سوريون رهائن إذن السفر في تركيا
منذ سنوات طويلة، يقيم إسماعيل، وهو شاب سوري تجاوز الـ30 من عمره، في ولاية أضنة جنوبي تركيا، عاجزًا عن مغادرتها حتى لزيارة أفراد عائلته أو أقاربه، بسبب العائق الذي تفرضه الحكومة التركية على اللاجئين السوريين، في حال أرادوا التنقل بين الولايات.
لإسماعيل عائلة كبيرة، إذ تقيم شقيقته في ولاية ملاطيا، التي ضربها زلزال مدمر في شباط 2023، وعجز عن زيارتها أو تأمين أي مساعدة لها، بسبب خوفه من أن يُرحّل من البلاد في حال قبض عليه مسافرًا دون استخراج إذن للسفر.
وقال الشاب لعنب بلدي، إنه بعدما ضرب الزلزال المنطقة، انقطعت الاتصالات، وكان مجبرًا على الذهاب إلى ملاطيا لمساعدة أخته أو نقل بعض الحاجيات لها، لكنه عجز عن استخراج إذن للسفر حتى عن طريق “سمسار” معني باستخراج الأوراق بمقابل مادي.
ومنذ عام 2016، تشترط السلطات التركية على السوريين الحاملين لبطاقات “الحماية المؤقتة” (الكملك) الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية إلا بالحصول على إذن سفر بشكل مجاني.
يجد السوريون المقيمون في تركيا، وخاصة في الولايات الحدودية، صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر، ولا سيما ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها، ما يتركهم عرضة لاستغلال “السماسرة” الذين يستخرجون لهم إذنًا مقابل المال.
يدفعهم نحو “السماسرة”
تشترك تفاصيل حاجة اللاجئين السوريين لاستخراج إذن للسفر في بعض تفاصيلها، وتختلف كثيرًا في تفاصيل أخرى، إذ سرد إسماعيل لعنب بلدي أسباب حاجته للسفر إلى ولايات مختلفة، حيث تقيم شقيقته، وخاله المصاب بمرض سرطان الدم ويحتاج إلى المساعدة في مدينة كلّس الحدودية، ويوجد أفراد آخرون من عائلته يقيمون في مدن وولايات أخرى.
من جانبه، يواجه ياسر ظروفًا مشابهة، إذ لم يرَ والدته منذ أكثر من عام، مع أنهما يقيمان في البلد نفسه، وتفصل بينهما كيلومترات لا يصعب اجتيازها، لكن الرفض المستمر لطلبات إذن السفر من أضنة إلى اسطنبول يشكّل عائقًا حقيقيًا.
أقارب ياسر أيضًا ممنوعون من مغادرة الولايات التي يقيمون فيها إلا بإذن سفر ترفض دوائر الهجرة منحهم إياه.
ويلجأ معظمهم لـ”السماسرة”، رغم أن الحكومة التركية حذرت مرارًا من التوجه لـ”سماسرة” لاستخراج الإذن بمقابل مادي.
ويتقاضى بعض الأشخاص مبالغ مقابل استخراج أذون للسفر، لكن في الكثير من الحالات تكون المعاملات التي يشرف عليها “السماسرة” إما غير قانونية أو مجانية يمكن للاجئ القيام بها بنفسه.
ورصدت عنب بلدي حالات سابقة للاجئين سوريين تعاملوا مع “سماسرة” لاستخراج إذن السفر، واتضح لاحقًا أن “السمسار” كان يحاول استخراج الإذن عبر تطبيق “البوابة الحكومية” (E-Devlet) باستخدام أوراق مزورة، وهو ما قد تصل عقوبته إلى السجن والترحيل.
ولايات محظورة
لطالما كان استخراج إذن السفر نحو اسطنبول أمرًا بالغ الصعوبة، خصوصًا مع توجه الحكومة لتخفيف أعداد اللاجئين فيها تجاوبًا مع الخطاب العنصري للمعارضة ضد اللاجئين، لكن استثناءات ملموسة كانت موجودة عند تقديم مبررات حقيقية لاستخراج إذن السفر ودعمها بالأدلة.
ويتيح تطبيق “البوابة الحكومية” آلية التقدم بطلب إذن للسفر، وخلال التقدم بالطلب، يطرح التطبيق سؤالًا عن سبب رغبة اللاجئ بالحصول على إذن السفر، هل هي أسباب طبية أو عائلية أو للعمل أو أسباب أخرى.
وكانت الهجرة التركية تتجاوب مع الطلبات سابقًا، فعند التقدم بطلب لزيارة أفراد العائلة، يجب إرسال صور عن هوية الطرفين (الزائر والمُستقبل) للتأكد من درجة القرابة بينهما.
ومنذ مطلع العام الحالي، صار السفر إلى ولاية اسطنبول شبه مستحيل، إذ ترفض دوائر الهجرة التركية طلبات الحصول على إذن للسفر مرفقة بملاحظة مقتضبة “منطقة محظورة”.
تحاول غيداء منذ أكثر من سبعة أشهر الحصول على إذن للسفر لزيارة ابنها في اسطنبول، وتتقدم بطلب للحصول على إذن للسفر بشكل أسبوعي منذ ذلك الحين، لكن الجواب نفسه لم يتغير (الطلب مرفوض- منطقة محظورة).
راجعت غيداء دائرة الهجرة في مرسين، حيث تقيم، لاستخراج إذن السفر بشكل يدوي، لكن الموظف في دائرة الهجرة هناك قال لها إن اسطنبول ولاية مغلقة أمام زيارات السوريين، و”يمكن لابنك أن يأتي لزيارتك”.
احتجت غيداء، خلال حديثها لعنب بلدي، على منعها من زيارة ابنها، إذ شعرت أن الموظف يتحكم بتفاصيل حياتها، ويرسم لها خططًا قد لا تكون متاحة، فقط لأن الحكومة ترغب بالتحكم بعملية سفر وتنقل السوريين.
“سجن كبير”
ياسر الذي جرّب حياة السجن في سوريا، قال لعنب بلدي، إن قرار إذن السفر جعل من الفرد السوري حبيس مدينته، ينتظر قرار الإفراج عنه.
وأضاف أنه في كل عام تنتشر شائعات عن أن الوضع سيتغير، وهي حالة موسمية يواجهها السوريون بين الحين والآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها صارت حالة غير مقنعة بالنسبة لياسر.
خلال فترة سجنه في سوريا، سمع شائعات مشابهة، وكان السجناء يتحدثون عن أن هناك قرار عفو سيصدر، لكن هذا القرار لم يأتِ، وفق تعبيره.
ياسر شبّه الإشاعات التي تنتشر عن تحسينات فيما يعلق بقرار إذن السفر، بتلك المتعلقة بـ”العفو” التي كان يسمعها في السجن، “كانت تبث الأمل عند سماعها لأول مرة، لكنها تحولت لاحقًا لشائعة لا يلقي لها بالًا”.
وقال إن السوريين في تركيا يعيشون في سجن، بسبب قرار إذن السفر الذي تفرضه دوائر الهجرة على اللاجئين في البلاد، إذ تتعطل أعمالهم، وحياتهم الاجتماعية.
حرية التنقل “حق”
تنص القوانين الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين على حرية التنقل للاجئين، وحقهم بالتقدم بطلب لجوء، والحصول عليه.
وتقول المادة “26” في صك حقوق الإنسان (الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين)، “تمنح كل من الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها، حق اختيار محل إقامتهم والتنقل الحر ضمن أراضيها، على أن يكون ذلك رهنًا بأي أنظمة تنطبق على الأجانب عامة في نفس الظروف”.
ورغم أن تقييد الحكومة التركية حرية التنقل للاجئين يخالف ما جاء في قوانين الأمم المتحدة، تشارك المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا تحذيرات حول ضرورة عدم السفر دون استخراج إذن سفر.
وفي تشرين الثاني 2023، نشرت مفوضية اللاجئين مجموعة من المعلومات المتعلقة باللاجئين وطالبي اللجوء في تركيا، حذرت خلالها من مغادرة المدينة التي تحددها دائرة الهجرة للاجئ السوري للإقامة فيها.
ولفتت إلى ضرورة عدم مغادرتها دون استخراج إذن للسفر.
ويتعرض من لا يحمل “إذن السفر” من السوريين للاحتجاز من قبل السلطات التركية لأنه يملك بطاقة “حماية مؤقتة” صادرة عن ولاية مختلفة عن مكان إقامته، وقد يستمر الاحتجاز عدة أيام والترحيل لولاية مطابقة لـ”الكملك” أو لولاية مختلفة مع مخالفة مالية، وسجلت العديد من عمليات ترحيل اللاجئين خارج البلاد، بسبب السفر دون استخراج إذن من دوائر الهجرة.
ووفق أحدث إحصائية صادرة عبر الموقع الرسمي لدائرة الهجرة التركية، في 7 من تشرين الثاني الماضي، يبلغ عدد اللاجئين المقيمين في البلاد تحت نظام “الحماية المؤقتة” ثلاثة ملايين و85 ألفًا.
وانخفض عدد اللاجئين عما كان عليه خلال الشهر نفسه من العام الماضي بأكثر من 150 ألفًا، تقول تركيا إنهم عادوا “طوعًا” إلى سوريا، في حين تحدثت تقارير خلال السنوات الماضية عن عمليات ترحيل وانتهاكات جسيمة لحقوق اللاجئين في تركيا، وهو ما نفته الحكومة التركية لاحقًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :