“فرحتي رح تضل ناقصة إذا مارجعوا إخواتي” تتصفح هدى زيادة، من سكان مدينة داريا صور شقيقها المعتقلين على هاتفها المحمول والدموع تملأ عيناها، فرغم سقوط الأسد وخروج المعتقلين لم تفرح بعودتهما كحال آلاف السوريين الذين مازالوا مختفين قسريًا.
الإفراج عن المعتقلين مع سقوط النظام السوري أفرح الكثير من السوريين، لكنه أبكى عشرات الآلاف من ذوي المعتقلين، فأعداد كبيرة من المختفين قسريًا لم يُعثر عليهم ما يعني أنهم أعدموا أو قتلوا تحت التعذيب.
ثلثا المعتقلين مصيرهم مجهول
بلغ عدد المختفين قسريًا في سجون نظام الأسد المخلوع منذ آذار 2011 حتى آب الماضي، 96 ألفًا و321 شخصًا، بينهم 2329 طفلًا و5742 سيدة (أنثى بالغة)، بحسب بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
منذ عام 2011، قُتل في سوريا أكثر من 231 ألف شخص بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يعد النظام السوري مسؤولًا عن مقتل أكثر 86% منهم.
“الشبكة السورية” أكدت لعنب بلدي، أن أعداد المعتقلين المُفرج عنهم من سجون الأسد بعد سقوطه، يبلغ نحو 29 ألف معتقل ومختفٍ قسريًا، بينهم مئات الأطفال والنساء، وهو رقم يشمل من كان معتقلًا بسبب ارتكابه جرمًا جنائيًا والمختفين قسريًا، أي أن ثلثي المعتقلين مازال مصيرهم مجهولًا.
ولا توجد إحصائية بعدد المختفين قسريًا الذين أفرج عنهم، أو تقدير لعدد المختفين قسريًا من مجموع المفرج عنهم من مختلف السجون، الذين سجنوا لأسباب جنائية مثلًا.
معتقلو لم يعودوا
عقب بدء خروج المعتقلين مع سقوط الأسد، توجد مدن وبلدات لم يعد سوى عدد محدود من معتقليها، وقال مسؤول مكتب التوثيق في تنسيقية داريا، ياسر جمال الدين، إن داريا كانت تنتظر خروج 2572 معتقلًا موثقين بالاسم عقب سقوط الأسد، ولم توثق التنسيقية عودة أحد منهم، بينما تناول مواطنون أسماء محدودة لم يجرِ التحقق بدقة من عودتهم.
وأضاف جمال الدين لعنب بلدي، أن تنسيقية داريا بريف دمشق وثقت اعتقال 5212 شخصًا من أبناء المدينة منذ بداية الثورة السورية، معظمهم على يد مسؤولي مطار المزة العسكري، حيث أُفرج خلال السنوات السابقة عن 2298 شخصًا منهم، بينما لا يُعرف مصير البقية بعد سقوط النظام.
وأكد جمال الدين أن هناك أيضًا 121 مفقودًا من داريا لا يُعرف مصيرهم أبدًا، مشيرًا إلى أن جميع هذه الأرقام هي فقط للمعتقلين الموثقين بالاسم، بينما عدد المعتقلين الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
هدى زيادة من أهالي داريا اعتُقل حوالي 20 شخصًا من عائلتها وأقاربها في داريا، بعضهم أفرج عنه خلال السنوات الماضية، لكن من بقي منهم إلى ما بعد سقوط النظام فلم يخرج.
قالت هدى، لعنب بلدي، في عام 2012 اعتقل النظام السوري شقيقها من منزله في داريا، وفي عام 2013 اعتُقل شقيقها الآخر مع ابنه، وهؤلاء قتلوا تحت التعذيب.
في عام 2016 جرى تسجيل شقيقي هدى في السجل المدني بعداد المتوفين، لكن العائلة لم تستلم جثثهم، لذا بقي لديها أمل بعودتهما.
وتعتقد أن عدم عودة معتقلي داريا يؤكد كمية حقد النظام السوري على هذه المدينة، حسب قولها.
وبعد مضي أسبوعين على سقوط الأسد، فقد سكان داريا الأمل بعودة معتقليهم، حيث أقاموا، الجمعة 20 من كانون الأول، صلاة الغائب على أرواح شهداء الثورة السورية، وذلك في باحة الثانوية الشرعية بمدينة داريا، ونصبوا خيمة عزاء جماعي.
ورصدت عنب بلدي هذه الحالة في مدن وأحياء أخرى كدوما بريف دمشق والقصير في حمص وركن الدين في دمشق، وغيرها من المناطق التي عرفت مبكرًا بنشاطها ضد النظام السوري عام 2011.
الإخفاء القسري أقسى من الاعتقال
في سجن صيدنايا ذائع الصيت والملقب بـ”المسلخ البشري”، انتهت عمليات البحث فجر 10 من كانون الأول، عن معتقلين محتملين في زنازين وسراديب سرية غير مكتشفة داخل السجن، بعد العديد من الإشاعات وأنباء عن وجود زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد.
وكان آلاف السوريين يأملون بإيجاد ذويهم على قيد الحياة، وتجمعوا على مدار أيام في السجن ومحيطه، إلا أن قسمًا كبيرًا منهم لم يجد أي أثر لمن يبحث عنه، ولا قبرًا يبكيه.
وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، إن الإخفاء القسري أحد أقذر الأساليب التي انتهجها نظام الأسد المخلوع، وهو أقسى من الاعتقال، بحيث يجعل السوريين في حالة عذاب مستمر لسنوات.
وأضاف عبد الغني، لعنب بلدي، أن المعتقل الذي علم أهله بوفاته واستلموا جثته سيحزنون عليه لفترة ويطوون الصفحة، أما من لديه معتقل مجهول المصير، فإنه جرحه لن يندمل، وسيشعر بالأمل كلما سمع خبرًا عن اكتشاف أماكن معتقلات أو مقبرة جديدة، لكن سرعان ما يتبخر هذا الأمل عندما يتبين أن الخبر كاذب، ليعود وينبعث الأمل من جديد لديه مع ظهور أخبار أخرى وهكذا يبقى عذابه مستمرًا.
ودعا عبد الغني بعض وسائل الاعلام إلى تجنب الترويج لوجود معتقلين على قيد الحياة، والتلاعب بمشاعر الناس، مضيفًا أن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” كشفت منذ عام 2018 أن النظام يقوم بقتل المختفين قسريًا.
وبلغت الشبكة قسمًا كبيرًا من العوائل بوفاة ذويها، بمعنى أن أغلب المعتقلين قُتلوا لكن بالنسبة لنا هم مختفين قسريًا طالما لم نعثر على جثثهم”.
وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير تحت عنوان “المسلخ البشري”، نشرته في شباط من عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة، نفذها النظام السوري بحق 13 ألف معتقل في سجن “صيدنايا”، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015.
وأوضحت المنظمة أن الإعدامات جرت أسبوعيًا أو ربما مرتين في الأسبوع، بشكل سري، واقتيدت خلالها مجموعات تضم أحيانًا 50 شخصًا إلى خارج زنزاناتهم، وشنقوا حتى الموت.