جميع المواد من كل دول العالم، وإلغاء جميع الرسوم المفروضة على الاستيراد والتي كانت تضاف إلى الرسوم الجمركية، وإلغاء نظام التسعير للسلع المنتجة محليًا والمستوردة، فضلًا عن توحيد سعر الصرف بنشرات سعر الصرف الصادرة عن مصرف سوريا المركزي، بالإضافة إلى وقف منع التداول بالعملات الأجنبية.

رئيس غرفة “تجارة دمشق” صرح بأن حكومة تسيير الأعمال أبلغت رجال الأعمال بأنها ستتبنى نموذج السوق الحرة وتدمج البلاد في الاقتصاد العالمي.

اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر أو نظام الاقتصاد الرأسمالي، هو نظام يسمح للفرد بالقيام بأي نشاط اقتصادي يريده، وافتتاح أي مشروع، بالإضافة إلى حرية التعاقد بين الأفراد والمؤسسات، دون تدخل الدولة أو أجهزتها بذلك، بمعنى أن تترك الدولة السوق تضبط نفسها بنفسها دون أي تدخل في الأنشطة الاقتصادية.

وجود نظام اقتصاد السوق الحرة لا يعني غياب الدولة والقطاع العام في تنظيم الحياة الاقتصادية داخل المجتمع، لأن الاقتصاد الحر قد يتسبب في احتكار بعض المؤسسات والأفراد للسوق من خلال احتكار المنتجات، لذلك نشأت فكرة “الاقتصاد الاجتماعي”، وهو بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي، وتسعى الدولة من خلاله إلى تحقيق الموازنة والمساواة بين أفراد الوطن، وإعطاء الطبقات المتوسطة والفقيرة حقوقها.

سياسة الاقتصاد الحر تقوم على تحرير الاقتصاد وجعل الأسعار مرتبطة بالعرض والطلب للسلع، دون تدخّل من قبل الدولة كما هي الحال في النظام المركزي الاشتراكي.

الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور سليمان موصلّي، قال لعنب بلدي، إن سوريا تحولت بين يوم وليلة من اقتصاد القلة إلى اقتصاد السوق، موضحًا أن هذا التحول يجب أن ترافقه إجراءات تدريجية ومناسبة حتى يستعيد السوق توازنه.

وأوضح موصلّي أن من بين تلك الإجراءات عدم زيادة الرواتب بنسبة 300% دفعة واحدة، بل بشكل تدريجي مثلًا 100% كل عام، وعدم السماح باستيراد السيارات في هذه المرحلة لأن ذلك يستنزف القطع الأجنبي المحدود أصلًا.

كما يجب فرض رسوم جمركية بشكل انتقائي على السلع الكمالية، وإطلاق حملات لجذب الاستثمارات الأجنبية بصيغة الشركات المساهمة، وفق ما يرى الدكتور في الاقتصاد.

الرواتب أم الدعم.. ما الأولى؟

التوجه نحو الاقتصاد الحر سيلغي نظام دعم السلع، وهو ما لوحظ فور تسلم الحكومة لمهامها، إذ رافقت عملية إلغاء “البطاقة الذكية” التي كان يشتري الناس بموجبها ربطة الخبز بـ500 ليرة سورية، تحرير أسعار المادة، وبيعها بأكثر من 2000 ليرة سورية.

رغم أن عددًا من الخبراء لا يشجعون على استكمال نظام دعم السلع، فإن وقف العمل به دون إجراءات اقتصادية موازية قد يفقر الناس أكثر، ويزيد من تدهور قوتهم الشرائية.

خلال الأيام الماضية، وعد الشرع بزيادة على الرواتب والأجور قدرها 400% من أصل الرواتب الحالية، دون أن يذكر بدقة متى أو كيف سيبدأ العمل بها، سبقته وعود من محمد البشير بزيادة قدرها 300%.

الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، قال لعنب بلدي، إن أولويات هذه المرحلة بالنسبة لحكومة تسيير الأعمال يجب أن تتركز على الخبز والوقود ورفع الرواتب.

وأضاف تركاوي أن نسبة الفقر الكبيرة تجعل مادة الخبز أساسية لكل عائلة كمكون غذائي شامل.

تركاوي أوضح أن تحسين حركة الوصول إلى الوقود في سوريا بهذه المرحلة أمر مهم، كونه يحرك المصانع والمواصلات وتأمين الطعام والدفء للعائلات، ويحسّن من وصل التيار الكهربائي، وغيرها من القطاعات التي تبنى بشكل رئيس على الوقود.

ويرى الباحث الاقتصادي أن مسألة رفع الرواتب قضية مهمة في هذا السياق، خاصة في حال كانت بنسبة مجزية كما جرى الحديث عنها (حوالي 400%)، إذ سيزيد ذلك من القوة الشرائية للمواطنين، وسيصبحون أكثر قدرة على الحصول على موادهم الأساسية.

ويعتقد الباحث أن زيادة الرواتب من شأنها تدوير عجلة الاقتصاد في البلاد بشكل سريع ومهم، إذ ستصرف هذه الرواتب في الأسواق، وتزيد الطلب على المواد والسلع بأنواعها، وبالتالي ستتعزز الحركة الإنتاجية.

“زيادة الرواتب يمكن تأجيلها”

إلى جانب تأمين السلم الأهلي للمواطنين، يجب على حكومة تسيير الأعمال في هذه المرحلة تأمين متطلبات الحد الأدنى للمعيشة للمواطنين، بحسب ما يرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس.

ويتفق الباحث رضوان الدبس مع الباحث خالد تركاوي، بأن ملف الطاقة والوقود من أبرز الأولويات، كونه مشغلًا لكل القطاعات الإنتاجية، ويؤدي توفر الوقود إلى توفر الكهرباء والمياه والزراعة والإنتاج وتشغيل الأفران والمواصلات وغيرها.

فيما يتعلق بموضوع زيادة الرواتب، اعتبر رضوان الدبس أن من المبكر الحديث عن هذه الخطوة، خاصة خلال الأشهر الثلاثة لتسلم حكومة تسيير الأعمال.

الدبس فسر رؤيته بأن سوريا كانت غارقة بفساد عميق ومشكلات اقتصادية كبيرة من نهب وسرقات، ما يجعل من الصعب تحمل عبء رفع الرواتب بنسبة كبيرة على ميزانية الدولة، التي لا تستطيع تأمين هذه النسب من الزيادة أساسًا.

وأشار الباحث إلى أن قدرة الحكومة في الوقت الحالي على محاربة احتكار المواد للتجار وتحسين أسعار بعض السلع وضبطها، قد تساعد الناس على تأمين احتياجاتهم الأساسية دون إرهاقهم.

12.9 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي

في 12 من كانون الأول الحالي، قال برنامج الأغذية العالمي، إن هناك حاجة إلى تمويل بقيمة 250 مليون دولار خلال الأشهر المقبلة في سوريا لتلبية الاحتياجات الإنسانية.

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في سوريا، كين كروسلي، إنه خلال هذه الفترة الحرجة التي تمر بها سوريا، توجد فرق برنامج الأغذية العالمي على الأرض لضمان حصول الأشخاص الأكثر ضعفًا في البلاد على المساعدات الغذائية العاجلة التي يحتاجون إليها.

وأضاف كروسلي، “في الوقت الحالي، أصبحت طرق الإمداد التجارية معرضة للخطر، وارتفعت أسعار المواد الغذائية، وانخفضت قيمة العملة السورية، كما أن المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت أصبحت نادرة، وارتفعت أسعار الخبز، ما يجعل من الأهمية بمكان أن نكثف جهودنا للمساعدة خلال موسم الشتاء هذا”.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن حوالي 12.9 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في بداية هذا العام، بمن في ذلك ثلاثة ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، في حين انخفضت المساعدات الإنسانية بشكل كبير بسبب نقص التمويل.

قائد “القيادة العامة” في سوريا أحمد الشرع مع عسكريين في الفصائل السورية – 21 كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

ملفات سياسية على الطاولة.. “العقوبات والإرهاب” تحت المجهر

ملفات كثيرة على طاولة حكومة تسيير الأعمال خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وسط مساعٍ لتجاوز بعض العقبات التي تحد أو تعوق عملها، على رأسها إلغاء العقوبات الغربية المفروضة على سوريا في عهد الأسد، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” أبرز فصائل المعارضة على قائمة “الإرهاب”.

كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى فرضت عقوبات اقتصادية وسياسية على نظام الأسد وشخصيات مرتبطة به، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان، والقمع الدموي الذي قابل به الثورة.

بعد سقوط نظام الأسد، تكررت دعوة الشرع إلى رفع العقوبات الغربية عن سوريا، قائلًا إن جميع القيود بحاجة إلى رفع حتى تتمكن سوريا من إعادة البناء، وإن العقوبات كانت مفروضة على “الجلاد الذي رحل الآن”.

إزالة من التصنيف.. واشنطن تفرد أوراقها

طالب قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع، برفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، وفي مقابلة مع قناة “بي بي سي” البريطانية، شدد الشرع على أن “الهيئة” ليست جماعة “إرهابية”، وأنها لم تكن تستهدف المدنيين أو المناطق المدنية، وكانت ضحية لجرائم الأسد.

قائد الجناح العسكري في “تحرير الشام“، مرهف أبو قصرة الملقب بـ”أبو حسن الحموي”، طالب بحذف “الهيئة” وقائدها الشرع من قائمة “الإرهاب” الخاصة بالمنظمات والأفراد.

“هيئة تحرير الشام” رأس حربة الفصائل التي شاركت بعملية “ردع العدوان”، ابتعدت عن التصريح أو الظهور بشكل رسمي كفصيل عسكري، منذ 27 من تشرين الثاني الماضي، وكل ما يتعلق بها يندرج تحت عمل “إدارة العمليات العسكرية”، وحكومة تسيير الأعمال في دمشق.

وباختلاف المسميات، بدءًا من “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام” إلى “هيئة تحرير الشام”، لا يزال الفصيل مدرجًا على قوائم الإرهاب لدى أمريكا وعدة دول أخرى، لكن ذلك قيد النظر، ويعتمد على تغيير السلوك، حيث أبدت واشنطن لهجة مختلفة تجاه الفصيل وقائده.

الولايات المتحدة التي لا تزال تصنّف “أبو محمد الجولاني” كـ”إرهابي عالمي” منذ أيار 2013، أوقفت مؤخرًا رصد مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه، بعد أن عرضتها منذ 2020.

وفي 20 من كانون الأول الحالي، أجرت واشنطن أول محادثات رسمية مع الشرع، عبر لقاء جمعه بمساعدة وزير الخارجية الأمريكي، باربرا ليف، وسفير الولايات المتحدة، روجر كارستينز، والسفير دانيال روبنشتاين، في دمشق، لتكون أول زيارة لدبلوماسيين أمريكيين إلى العاصمة السورية منذ عام 2012.

ولم توضح المسؤولة الأمريكية ما إذا كانت واشنطن سترفع أيضًا اسم الشرع من قائمة الإرهاب.

وقالت ليف في مؤتمر صحفي افتراضي حضرته عنب بلدي، إن الشرع شخص براغماتي، و”سمعت منه تصريحات عملية ومعتدلة للغاية حول قضايا المرأة والحقوق المتساوية، والمناقشات معه كانت جيدة ومثمرة للغاية”.

وأضافت أن بلادها تدعم عملية سياسية يقودها السوريون تؤدي إلى حكومة شاملة تحترم حقوق الجميع، وجرت مناقشة عدة نقاط هي:

  • الحاجة لضمان عدم تمكن الجماعات “الإرهابية” من تشكيل تهديد لسوريا، والتزم أحمد الشرع بذلك.
  • تقديم الولايات المتحدة الدعم الفني إلى سوريا لتوثيق جرائم نظام بشار الأسد، وستكون القبور الجماعية أولوية.
  • تنظر الولايات المتحدة في أمر العقوبات، و”يتعين على الحكومة السورية الجديدة أن تكون متجاوبة وتظهر التقدم”.
  • تعمل واشنطن على إرسال مسؤولين أمريكيين إضافيين إلى دمشق للمساعدة في البحث عن المواطنين الأمريكيين.

ورحبت ليف بالرسائل الإيجابية، لكنها تتطلع إلى إحراز تقدم بشأن هذه المبادئ عبر الأفعال وليس الأقوال، مشيرة إلى أن التواصل مع السوريين والاستماع إليهم بشكل مباشر مثّل فرصة مهمة، ولديهم فرصة نادرة لإعادة بناء وتشكيل بلادهم.

وفي هذا الإطار، دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، السلطات الجديدة في سوريا إلى ضرورة الاستفادة من تجربة “حركة طالبان” في أفغانستان، وإلا ستلاقي “عزلة في جميع أنحاء العالم”، وهو ما نفاه الشرع، قائلًا إن “سوريا نموذج مختلف”.

ولفت بلينكن إلى أنه على “المجموعة الناشئة في سوريا”، إذا كانت لا تريد العزلة، تحريك البلاد إلى الأمام والتأكد من المضي قدمًا بطريقة شاملة، وغير طائفية، للتعامل مع الأقليات وحمايتها، والتعامل مع بعض التحديات الأمنية، سواء كانت الأسلحة الكيماوية، أو مجموعات مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وفي تحليل نشره معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى“، اعتبر أنه يمكن شطب جماعة معينة من قائمة “الإرهاب”، إذا قرر وزير الخارجية الأمريكي أن الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائها أو أن مصالح الأمن القومي الأمريكي تبرر إلغاءها.

وذكر أن إلغاء هذه العقوبات أمر أساسي لمنح القيادة السورية ما بعد الأسد فرصة لبناء نوع مختلف من الحكومة والبلد، ولكن أي عملية شطب من قائمة “الإرهاب”، سواء على مستوى الدولة أو الجماعة أو الأفراد، يجب أن تكون عن طريق الاستحقاق، وليس عن طريق الهبة.

ماذا عن تصنيف الدول الأخرى

طالب وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الدول الغربية بإعادة النظر في تصنيف “تحرير الشام” على قوائم “الإرهاب”، مشيرًا إلى أن بلاده ستعيد النظر في هذا التصنيف.

وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلد كامب، اعتبر أن الوقت ما زال مبكرًا لرفع العقوبات، مشددًا على أن أي خطوة للتسامح يجب أن تكون مشروطة.

كما دعا وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إلى إجراء حوار مع الإدارة الجديدة في سوريا قبل التفكير في رفع العقوبات، مشددًا على ضرورة وضع خطوط حمراء تُحدد مستقبل البلاد.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، فشددت على أنه يمكن إعادة النظر في العقوبات الاقتصادية واسعة النطاق على سوريا، في حال أحرزت القيادة الجديدة تقدمًا نحو انتقال شامل وديمقراطي للسلطة.

روسيا، أبرز حلفاء النظام السوري المخلوع، والتي تدخلت في سوريا عسكريًا منذ أيلول 2015، قالت إنها ستبدأ تقييمًا بشأن إزالة “هيئة تحرير الشام” من قائمة “الإرهاب”.

الخبير في الشأن الروسي الدكتور محمود الحمزة، يرى أن تصريحات موسكو هدفها التأثير إيجابًا على “هيئة تحرير الشام” والحكومة السورية الجديدة، لكسب ودها وبناء علاقة جيدة معها، كون الوجود الروسي في سوريا متعلقًا بالتفاوض مع الحكومة الجديدة في دمشق.

 

ليكون هناك تعاون مع الحكومة السورية الجديدة، أعتقد أن على روسيا أن تقدم مبادرات وتظهر حسن نية، كتقديم مساعدات إنسانية، والأهم من ذلك تسليم بشار الأسد للحكومة السورية، كون هذا الأمر مطلبًا شعبيًا، وإذا تجاهلت موسكو هذا الطلب سيؤثر ذلك على علاقتها مع حكومة تسيير الأعمال.

د. محمود الحمزة

خبير في الشأن الروسي

 

ويتوقع الحمزة أن تماطل روسيا كثيرًا في إزالة “تحرير الشام” من قائمة “الإرهاب”، حتى تأخذ ضمانات من الحكومة الجديدة بما يخص وجودها في سوريا، والدليل على ذلك أن روسيا منذ عام تتحدث أنها ستزيل “حركة طالبان” من قائمة “الإرهاب”، لكنها لم تفعل ذلك رغم تواصلها المباشر مع الحركة.

أبو محمد الجولاني قائد “هيئة تحرير الشام” في قلعة حلب بعد السيطرة عليها – 4 من كانون الأول 2024 (إدارة العمليات العسكرية)

معضلة “الإدارة الذاتية”.. نقص خبرة دبلوماسية

من أبرز التحديات السياسية والأمنية الداخلية، ملف التعامل مع “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، وهو ما تتعامل معه “القيادة العامة” وحكومة تسيير الأعمال.

بعد يومين من سقوط نظام بشار الأسد، أبدى قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، استعداده للتواصل مع السلطة الجديدة في دمشق، مشددًا على ضرورة تمثيل جميع المناطق والمكونات من خلال الحوار.

“الإدارة الذاتية” أطلقت مبادرة للحوار مع “القيادة العامة” التي تولت زمام الإدارة في العاصمة دمشق، وقالت، في 16 من كانون الأول، إن التعاون سيكون في مصلحة جميع السوريين، وسيُسهم في تسهيل الخروج من هذه المرحلة.

تدعم أمريكا “قسد” وتعتبرها شريكة لها في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما تعتبر أنقرة أن “قسد” إرهابية وامتداد لحزب “العمال الكردستاني”.

الدعوات للحوار مع حكومة تسيير الأعمال، ترافقت مع قيام “الإدارة الذاتية” برفع علم الثورة السورية على جميع المجالس والمؤسسات والإدارات والمرافق التابعة لها بمناطق سيطرتها.

في المقابل، قال قائد الجناح العسكري في “تحرير الشام”، مرهف أبو قصرة، إن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” ستُضم إلى حكومة تسيير الأعمال في دمشق، و”سوريا لن تتجزأ ولن توجد فيها فيدراليات”، وفق تعبيره.

وخلال لقائه مع إعلاميين، قال الشرع، إن الكرد جزء من الوطن، وتعرضوا لظلم كبير، وإنهم جزء أساسي من سوريا القادمة، لافتًا إلى ضرورة العيش معًا وأن يأخذ كل فرد حقه بالقانون، مشيرًا إلى ضوابط جديدة وتاريخ جديد في سوريا.

مدير مركز “رامان للدراسات” بدر ملا رشيد، اعتبر أن إمكانية وجود دور لـ”الإدارة الذاتية” في الحكومة السورية الجديدة، يتوقف على عدة عوامل، منها موقف حكومة تسيير الأعمال خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فحتى الآن تتمحور مقاربة أحمد الشرع حول الانفتاح على المبادرات الفردية، وتجنب الدخول في المحاصصة السياسية والعسكرية قدر الإمكان.

وأضاف ملا رشيد لعنب بلدي، أنه في حال رغبت الحكومة الجديدة بتعزيز شرعيتها السياسية، وتقوية الأمن والتهدئة الداخلية، فإنها ستتجه في مرحلة مقبلة لتغيير مقاربتها بشكل يسهل انضمام أطراف أخرى لما يشبه الجمعية العمومية، وهذا مرتبط بقيام “الإدارة الذاتية” بقطع كامل علاقتها مع حزب “العمال الكردستاني”، وتقبلها لفكرة مشاركة الغير على قدم المساواة، حينها ستتمكن من الانخراط بمرونة أكبر ضمن التفاعلات السياسية والحكومية في دمشق.

ويرى ملا رشيد أن المعضلة الحقيقية التي ستعترض حكومة تسيير الأعمال قريبًا، هي التشاركية في الحكم مع “الإدارة الذاتية”، وشكل مقاربتها لواجبات وحقوق الإثنيات والأديان والطوائف السورية المختلفة، والتي تنتشر بكثرة في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.

نضج سياسي

عقب انطلاق معركة “ردع العدوان”، أطلقت الإدارة السياسية في فصائل المعارضة سلسلة من البيانات، التي حملت رسائل تطمين لمختلف الطوائف والأديان في سوريا، ووجهت رسائل إلى الخارج أيضًا.

أبرز هذه الرسائل هي أن الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا، مع اعتبارها “شريكًا محتملًا” في بناء مستقبل مشرق لسوريا.

وعقب سقوط الأسد، شهدت سوريا حراكًا دبلوماسيًا، حيث أعادت دول فتح سفاراتها في دمشق، بينما أعلنت دول أخرى نيّتها لذلك قريبًا، كما أعلنت “إدارة الشؤون السياسية” تعيين ثلاثة أشخاص كمسؤولين عن الملف الدبلوماسي وعمل السفارات داخل سوريا.

الدبلوماسي السوري السابق داني بعاج، اعتبر في حديث لعنب بلدي أن البيانات التي أصدرتها حكومة تسيير الأعمال تدل على وجود وعي ونضج سياسي لديها، ومسؤولية سياسية عالية وفهم لطبيعة البلد والمرحلة المقبلة، ولا سيما بيانات طمأنة الأقليات والتأكيد على عدم الانتقام من أتباع الأسد، حيث كانت تلك البيانات بمثابة حجر أساس لمرحلة الانتقال السياسي.

وأضاف بعاج أنه رغم النضج السياسي الذي بدت عليه حكومة تسيير الأعمال، من حيث البيانات التي أطلقتها، كان هناك ضعف في الخبرة الدبلوماسية، فخلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة، كان أمام الحكومة السورية فرصة مهمة أن تكتب بيانًا يلقيه سفيرها قصي الضحاك، الذي كان سيعكس تصور أول حكومة سورية حرة، وما خططها وموقفها من القرار “2254” والانتقال السياسي، وهو ما كان سيسهم في وضع الحكومة الجديدة أول حجر لفرض كلمتها على الساحة الدولية.

خطوات من الشرع والدول

الباحث في شؤون الحركات الإسلامية عرابي عرابي، يرى أن المرحلة الحالية (ثلاثة أشهر) تتطلب إنشاء هيئة حكم انتقالية، تعمل على وضع دستور، وإقرار انتخاب، وما يتبعه من خطوات لاحقة.

وقال عرابي لعنب بلدي، إن جزءًا كبيرًا خلال مرحلة الأشهر الثلاثة سيكون مرتبطًا بـ”هيئة تحرير الشام”، لأنها رقم مركزي في المعادلة الحالية، كما أن النقاش مع الشرع (الجولاني) ضروري لضمان أمن سوريا وضمان الاستقرار.

ويرى عرابي أن الخطوات المطلوب تقديمها من الشرع خلال هذه الفترة هي:

  • إشراك الأقليات وتوسيع طيف تمثيل الأطراف في الهيئة الانتقالية.
  • تسليم بعض المطلوبين لدولهم.
  • منع ظهور تنظيم جديد شبيه بتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
  • الحوار مع “قسد” بصيغة ملائمة لعدم التقسيم، وربما بإشراف أمريكي لذلك.
  • هيكلة الجيش بما يضمن التوازن داخل سوريا، دون أن يعبّر الجيش عن لون طائفة معيّنة.
  • عدم السماح بوجود ممر لإيران على الأراضي السورية، رغم أنه أمر محسوم بالنسبة للشعب السوري والحكومة، لكنه مطلب يجب الالتفات له.

ولفت عرابي إلى أهمية وجود ثلاثة مبادئ لن يساوم عليها الشرع داخليًا أو دوليًا في هذه المرحلة، وهي استقلال سوريا بالكامل، وعدم وجود أي جهة تعمل داخل سوريا، وبالنسبة لـ”قسد”، إما أن تكون منضوية ضمن الإدارة الجديدة، أو تكون هناك مواجهة لاحقة.

ومن المبادئ، وفق عرابي، الاعتراف ودعم الحكومة المقبلة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ودعم سوريا في مسألة إعادة الإعمار، وهذا يتطلب رفع “هيئة تحرير الشام” من التصنيف.

“أبو محمد الجولاني” قائد “هيئة تحرير الشام” في مدينة حلب بعد السيطرة عليها – 4 كانون الأول 2024 (إدارة العمليات العسكرية)

أمنيًا.. محاسبة المجرمين ومشكلة السلاح

واكبت عملية “ردع العدوان” وتبعتها بيانات ذات طابع أمني وعسكري، بدأت بدعوة للعناصر والضباط إلى الانشقاق عن قوات النظام، وإلقاء السلاح، وتجنب الدماء، والخروج الآمن من المدن والمواقع العسكرية، وانتهت بعمليات “تسوية” ومنح بطاقات “مؤقتة” لتسهيل حركتهم.

ومنعت “إدارة العمليات” إطلاق الرصاص في الهواء، والمساس بالمؤسسات العامة وممتلكاتها، وطالبت بإعادة الممتلكات المأخوذة من المؤسسات المدنية والعسكرية، وسحب المظاهر المسلحة من بعض المدن، ومنها حلب.

بعد سقوط النظام بيومين، قال أحمد الشرع، إن “إدارة العمليات” لن تتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري، وستطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل، وستصدر القائمة رقم “1”، التي تتضمن أسماء كبار المتورطين في التعذيب، ثم كشف عن عزمه حل القوات الأمنية التابعة لنظام الأسد المخلوع، وإغلاق السجون السيئة السمعة.

هذه البيانات لم تمنع وجود حالات فوضى وسرقة وعمليات “قتل وتصفية” لبعض مرتكبي الانتهاكات أو “الشبيحة”، وظهرت حالات متفرقة منها، كما طالب أهالٍ بضرورة ضبط الأمن، خاصة في الساحل السوري، الذي شهد، في 14 من كانون الأول، مقتل ثلاثة عناصر في “إدارة العمليات” إثر اشتباك مع عائلة تُتهم بالسرقة، في بلدة المزيرعة بريف اللاذقية.

الدبلوماسي السابق داني بعاج دعا حكومة تسيير الأعمال إلى ضبط “الإعدامات الميدانية” التي حصلت مؤخرًا، والتي تستهدف أشخاصًا معروفين بارتكابهم جرائم بحق السوريين، مشيرًا إلى أنه قبل إعدامهم أو محاكمتهم يجب الاستماع إلى شهاداتهم وتوثيقها، وحتى بعد سماع شهاداتهم يجب تركهم قيد الاعتقال ريثما يجري سماع باقي الشهادات ومقاطعة المعلومات مع بعضها، بغية الوصول إلى أدلة حقيقية تساعد في محاكمة كل المجرمين.

قبل أن تصبح حكومة تسيير أعمال، كان لدى “الإنقاذ” في إدلب “كلية شرطة” ونموذج “جهاز الأمن العام” الذي تحوّل اسمه إلى “إدارة الأمن العام”، ومع سيطرة الفصائل على المدن تباعًا، أعلنت وزارة الداخلية عن فتح باب الانتساب لـ”الشرطة- الأمن العام” عبر الالتحاق بـ”كلية الشرطة- دورة أفراد”، في مراكز أنشأتها بمدن حلب وحماة وحمص ودمشق واللاذقية وطرطوس.

وخلال تسجيل مصور، وفي رده على سؤال حول التجنيد الإجباري، قال الشرع، إنه يدرس الأمور مبدئيًا، وسيكون هناك جيش تطوعي، فالإقبال كبير، ولا حاجة لزيادة كاهل السوريين بقضية “كابوس التجنيد الإجباري”، مع إمكانية إجراء بعض الاختصاصات بأن يكون فيها تجنيد إجباري لمدة 15 إلى 20 يومًا في حالات الخطر الشديد الذي سيكون فيه تعبئة عامة.

العقيد مصطفى بكور، الناطق الرسمي باسم “جيش العزة”، أحد فصائل “إدارة العمليات”، اعتبر في حديث لعنب بلدي أن تسوية أوضاع العسكريين ونزع السلاح ومحاسبة المجرمين خطوات جيدة في طريق تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، لكن يجب أن تستكمل هذه الخطوات بإعادة العسكريين المنشقين إلى المواقع التي يمكنهم أن يقدموا من خلالها خدماتهم وخبراتهم للدولة الجديدة، وخاصة أولئك الذين لم يغادروا سوريا، وانخرطوا في العمل العسكري ضد قوات الأسد، معتبرًا أنهم الأكثر غيرة على مستقبل  البلاد من أولئك الذين قاتلوا مع النظام حتى آخر لحظة.

وأضاف بكور أن أبرز المخاطر التي يمكن أن تهدد الأمن والاستقرار، هي التهاون في معالجة محاولات إثارة القلاقل والتحريض من قبل فلول النظام السابق والمتضررين من سقوطه، وعدم شمول عملية البناء كل أطياف المجتمع السوري، وخاصة أبناء الثورة السورية.

ويعتقد بكور أن الحكومة الحالية تعي إعطاء الحالة الأمنية والعسكرية أهمية خاصة، متوقعًا أن تبذل جهدًا ونشاطًا كبيرًا باتجاه توحيد الفصائل، وإنشاء وزارة دفاع تضم كل العسكريين من الفصائل ومن لم تتلطخ يديه بالدماء من بقايا جيش النظام السابق، وهذا الأمر سيكون له تأثير إيجابي على المستويين الأمني والعسكري.

 

خلال الفترة الحالية، من الضروري المحافظة على بنية الجيش المادية والهيكلية، ويمكن إعادة تنظيمه بالاعتماد على عناصر الفصائل والعسكريين الذين يجرون تسوية ويثبت عدم تلطخ أيديهم بالدماء. أما حل الجيش وإعادة بنائه من جديد ففيه مخاطرة كبيرة، وسيؤدي إلى خلل أمني وعسكري كبير، وقد يطيح بمكتسبات الثورة التي تم تحقيقها خلال كل السنوات الماضية.

العقيد مصطفى بكور

الناطق الرسمي باسم “جيش العزة”

 

النجاح مرهون بتوافق محلي- دولي

في الـ90 يومًا وما بعدها، تبقى جميع الاحتمالات واردة أمام تشكيل نواة وحجر أساس لدولة لم تتضح معالمها أو شكلها بعد، وسط وجود أطراف داخلية تعمل وأخرى تترقب دورها، وخارجية لطالما كان لها ثقلها ومصالحها في الملف السوري، وضعت شروطها للتعاون مع “سوريا الجديدة”، وواقع اقتصادي ومعيشي وأمني أقل تعقيدًا مما بدا عليه قبل سقوط نظام حكم الأسد.

رئيس وزراء ووزير خارجية السويد سابقًا، كارل بيلدت، اعتبر أن تركيز فصائل المعارضة (إدارة العمليات) على بناء وصيانة مؤسسات الدولة يظهر أنهم يدركون المخاطر جيدًا، وفق تقرير نشره في موقع “The Strategist“.

ولتجنب بعض المخاطر وبدء الطريق إلى الأمام في سوريا، يرى بيلدت أنه لا بد أن يتولى السوريون ذلك، ولكن بمساعدة خارجية، قائلًا إن الوضع الإنساني في سوريا مروع ويتطلب اهتمامًا فوريًا، ويتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يوضحا لجميع الأطراف المعنية أنهما على استعداد لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا دعمًا للانتقال السياسي.

ويعتقد بيلدت أن العملية المنتظرة في سوريا سوف تكون طويلة ومعقدة، لأن الحكم في سوريا لم يكن قط بالأمر البسيط، وفي حال بدأ أي من اللاعبين الرئيسين (المحليين والإقليميين والدوليين) بملاحقة أجندته الخاصة من جانب واحد، فقد تتدهور الأوضاع بسرعة.

واعتبر أن عملية الأمم المتحدة تمثل أفضل السبل للمضي قدمًا، ما يمنح المنظمة فرصة لإظهار للعالم أنها لا تزال لا غنى عنها في مثل هذه المواقف، إذ يشكل القرار “2254” حجر الزاوية في الجهود الدبلوماسية الدولية لحل الصراع السوري، وهو يوفر خارطة طريق واضحة للانتقال السياسي بقيادة سورية في ظل دستور جديد، مع انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وتدابير لضمان الحكم الشامل.

رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية “سميث”، الباحث والخبير ستيف هايدمان، اعتبر أن هناك عددًا من الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها، والتي من شأنها أن يكون لها تأثير إيجابي على عملية الانتقال التي تجري الآن في سوريا، وهي:

  • رفع بعض العقوبات الاقتصادية التي فرضت على نظام الأسد، ما يعني دفعة هائلة للاقتصاد السوري، وهذا مهم في هذه المراحل المبكرة الحاسمة من عملية الانتقال.
  • لعب دور في مساعدة السوريين باستعادة أصولهم، واستعادة بعض مليارات الدولارات التي سرقها بشار الأسد وحلفاؤه بشكل غير قانوني على مدار سنوات حكمه.
  • دعم الجهود السورية الرامية إلى محاسبة الذين شاركوا في جرائم الحرب.
  • استعداد واشنطن للاستثمار في إعادة الإعمار، باعتبارها إحدى الطرق التي قد تسهم بها الولايات المتحدة في تحقيق انتقال سلس في سوريا.

استمرار توافد الأهالي من مختلف المناطق إلى قلعة حلب التاريخية- 12 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)

تحديات وثائق المعتقلين والمقابر الجماعية

من أبرز القضايا التي لا تزال مفتوحة بانتظار إجراءات لضبطها ومتابعتها، هي محاسبة المجرمين والمتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات بحق السوريين، وضرورة حفظ الوثائق والأدلة التي لطالما حاول النظام المخلوع طمسها، وعدم العبث بالمقابر الجماعية.

مع اكتشاف بعض مواقع المقابر الجماعية، توافد عدد من الأشخاص إليها بدافع نبشها والبحث عن ذويهم عن طريق التعرف عليهم من لباسهم أو ملامحهم، بينما بدت تحركات سلطات الأمر الواقع أو المنظمات الدولية والأممية أو المحلية شبه غائبة، إذ لم يُمنع دخول الإعلاميين أو الناشطين إليها، دون أي جدوى من عملية البحث غير المنظمة والتي لا تستند إلى أي منهجية علمية أو طبية.

صدرت عدة بيانات وتصريحات بضرورة المحاسبة، منها محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري، وخضوع جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءًا من آلة الحرب والدعاية لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد للمحاكمة العادلة.

يرى الدبلوماسي السابق داني بعاج، أن حكومة تسيير الأعمال مطالبة بأسرع وقت بدعوة المنظمات الحقوقية للقدوم إلى سوريا، لضبط حالة الفوضى والعشوائية في التعامل مع الوثائق التي كانت موجودة في سجن “صيدنايا” والفروع الأمنية وأماكن المقابر الجماعية، فهذا التأخير يعوق أي نوع من المحاسبة.

وقال بعاج، إنه رغم الخطاب السياسي العقلاني والناضج لحكومة تسيير الأعمال، كانت هناك قلة خبرة وكفاءة في التعامل مع ملف محاسبة المجرمين والوثائق والأدلة المرتبطة بالجثث والمعتقلين.

وطالب بعاج الحكومة الجديدة بوضع حراسة على مواقع المقابر الجماعية ومنع الاقتراب منها، لافتًا إلى ضرورة دراسة طبقات التربة للتأكد كم مرة استُخدم ذات المكان لدفن جثث المعتقلين، ومن الممكن أن العظام قد اختلطت ببعضها فيجب إجراء فحص الحمض النووي بشكل دقيق، وهي أمور مهمة وحساسة يجب أن تكون ضمن خطة الحكومة في الفترة المقبلة.

من جانبه، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن العبث بهذا الشكل بمواقع المقابر الجماعية في سوريا يعد انتهاكًا لمسرح الجريمة وطمسًا للأدلة، ويصعب مهمة الباحثين عن المفقودين والمختصين المسؤولين عن تحديد هويات الضحايا الموجودة ضمن هذه المقابر.

وقال العبد الله لعنب بلدي، إنه يجب على حكومة تسيير الأعمال تأمين حماية لهذه المقابر حتى لو اضطر الأمر لتكون حماية مسلحة، وإحاطة هذه المقابر بسياج شائك أو حتى شريط يمنع الاقتراب منها، فضلًا عن منع نشر مواقعها.

وأوضح العبد الله أنه يجب منع تغطية وسائل الإعلام أو الناشطين لمواقع المقابر بهذه الطريقة، مؤكدًا أن أكثر من ناشط أو محطة إعلامية يصورون عملية نبش المقابر بشكل مباشر، الأمر الذي ينتهك حرمة الجثث والضحايا من جهة، ويحرض الناس على الذهاب إلى الموقع ونبش المقابر.

الحقوقي محمد العبد الله أكد أنه يجب عدم فتح هذه المقابر وعدم الاقتراب منها دون تشكيل إما هيئة وطنية للبحث عن المفقودين يكون من ضمن مهامها فتح المقابر الجماعية، أو البدء بعمل منظم يتبع لوزارة العدل في حكومة تسيير الأعمال، كما حدث في العراق وأربيل وإقليم كردستان العراق.

مقالات متعلقة

  1. ملفات وتحديات أمام أسماء جديدة للوزارات السورية.. هل تنجح؟
  2. ثلاثة سيناريوهات تنتظر "تحرير الشام" بعد قضية "القحطاني"
  3. لماذا تحرك "الجولاني" لاعتقال "أبو أحمد زكور" من ريف حلب
  4. غموض يلفّ ظروف اعتقال "المهاجر" على يد "تحرير الشام"

تحقيقات

المزيد من تحقيقات