عنب بلدي – جنى العيسى
مع هروب رئيس النظام السابق، بشار الأسد، فجر 8 من كانون الأول الحالي، بدأت مرحلة تغيير كبيرة ستشهدها سوريا، منها ما يتعلق بالمؤسسات والقرارات وغيرها.
احتمال التغيير قد يشمل تغيير طبعة العملة السورية التي تشمل بجميع فئاتها صورًا للأسد، إلا أن هذا التغيير في الوقت الحالي قد يصطدم بمعوقات عديدة منها تقنية، أبرزها نقدية، لما قد يحمل ذلك من آثار على الاقتصاد المنهك بالأساس.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير استطلاع آراء خبراء اقتصاديين حول الإمكانيات الاقتصادية والتقنية لتغيير شكل العملة السورية، بعد سقوط النظام، وأثر ذلك على الاقتصاد في ظل الظروف الحالية، مع الإشارة إلى عدة توصيات يجب اتباعها في حال اتخاذ القرار لضمان عدم تأثر الاقتصاد بشكل كبير.
قرار سيادي
مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال إن قرار تغيير طبعة العملة السورية يعد قرارًا سياديًا 100%، ويأتي بأمر من المصرف المركزي الذي تسيطر عليه حكومة تسيير الأعمال حاليًا، وفيه العديد من التصورات المغلوطة في هذا السياق.
وأوضح شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن من بين تلك التصورات أنه في حال رغبة الدولة بتغيير العملة يجب أن يكون لديها غطاء من العملة الأجنبية والذهب، مضيفًا أن هذا الأمر انتهى في كل دول العالم منذ سبعينيات القرن الماضي.
كما توجد لدى البعض قناعات بأن طباعة العملة يجب أن تكون بدور من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، الأمر الذي لا يعتبر صحيحًا، لأنه قرار سيادي، وفق شعار.
وأكد الدكتور في الاقتصاد أنه في حال اتخاذ القرار بتغيير طبعة العملة يجب فقط طباعة النقد بطريقة تطابق المواصفات العالمية بحيث لا يمكن تزويرها بسهولة، موضحًا أنه لا توجد مؤسسة دولية تتحقق من الطبعات ومدى مطابقتها للمواصفات، إنما هو أمر عائد للدولة بذاتها.
شعار أشار إلى أن القرار حاليًا بيد حكومة تسيير الأعمال، معتبرًا أن القرار الأكثر إلحاحًا في هذه المرحلة هو منع تداول العملات الأجنبية كالليرة التركية، والاعتماد بشكل رئيس على الليرة السورية في التداولات في عموم البلاد.
سيؤدي اعتماد الليرة، وفق الباحث، إلى تحسين ثبات قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، إذ يعد وجود عدة عملات بمناطق مختلفة مدعاة للتشويش والهدر.
معوقات بالجملة
الأكاديمية والباحثة الاقتصادية رشا سيروب، أشارت إلى عدة معوقات كبيرة تعترض عملية تغيير العملة أو استبدالها.
وأوضحت الدكتورة في الاقتصاد رشا سيروب، في حديث إلى عنب بلدي، أنه فضلًا عن تعقد ظروف الفترة الانتقالية الحالية غير الواضحة المعالم، وفي ظل استمرار العقوبات الدولية على سوريا، فإن خطوات تغيير العملة أو استبدالها تعترضها معوقات كبيرة.
تتمثل التحديات بمعرفة حجم السيولة المحلية والاحتياطيات الدولية، وفق سيروب، مشيرة إلى أنه طوال سنوات كانت السياسة النقدية مقسمة بين مناطق السيطرة، ما انعكس على تشتت السيولة النقدية وهو ما يُضعف القدرة على التنبؤ بحجم السيولة المحلية والاحتياطيات الدولية في الوقت الراهن، خاصة أن مصرف سوريا المركزي منذ بدء الصراع لم ينشر أو يُعلن عن البيانات النقدية المختلفة ومنها “M1″ و”M2” والقاعدة النقدية، ولا يعرف مقدار الاحتياطيات التي تحت تصرفه.
كما لا توجد تقديرات للسيولة الدولارية والعملات الصعبة التي كانت تحت تصرف حكومة “الإنقاذ”، وعلى وجه الخصوص الليرة التركية إلى جانب الدولار، وهما العملتان اللتان كانتا مستخدمتين في التعاملات المالية بشمال غربي سوريا.
وينطبق الأمر كذلك على السيولة الدولارية لدى مكتب النقد والمدفوعات المركزي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” بشمال شرقي سوريا.
يتمثل التحدي الثاني، وفق الباحثة، بتدهور الواقع الاقتصادي في جميع المناطق السورية مع الاختلاف النسبي بينها، وهو أن أغلبية السيولة النقدية هي خارج الجهاز المصرفي، وهو ما يفقد قدرة أي حكومة على ضبطها.
إجراءات اقتصادية مطلوبة
الأكاديمية رشا سيروب، أكدت أن قرار تغيير العملة ليس مجرد إجراء تقني، بل هو قرار استراتيجي يتطلب تخطيطًا دقيقًا من ضمن مجموعة من الإجراءات الاقتصادية المقترحة لضمان عدم تأثر الاقتصاد بشكل كبير.
قد يؤدي قرار تغيير العملة، وفق سيروب، إلى مزيد من التضخم والتراجع في النمو الاقتصادي الحقيقي، لذلك لا يجب أن يتم التغيير كإجراء منفصل ومستقل عن حزم إصلاحية واسعة في السياسة النقدية بحيث تتم إعادة هيكلة البنوك وتوحيد عملها على جميع الأراضي السورية وتطوير أدوات السياسة النقدية، وتعزيز الرقابة على النظام المصرفي، وإصلاح مالي يرتكز بشكل رئيس على توجيه الإنفاق العام نحو الاستثمارات الإنتاجية، وإصلاح هيكلي للاقتصاد يقوم على تشجيع الاستثمار وتنويع القاعدة الاقتصادية والحد من الاعتماد على الاستيراد.
وترى الباحثة أن من الضروري أيضًا القيام بإجراءين منفصلين سيساعدان بتحقيق جدوى مقبولة نسبيًا من اتخاذ القرار بتغيير العملة، معتبرة أنه دون وضع سياسة اقتصادية هدفها تعزيز الإنتاجية واستثمار الموارد وإدارة العوائد بكفاءة وفاعلية فإن عملية التغيير لن تسهم في تصويب مسار الاقتصاد، بل على العكس تمامًا، قد يكون لاتخاذ القرار بالتغيير انعكاسات اقتصادية أخطر مما كانت عليه سابقًا.
يتمثل الإجراء الأول بالعمل على توفير احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، وهو ما يتطلب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والعمل بشكل حثيث على رفع العقوبات الدولية، كي يتمكن الاقتصاد السوري من جذب الاستثمارات الأجنبية والحصول على القروض بشروط ميسرة من المؤسسات الدولية والدول الداعمة لسوريا في حكومتها الجديدة.
وكذلك ضمان سيطرة الدولة على مواردها الاقتصادية على كامل الأراضي السورية، وعلى وجه الخصوص الموارد النفطية التي تعد المصدر الرئيس للقطع الأجنبي.
خطوة محفوفة بالمخاطر
قد يساعد تغيير العملة أو استبدالها في معالجة مشكلة شح السيولة النقدية على المدى المنظور، بحسب ما أوضحته الدكتورة رشا سيروب، لكن على المدى المتوسط والطويل سيؤدي قرار كهذا إلى مزيد من عدم الاستقرار النقدي الذي يتطلب درجة من الاستقرار المالي تستند إلى سياسات مالية سليمة يتم تنفيذها على التوازي (إن لم تكن سابقة) مع هذا القرار، فالافتقار إلى السياسات الداعمة الكافية ستؤدي حكمًا إلى خسارة العملة الجديدة مصداقيتها، التي قد يكون من الصعب والمكلف جدًا استعادتها في مرحلة لاحقة.
لذا فإن تغيير العملة قبل ضمان الاستقرار السياسي ورفع العقوبات الدولية عن سوريا يعد خطوة محفوفة بالأخطار، بحسب سيروب، معتبرة أن الإقدام عليها من دون تغطية مالية كافية يؤدي إلى التضخم الجامح وتراجع قيمة العملة بشكل سريع، ما قد يفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة أصلًا.
كما تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الكتلة النقدية في الاقتصاد من دون دعم حقيقي من الإنتاج أو التصدير، ما قد يعزز فوضى السوق النقدية ويزيد الطلب على العملات الأجنبية.