احتياطيات المركزي تتبدد
كيف تعوض الحكومة السورية القطع الأجنبي؟
عنب بلدي – جنى العيسى
أدى وقف العمل بمجموعة من القرارات التي كان يُعمل بها قبل هروب رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، في 8 من كانون الأول الحالي، إلى وقف معظم مصادر القطع الأجنبي الواردة إلى خزينة سوريا.
وفي ظل أرقام غير دقيقة تتصدّر حول حجم الاحتياطي أو ما يتوفر في الخزينة من أموال أجنبية، تثار التساؤلات حول مدى قدرة حكومة تسيير الأعمال على تأمين حاجة سوريا من القطع الأجنبي، بما لا يدخلها بأزمة مالية تضاف إلى مجموعة الأزمات الاقتصادية التي تعانيها.
مصادر تتبدد
عملت حكومة النظام السابق على تأمين القطع الأجنبي من عدة مصادر، أبرزها القرار الذي كان يجبر السوريين ومن في حكمهم الداخلين إلى سوريا على تصريف 100 دولار عند دخولهم الأراضي السورية عبر المعابر الحدودية والجوية.
كما كانت ترفد الخزينة بأموال “البدل العسكري” التي كانت تفرضها على الشباب الواجب التحاقهم بالجيش، فضلًا عن إجبار التجار على تحويل أموالهم وتجميدها لدى مصرف سوريا المركزي التزامًا بآلية اشتكى منها التجار كثيرًا تدعى “منصة تمويل المستوردات”.
وتعد الأموال الواردة من المعاملات التي يجريها السوريون في وزارة الخارجية والقنصليات التابعة لها، كتصديق الأوراق واستخراج أو تجديد جوازات السفر، مصدرًا أوليًا للقطع الأجنبي، إلا أن هذه المعاملات متوقفة منذ هروب الأسد، دون إعلان موعد محدد لعودتها.
تضارب أرقام.. كم دولارًا لدينا؟
لا تزال الحكومة السورية تجري عمليات جرد وجمع للبيانات، وسط تضارب حول ما يملكه “المركزي السوري” من قطع أجنبي، رغم الاتفاق على تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى الصفر تقريبًا.
وفي 11 من كانون الأول الحالي، وعقب يوم واحد على تسلمه مهامه بشكل رسمي، قال رئيس حكومة تسيير الأعمال في سوريا، محمد البشير، إنه لا توجد في خزائن البنك المركزي سوى الليرة السورية “التي لا تساوي شيئًا”، موضحًا أن مصرف سوريا المركزي لا يحتوي على احتياطيات نقدية أجنبية.
وأضاف البشير في حديث لصحيفة “إل كورييري ديلا سيرا” الإيطالية، “ليست لدينا أي عملة أجنبية، أما فيما يتعلق بالقروض والسندات فنحن ما زلنا نجمع البيانات. لذا نعم نحن في وضع مالي سيئ للغاية”.
حديث البشير لا يتوافق مع ما نقلته وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر وصفتها بأنها “مطلعة على الوضع” لم تسمّها، قالت إن مصرف سوريا المركزي لا يزال يحتفظ بـ26 طنًا من الذهب في خزائنه، وهي الكمية نفسها التي كانت لدى المصرف قبل انطلاق الثورة السورية في آذار 2011.
لكن مصادر “رويترز” أكدت أن المصرف لا يملك سوى كمية قليلة من احتياطيات النقد الأجنبي تبلغ 200 مليون دولار، بينما قال أحد المصادر إن المبلغ يصل إلى مئات الملايين، بحسب الوكالة.
حكومة النظام السابق توقفت عن تبادل المعلومات المالية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المنظمات الدولية، بعد وقت قصير من عمليات قمع الأسد للمظاهرات السلمية.
ولم تحصل “رويترز” على تعليق حول الاحتياطيات من حكومة تسيير الأعمال وإدارة المركزي السوري.
وأشارت “رويترز” إلى أن عمليات السرقة التي طالت المركزي عقب سقوط نظام بشار الأسد، في 8 من كانون الأول الحالي، لم تطل الخزنة الرئيسة، فهي مقاومة للقنابل وتتطلب ثلاثة مفاتيح، يحمل كلًا منها شخص مختلف، وتتطلب رمزًا مركبًا لفتحها.
احتياطي بالمليارات يختفي
قبل عام 2011، كان احتياطي الدولار والعملات الأجنبية والذهب في سوريا بأحسن حالاته.
بحسب إحصائيات صادرة عن البنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، كانت أرقام احتياطي الدولار لدى مصرف سوريا المركزي في 2004 تصل إلى 5.6 مليار دولار، فيما وصلت قيمة الاحتياطي في عام 2010 إلى 18.5 مليار دولار.
بينما بلغت قيمة احتياطي الذهب عام 2004 لدى مصرف سوريا المركزي 25.9 طن، و25.8 طن في عام 2011، بحسب إحصائيات مجلس الذهب العالمي.
الاحتياطي النقدي هو الأصول المالية التي يحتفظ بها المصرف المركزي لدعم استقرار العملة الوطنية، وضمان سداد الالتزامات الدولية، وتوفير السيولة في حالات الأزمات الاقتصادية، ويتكون عادة من عدة عناصر رئيسة هي العملات الأجنبية، والذهب، وحقوق السحب الخاصة، والأصول الأجنبية الأخرى، والاحتياطي النقدي المحلي، والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.
إيداعات أجنبية وحقول النفط
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور سليمان موصلّي، يعتقد فيما يتعلق ببدائل مصادر القطع الأجنبي، أن إيداعات الدول الداعمة لمبالغ بالقطع الأجنبي في الوقت الحالي أمر حاسم من الناحية الاقتصادية والنفسية.
يبقى الأمر رهن استعادة حقول النفط وعندها تنخفض الحاجة إلى القطع لتمويل واردات البترول، كما أن تحويلات المغتربين ستسهم في زيادة العرض من القطع الأجنبي، كما ستسهم في المرحلة المقبلة رسوم العبور (الترانزيت) في تأمين بعض الموارد، بحسب ما يرى موصلّي في حديث إلى عنب بلدي.
الدكتور في الاقتصاد أشار إلى أن سوريا تحولت بين يوم وليلة من اقتصاد القلة إلى اقتصاد السوق، موضحًا أن هذا التحول يجب أن ترافقه إجراءات تدريجية ومناسبة حتى يستعيد السوق توازنه.
وأوضح موصلّي أن من بين تلك الإجراءات عدم زيادة الرواتب بنسبة 300% دفعة واحدة بل بشكل تدريجي مثلًا 100% كل عام، وعدم السماح باستيراد السيارات في هذه المرحلة لأن ذلك يستنزف القطع الأجنبي المحدود أصلًا.
كما يجب فرض رسوم جمركية بشكل انتقائي على السلع الكمالية، وإطلاق حملات لجذب الاستثمارات الأجنبية بصيغة الشركات المساهمة وفق ما يرى الدكتور في الاقتصاد.
موارد غير كافية
الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” المختص بالشؤون الاقتصادية عبد العظيم المغربل، قال لعنب بلدي، إن أبرز المصادر البديلة للقطع الأجنبي في الوقت الراهن ستتكون من التحويلات الخارجية، والصادرات المحدودة لبعض المنتجات الزراعية والصناعية، وعوائد المعابر والمواني، وبعض الدعم الخارجي، وهذه المصادر غير كافية لتلبية احتياجات خزينة الدولة بسبب ضعف استدامتها وتأثير العقوبات المستمرة.
وأكد المغربل أن غياب القطع الأجنبي بشكل كافٍ يؤدي إلى عدم استقرار الليرة السورية، وتفاقم التضخم، وضعف الإنتاج المحلي، وبالتالي استمرار الأزمة المعيشية والاقتصادية.
الشفافية تعزز المساعدة
وسط غياب الأرقام الصحيحة والإحصائيات الدورية حول ما تحتويه خزينة الدولة من أموال قال الباحث الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور مخلص الناظر، إنه يجب على المصرف المركزي السوري أن يعلن عن ميزانيته العمومية أسبوعيًا كما تفعل البنوك المركزية في الدول المتقدمة.
ويشجع ذلك المستثمرين على الاستثمار في الاقتصاد السوري الجديد من خلال الثقة والشفافية، ويوفر معلومات دائمة لأصحاب الخبرة من أجل تقديم المساعدة.
الميزانية العمومية للمصرف المركزي هي تقرير مالي يظهر المركز المالي للمصرف المركزي في وقت معين، بحسب ما ذكره الناظر، عبر “فيس بوك”، وتوضح هذه الميزانية أهم موارد المصرف والتزاماته.
وتلعب الميزانية العمومية دورًا مهمًا في فهم سياسات المصرف المركزي، خصوصًا فيما يتعلق بالسياسات النقدية وإدارة الاقتصاد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :