معركة الصحافة الحرّة في سوريا المستقبل

tag icon ع ع ع

علي عيد

تمتلئ الصحف والشاشات والمواقع العالمية اليوم بأخبار سوريا، لكنه الحدث، وكل إعلام دخل سوريا سيخصص جانبًا للتغطية الخبرية، ويذهب نحو سياسته التحريرية المتعلقة بمصالح من يمثلهم هذا الإعلام، سواء كان حكوميًا أو شبه حكومي، أو خاصًا مدفوعًا بتوجهات المالكين.

سيجد ذلك الإعلام فرصًا لملء الهواء والصفحات، وقدرًا وافرًا من المال لتغطية مهمة موفديه من مراسلين ومصورين وفنيين، وسيارات النقل والبث.

وحده الإعلام المحلي السوري من سيبقى إلى جانب عذابات ما مضى وآمال المستقبل، فأين ذلك الإعلام وما هويته، وأي خطة موجودة إن كان حاضرًا في قسم منه، كما سيكون المنفذ الأهم لنقل صوت السوريين بعيدًا عن الأجندات الخارجية والانتقال من سيناريو الصراع في سوريا إلى سيناريو الصراع على سوريا.

واقع الإعلام المحلي السوري اليوم وخطته للعمل هي المهمة الأصعب، والتي لا فكاك من العمل عليها، والتحضير لتجنب كثير من المطبات المحتملة في بيئة مهشّمة اقتصاديًا، ومتعبة وممزقة اجتماعيًا، وأمام ركام من سنوات الحرب الطاحنة، وتحديات الحاضر قبل المستقبل.

لحظة سقوط النظام وهروب الرئيس المخلوع، انتهى دور الإعلام الرسمي الممسوك من أجهزة الأمن، فيما ينتظر المئات، وربما الآلاف، من موظفيه الصحفيين متسائلين عن اليوم التالي، وعلى الأغلب بقيت كوادره بتأهل ضعيف فيما يخص قضايا المعايير المهنية، والقواعد الأساسية في أخلاقيات الصحافة، ما يعني أن هناك مهمة صعبة لتكييف تلك الكوادر وتأهيلها، وربما إعادة تكوين وهيكلة المؤسسات بشكل عصري دون هدر في الموارد والطاقات.

الإعلام الخاص والمستقل شكلًا بدوره، قسم منه عمل من الخارج بتمويل شبه حكومي خارجي، والآخر في الداخل كان مملوكًا لواجهات النظام، والأخير مأزقه لا يقل عن ذاك المتعلق بالصحافة الرسمية.

الإعلام المستقل يعتبر التجربة الفريدة في تاريخ سوريا خلال الـ60 عامًا الماضية، وبالتحديد منذ عام 1963، مع بروز حزب “البعث” واستيلائه على السلطة بالتدريج، وصولًا إلى السيطرة الكاملة عام 1970، وقد يكون الاختبار الأهم للسلطة القادمة في البلاد، ومدى تقبلها لشريك في التنمية ورقيب على مستوى الحريات والحوكمة ومحاربة الفساد في ذات الوقت.

ربما من المبكر الحكم على أي مرحلة، بما فيها مرحلة حكومة ما بعد سقوط النظام، وحتى الحكومة الانتقالية القادمة، لكن التأسيس بدأ الآن، والتحدي الأول أمام الإعلام الحر المستقل أن ينتزع الدور دون انتظار قرارات من أي جهة، وهو ما يضمن تغييرًا حقيقيًا في مهمته التي فقدها طوال عقود.

انتزاع الدور يعني بناء تحالف واضح يوحد المصطلحات والرسالة، ويكثف جهوده في نقل الحقائق، ويعزز السلام المجتمعي، ويواكب التحديات ويسهم في تقديم صحافة الحلول للمظاهر التي تشكلت خلال سنوات من النهب والكبت والتضييق.

خلال الأشهر المقبلة، هناك ثلاثة تحديات رئيسة، الأول الاستجابة الطارئة للاحتياجات الاقتصادية والمجتمعية، كي لا تتولد مشكلات أكبر، والثاني الاستجابة للمطالب السياسية الداخلية والخارجية، ومشاركة جميع الأطراف، والثالث يتعلق بالقضايا الأمنية على اعتبار أن اختطاف المرحلة من قبل أطراف انتهازية أو بقايا النظام المتضررة هو احتمال وارد.

لذلك، ينبغي للإعلام أن يتحرك في الاتجاهات الثلاثة، لكيلا يتم التعامل مع البلاد وكأنها أرملة مهيضة الجناح، يمكن لأي طرف داخلي أو خارجي رسم مستقبلها على أساس مصالحه أو تصوراته.

أما المهمة الأكثر حساسية والتي يجب أن يوضع لها برنامج طويل، هي أن تكون حرية الإعلام قضية حاضرة عند كتابة أي وثائق دستورية، أو سنّ قوانين أو إصدار قرارات تتعلق بمستقبل البلاد.

مشكلة الصحافة الحرة اليوم أنها أضعف الأطراف لوجستيًا، وهو ما يعوضه قربها من الحقيقة التي يبحث عنها الناس، ولتحقيق أهدافها هناك مصاعب أولها ضمان وجودها ووجود كوادر تدافع عنها.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة