الدمار يمنع سوريين من العودة إلى منازلهم

أبنية مدمرة في شارع القوتلي إثر القصف بالطيران الحربي التابع للنظام السوري خلال سيطرة فصائل المعارضة على مدينة دوما - 22 كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/سارة الأحمد)

camera iconأبنية مدمرة في شارع القوتلي إثر القصف بالطيران الحربي التابع للنظام السوري خلال سيطرة فصائل المعارضة على مدينة دوما - 22 كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

اصطدم حلم المهجرين السوريين داخليًا وخارجيًا خلال الأيام الماضية بالعودة إلى منازلهم مع الواقع الذي خلفه قصف نظام بشار الأسد للمناطق المدنية، والسماح لـ”الشبيحة” والميليشيات باستباحة منازل المهجرين، لينهبوا ويدمروا ما لم تطله القنابل.

آلاف المهجرين توجهوا إلى بلداتهم وقراهم بعد السيطرة عليها من قبل “إدارة العمليات العسكرية”، لكن لم يستطيعوا العيش في منازلهم، بسبب دمارها بشكل كامل أو تعرضها لدمار كبير.

وفي 27 من تشرين الثاني الماضي، كان السوريون على موعد مع حدث لم يتوقعوه، وهو بدء عمل عسكري ضد نظام بشار الأسد والسيطرة على مناطق جديدة، ما يمنح المهجرين فرصة للعودة إلى قراهم.

وكان أحد الأهداف الرئيسة للعملية العسكرية إعادة المهجرين، واستطاع مقاتلو “إدارة العمليات العسكرية” السيطرة على معظم مساحة سوريا، بعد إسقاط النظام في 8 من كانون الأول، ما يسمح لعدد كبير من المهجرين داخليًا وخارجيًا من العودة إلى منازلهم.

عودة بطعم النزوح

موجات البرد القاسية في بلدة عرسال اللبنانية بجبال القلمون (سلسلة جبال لبنان الشرقية)، التي عانى منها المهجرون منذ العام 2014، أجبرت بعضهم على العودة إلى القرى رغم ما لحق بمنازلهم من دمار.

وقال حكمت درويش المقيم في عرسال، إن أبناء قرى وبلدات القلمون النازحين في عرسال سارعوا إلى حزم أمتعتهم للعودة إلى قراهم بعد سقوط النظام، وذلك كان حال القرى والبلدات التي لم تتعرض لدمار ملحوظ مثل قارة وفليطة (المشرفة) وجراجير وعسال الورد ورأس العين ومدينة يبرود

لكن حركة عودة أبناء قريته بخعة (الصرخة) كانت بدرجة أقل، نظرًا إلى الدمار الذي عانت منه القرية خلال المعركة التي خاضها عناصر “الجيش الحر” ضد قوات النظام و”حزب الله” اللبناني بين شهري آذار ونيسان 2014.  المعركة استمرت أكثر من شهر وتعرضت خلالها البلدة لقصف مدفعي وغارات جوية إلى جانب البراميل المتفجرة، التي كان لها دور كبير في دمار المنازل، نظرًا إلى أن مساحة العمران في القرية صغيرة مقارنة بباقي قرى القلمون الغربي.

كما تعرضت القرية بعد انسحاب “الجيش الحر” لتفجير متعمد لعدد من البيوت، ودخلتها ورشات “التعفيش” المعروفة بنهب الأثاث كمرحلة أولى، ثم البلاط وأشرطة الكهرباء ولوازم التمديدات الصحية من الجدران، وأخيرًا تدمير الأسقف لسحب الحديد من “البيتون”، أو الخشب كون هناك عدة منازل ما زالت أسقفها من الخشب واللبِن.

وأوضح حكمت لعنب بلدي أن عددًا من عائلات القرية عادت إلى منازلها رغم عدم وجود أسقف أو أبواب أو نوافذ، فعملت على تغطية السقف بالخشب وشوادر خيمتهم التي جلبوها معهم من عرسال، وغطوا النوافذ بالنايلون، وأجروا بعض الإصلاحات الأساسية، فالحالة المادية لا تسمح بأكثر من ذلك، بعد عشر سنوات من النزوح والعيش في المخيمات.

بعض العائلات توجهت إلى مناطق أخرى في القلمون، واستأجرت منازل فيها إلى أن ينتهي فصل الشتاء، اعتمادًا على حوالات مالية من أفراد العائلة في الخارج.

حالة أهالي القرية وعائلات من القرى المجاورة المدمرة منازلها وصفها حكمت بأنها “تهجير آخر”، نظرًا إلى الأوضاع الاقتصادية وطريقة العودة.

حكمت وباقي عائلات القرية بقوا في عرسال أو بمناطق أخرى في لبنان لعدم قدرتهم على العودة بسبب دمار منازلهم، وعدم قدرتهم على استئجار منازل في سوريا، وحتى بعضهم ليست لديه أجرة نقل أثاثه من عرسال إلى سوريا عبر منطقة الجرود، فتكلفة نقل السيارة الواحدة تتجاوز 200 دولار.

 

 

مدمر بالكامل

مع وصول عبد الباسط أبو دعيمس إلى منزله في قرية معر شورين بريف إدلب الجنوبي، وجده مدمرًا بالكامل، بعد نزوح استمر نحو خمس سنوات.

