عنب بلدي – خالد الجرعتلي
لم تكتمل فرحة السوريين بخلع نظام بشار الأسد من الحكم في البلاد، حتى تحركت إسرائيل بزعم مخاوفها من التغيرات التي طرأت في سوريا، عبر استهداف قواعد عسكرية ومخازن أسلحة ومطارات لجيش النظام السابق في عموم المحافظات السورية، تزامنًا مع توغل بري في الجنوب لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
ورغم التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن أن جيشها لم يخرج من المنطقة العازلة (المنطقة منزوعة السلاح)، رصدت تحركات لآليات إسرائيلية في ريف درعا الغربي، وأخرى في منطقة جبل الشيخ الواقعة خارج المنطقة العازلة.
وفي الوقت نفسه، يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن أن القوات الإسرائيلية التي احتلت أجزاء من سوريا مؤخرًا ستبقى فيها لأجل غير مسمى.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن نتنياهو، أن إسرائيل تخطط للبقاء لبعض الوقت في جبل الشيخ، “حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”.
وكان نتنياهو أبدى اهتمامه بإقامة علاقات مع “النظام الجديد” في سوريا، بعد مرور بضعة أيام على إسقاط نظام بشار الأسد في دمشق.
إلى أين دخلت إسرائيل
في 11 من كانون الأول الحالي، أي بعد ثلاثة أيام من إسقاط النظام، أوضح الجيش الإسرائيلي توزع وانتشار قواته في الجنوب السوري.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إن أربع فرق قتال تضم قوات مشاة، وكوماندوز، وهندسة، ومدرعات، و”يهلوم” (سلاح الهندسة القتالي)، واستطلاع، تعمل على أداء مهمة الدفاع الأمامي الاستباقي بقيادة “الفرقة 210″، منتشرة في سوريا.
وأضاف عبر “إكس” أن قوات فريق “القتال اللوائي 474” تواصل عملها في نقاط السيطرة ضمن المنطقة العازلة، حيث تعمل ضد “التهديدات على الخط الحدودي والأهداف الإرهابية المرصودة”.
أدرعي قال أيضًا، إنه خلال عمليات التمشيط عثر الجيش الإسرائيلي على عدة دبابات سورية غير مستخدمة وصادرها.
من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، “نحن لا نتدخل فيما يحدث في سوريا. نحن هنا لمنع تموضع عناصر إرهابية في المنطقة”.
وأضاف، “أعتقد أن الاستعدادات على طول الحدود، من جبل الشيخ وحتى نقطة التقاء الحدود الإسرائيلية- السورية- الأردنية، هي استعدادات صحيحة وجيدة”.
وبينما يشوب التحركات الإسرائيلية على الحدود السورية الغموض، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله، إن السيطرة على المنطقة العازلة في سوريا هي عملية “مؤقتة” عقب “تهديد الميليشيات”.
ماذا تريد إسرائيل
كانت العلاقة بين إسرائيل والنظام السوري السابق متوترة على الدوام بظاهرها، لكنها لم تبدُ كذلك عندما أطلقت إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان ضد حليف النظام “حزب الله”.
ومنذ 7 من تشرين الأول 2023، عند اندلاع “طوفان الأقصى” في فلسطين، اتبعت إسرائيل استراتيجية الهجوم المباشر وفرض الواقع بالقوة، وهو ما فعلته في غزة وفي لبنان، وأخيرًا في سوريا، وفق ما يراه الباحث المتخصص في الشأن العسكري بمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان.
وأضاف شعبان أن ما فعلته إسرائيل ليس مرتبطًا فقط بسقوط النظام السوري، بل هناك أمور تتعلق بتأمين حدودها، وقضايا أخرى، لكن استراتيجيتها تعتمد على الانتقال من “الهجوم الجراحي” إلى “الهجوم المباشر”.
الباحث قال، إن إسرائيل دخلت سوريا من أربعة محاور، الأول في خان أرنبة ومدينة “البعث” بمحافظة القنيطرة، والثاني في ريف المحافظة الجنوبي، إلى جانب أهم محورين هما قمة جبل الشيخ، وبيت جن بريف دمشق الغربي.
ووسعت إسرائيل تحركاتها جنوبًا وصولًا إلى منطقة صيدا الواقعة على المثلث الحدودي بين الأردن وسوريا والجولان السوري المحتل، وتعكس هذه الآلية، وفق شعبان، عدم وجود نية الانسحاب بالنسبة لإسرائيل، رغم أن المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن فترة مؤقتة.
وتتعامل إسرائيل مع الجنوب السوري من منظور مصلحتها الأمنية فقط، أي لا تهمها الاتفاقيات، أو ما يجري في الداخل السوري عمليًا، وفق الباحث.
الشرع: لا مبرر لتحركات إسرائيل
تواصلت عنب بلدي مع العلاقات العامة لـ”إدارة العمليات العسكرية” مرارًا، للحصول على تعليق حول موقفها من التحركات الإسرائيلية، والخيارات المتاحة لوقف هذه التحركات، لكنها لم تحصل على إجابات حتى لحظة تحرير هذا الخبر.
قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قال إن حجج إسرائيل انتهت، معتبرًا أنه لا توجد حجج لتدخل خارجي الآن في سوريا بعدما أنهت الفصائل وجود إيران في البلاد.
وأوضح الشرع أن الوضع الراهن لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة، مشيرًا إلى أن الإسرائيليين تجاوزوا خطوط الاشتباك في سوريا بشكل واضح، ما يهدد بتصعيد غير مبرر في المنطقة.
من جانبه، رد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على تصريحات الشرع، معتبرًا أن إسرائيل تركز على أمنها.
وقال هاليفي، إن إسرائيل تركز على أمنها، ولا هدف لديها للتدخل في سوريا، ورفض تصريحات الشرع، معتبرًا أن الجيش الإسرائيلي يركز على تأمين الجولان المحتل من “التهديدات المتطرفة”، وأن إسرائيل لا تتدخل فيما يحدث داخل سوريا ولا تعتزم حكمها، وفق ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
سوريا لا تملك الخيارات
عند سؤاله عن الخيارات المتاحة لمواجهة التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري، قال أحمد الشرع، لشبكة “BBC” البريطانية، إنه سيواجه هذه التحركات عبر القنوات الدبلوماسية والمجالس الدولية.
وأضاف أن سوريا دولة منهكة، لا يمكنها القتال اليوم.
وفي الوقت نفسه، تهافتت الإدانات العربية للتحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري منذ بدئها، دون أي تغيير على الأرض.
الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، قال لعنب بلدي، “لا يبدو أن للمعارضة السورية العديد من الخيارات الجيدة، ومن المرجح أنها لن تتمكن من الانخراط في أكثر من مقاومة رمزية”.
وأضاف أنه حتى المقاومة الرمزية قد تؤدي إلى “انتقام إسرائيلي ساحق”.
وبقدر ما هاجمت إسرائيل سوريا قبل 8 من كانون الأول الحالي، يبدو الآن أنها غير مقيدة على الإطلاق، ربما بسبب تقلص البصمة الروسية في البلاد، وفي الوقت نفسه، لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل، وفق الباحث.
وحول الضربات الإسرائيلية، رجّح هيلر أن تستنفد إسرائيل مخزونها من الأهداف في سوريا ثم تتوقف عن القصف الجوي.
من جانبه، يعتقد الباحث في مركز “حرمون” نوار شعبان، أن لا قدرة للحكومة الجديدة في سوريا على التحرك ضد إسرائيل، باستثناء النشاط السياسي والدبلوماسي.
وفي مطلع العام الحالي، انتشرت نقاط مراقبة روسية في جنوبي سوريا، كانت تهدف لضبط نشاط المجموعات الموالية لإيران في المنطقة.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية، في 3 من كانون الثاني الماضي، نقطتين جديدتين في الجولان السوري المحتل، لمراقبة وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل.
وقال نائب رئيس “المركز الروسي للمصالحة” (يتبع لوزارة الدفاع الروسية)، الأميرال فاديم كوليت، إن بلاده ثبتت نقطتين عسكريتين جنوبي سوريا على خلفية تزايد وتيرة الاستفزازات في المنطقة منزوعة السلاح.
وبحسب ما نقلته الوكالة الروسية للأنباء (تاس)، فإن النقاط الجديدة تمركزت فيها وحدات من الشرطة العسكرية الروسية من أجل “مراقبة وقف إطلاق النار”.
اليوم لم يعرف مصير القوات الروسية في الجنوب السوري، لكن يرجح أنها انسحبت باتجاه القاعدة العسكرية الجوية الروسية في محافظة اللاذقية على الساحل السوري.