منذ سنوات الثورة الأولى، نزح عبد الباسط وعائلته من منزله أكثر من عشر مرات إلى مناطق أكثر أمنًا، بسبب تصاعد القصف أو حملات قوات نظام الأسد لاعتقال المدنيين، وفي نهاية 2019، نزح عبد الباسط إلى ريف إدلب الشمالي بعد سيطرة النظام السابق على المنطقة.

قال عبد الباسط لعنب بلدي، إنه كان يتابع ما آلت إليه قريته خلال هذه السنوات عبر “جوجل إيرث”، وقبل سنتين أظهرت الصور دمارًا في المنزل.

حاليًا لا يستطيع عبد الباسط إعادة بناء منزله، وسيبقى في منزل استأجره سابقًا حتى إيجاد حل لمسألة المنازل المدمرة، فهو لا يستطيع إعادة بنائه.

رائد المصري (40 عامًا) من قرية قبر فضة في سهل الغاب شمالي حماة، انتقل بعد سيطرة قوات النظام السابق على قريته عام 2015 ليعيش في مخيمات الشمال السوري مع أسرته المكونة من ثمانية أفراد، ولاحقًا انتقل إلى مدينة جنديرس بريف عفرين غربي حلب.

في 11 من كانون الأول الحالي، دخل رائد إلى قريته بعد طرد قوات النظام منها، ولديه نظرة مسبقة عن حجم الدمار نتيجة وصول مقاطع مصورة عن القرية تظهر أوضاعها خلال السنوات السابقة.

قال رائد لعنب بلدي، إنه عند وصوله إلى مكان منزله لم يعرفه بادئ الأمر، فقد تحول إلى كومة أحجار، وانهالت دموع رائد على منزله الذي قضى سنوات في بنائه.

وأوضح رائد أن منزله لم يدمر بفعل القصف بل على يد ميليشيات “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام السابق، كي لا يتمكن أهالي القرية من العودة والسكن في المنطقة.

لكن ما يواسي رائد هو أنه يستطيع الآن زراعة أرضه بعد غياب عشر سنوات.

دمار على الجغرافيا السورية

تعرضت المدن والبلدات الثائرة ضد نظام الأسد لدمار ممنهج، بدأ أولًا بحصارها وقصفها بمختلف أنواع الأسلحة، حتى إجبار الأهالي ومقاتلي المعارضة على الخروج.

بعدها تبدأ مرحلة أخرى من التدمير، بتفجير عدد من المنازل كعملية انتقامية، ثم دخول مجموعات مختصة بسرقة الأثاث، وأخرى لفك الكهرباء والمستلزمات الصحية والمطابخ والبلاط والسيراميك، والمرحلة الأخيرة استخراج الحديد من الأسقف.

في آذار 2019، نشر معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) أطلسًا يبين مدى الدمار الذي لحق بالمحافظات والمدن سورية خلال الأعوام الثمانية الماضية.

الأرقام الصادرة عن المعهد لا تشمل كافة المباني المدمرة، وهي تعود للعام 2019، أي لا تشمل الدمار الذي خلفته العملية العسكرية لقوات النظام السابق وروسيا على محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب بين نيسان 2019 وآذار 2020، وما تبعها من تدمير جراء عمليات “التعفيش”.

واستند الأطلس إلى تحليل صور الأقمار الاصطناعية، وعرض خرائط تبين توزع الدمار وكثافته في 16 مدينة ومنطقة سورية، شهدت أكبر نسبة دمار.

بحسب البحث الأممي، شهدت محافظة حلب أكبر نسبة دمار في سوريا، بوجود 4773 مبنى مدمرًا كليًا، و14680 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و16269 بشكل جزئي، ليبلغ مجموع المباني المتضررة 35722.

وفي محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بلغ عدد المباني المدمرة كليًا 311، و418 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و686 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 1415.

ويشير البحث إلى وجود 3326 مبنى مدمرًا كليًا في محافظة الرقة، و3962 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و5493 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 12781.

أما في محافظة دير الزور فيوجد 1161 مبنى مدمرًا كليًا، و2370 بشكل بالغ، و2874 بشكل جزئي، وبلغ مجموع المباني المتضررة في المحافظة 6405.

رصد التقرير وجود 9459 مبنى مدمرًا كليًا في محافظة حماة، و404 مبانٍ مدمرة بشكل بالغ، و666 بشكل جزئي، ليكون المجموع 10529 مبنى متضررًا.

وفي محافظة حمص يوجد 3082 مبنى مدمرًا كليًا، و5750 مدمرًا بشكل بالغ، و4946 بشكل جزئي، وبلغ مجموع المباني المتضررة 13778.

بلغ عدد المباني المدمرة كليًا في غوطة دمشق الشرقية 9353 مبنى، بالإضافة إلى 13661 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و11122 بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 34136.

أما منطقة مخيم “اليرموك” والحجر الأسود، جنوبي دمشق، ففيها 2109 مبانٍ مدمرة كليًا، و1765 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و1615 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 5489.

وفي مدينة الزبداني بريف دمشق يوجد 659 مبنى مدمرًا كليًا، و1251 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و1454 بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 3364.

بلغ عدد المباني المتضررة كليًا في محافظة درعا، جنوبي سوريا، 224 مبنى مدمرًا، بالإضافة إلى وجود 498 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و781 بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 1503.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة