سوريا.. انتقال تحت المراقبة

  • 2024/12/15
  • 2:15 م
تتجمع حشود من السوريين خلال مظاهرة احتفالية بعد صلاة الجمعة الأولى بعد الإطاحة ببشار الأسد في ساحة الأمويين بدمشق - 13 كانون الأول 2024 (AP /Ghaith Alsayed)

تتجمع حشود من السوريين خلال مظاهرة احتفالية بعد صلاة الجمعة الأولى بعد الإطاحة ببشار الأسد في ساحة الأمويين بدمشق - 13 كانون الأول 2024 (AP /Ghaith Alsayed)

خالد الجرعتلي | علي درويش

يريد السوريون الانتقال إلى الخطوة التالية بعد إسقاط الأسد، في8  من كانون الأول الحالي، ووسط التطلعات إلى تجاوز المرحلة سريعًا والبدء بالتنمية وإعادة الإعمار، لا تزال ملامح المرحلة الانتقالية ضبابية على الصعيد السياسي والإداري.

الحراك المسلح الذي يقوده أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قرر تسليم حكومة تسيير أعمال قيادة هذه المرحلة لثلاثة أشهر، وهي ذاتها حكومة “الإنقاذ” التي كانت تدير محافظة إدلب شمال غربي سوريا، حيث كانت تسيطر “هيئة تحرير الشام” التي شكلت رأس حربة في العمليات العسكرية ضد النظام منذ 27 من تشرين الثاني الماضي.

وتراقب أطراف دولية وإقليمية المشهد، وتقيّم تحركات الحكومة الجديدة والقيادة العامة العسكرية، إذ أبدت واشنطن شروطها للاعتراف بالحكومة الجديدة في سوريا، ووضعت دول أوروبية رؤيتها للانتقال السياسي، بينما دعمت دول، معظمها عربية، التغيير في سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، سيناريوهات المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويقدم خبراء وباحثون تصوراتهم عن المتوقع على المستوى المنظور.

حكومة تسيير أعمال لا انتقالية

الأنظار إلى “2254”

لم تظهر ملامح انخراط أطراف محلية أخرى في حكومة تسيير الأعمال، منها كانت شريكة لـ”تحرير الشام” خلال العمليات العسكرية مثل “الجيش الوطني” (الذراع العسكرية للحكومة السورية المؤقتة)، وأخرى لا تزال مستقلة بقرارها، لكنها تطالب بإشراكها في العملية السياسية المستقبلية كـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وهو ما قد يفسر بأن الحكومة الحالية هي فقط لتسيير الأعمال وليست حكومة انتقالية.

نائبة رئيس “الائتلاف السوري” المعارض، ديما موسى، قالت في حديث لعنب بلدي، إن المرحلة الحالية تديرها حكومة “الإنقاذ”، بينما لا تزال “الحكومة المؤقتة” تدير أجزاء من ريفي حلب الشرقي والشمالي، وهي المناطق نفسها التي كانت تديرها خلال السنوات الماضية.

وأضافت أنه لا يوجد تنسيق مباشر بين “الإنقاذ” و”المؤقتة” (الذراع التنفيذية للائتلاف المعارض) اليوم، لكن يوجد تعاون عبر أفراد وأعضاء فاعلين لدى الأطراف.

ووفق موسى، فالمرحلة المقبلة هي مرحلة “الحكومة الانتقالية” التي من الواجب أن تكون تشاركية، وهو ما ينتظره المجتمع السوري المحلي الذي تخلص من حكم دكتاتورية الأسد حديثًا.

واعتبرت موسى أن إسقاط النظام السوري لم يكن الهدف، بل كان عقبة أمام بناء سوريا، وهو مرحلة أساسية تجاوزها السوريون اليوم، لكنهم ينتظرون الخطوات المقبلة.

ولفتت إلى أن المشهد السياسي يتجه نحو البدء بتطبيق القرار الأممي “2254” الذي يقضي بتشكيل “حكومة مؤقتة” مدتها 18 شهرًا، يجري خلالها حوار سوري- سوري.

رجل يحمل علم الثورة وسط آلاف السوريين في دمشق يحتفلون بسقوط النظام – 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

أطراف سياسية غائبة

كلفت “إدارة العمليات العسكرية” محمد البشير (رئيس حكومة الإنقاذ)، في 10 من كانون الأول، بتشكيل حكومة تسيير أعمال لمدة مؤقتة، حتى 1 من آذار 2025، دون تقديم توضيحات حول الخطوات المقبلة.

ويعتقد الدبلوماسي السوري السابق داني بعاج، أن الحكومة الحالية ليست حكومة انتقالية، إنما هي حكومة استلام سلطة من حكومة النظام المخلوع، وهي الآن حكومة “مطعّمة” بين النظام وبين حكومة “الإنقاذ”، رغم أن الأيام الأولى لتشكيلها أطلق عليها اسم “حكومة انتقالية”، ثم أعيد توحيد المصطلح ليصبح حكومة تسيير أعمال.

الحكومة الانتقالية لا تشكل بهذه الطريقة، وفق بعاج، إذ قال لعنب بلدي، إن الحكومة الانتقالية تحتاج مشاورات واسعة وأطراف سياسية، وتحتاج إلى أن تكون ممثلة بكل المكونات السورية عسكريًا وسياسيًا، إلى جانب مكونات مجتمع مدني.

ولفت إلى أن عملية الانتقال السياسي لم تبدأ بعد، ولا يمكن اعتبار أن العملية الانتقالية بدأت دون مشاركة واسعة وعملية مشاركة في اختيار هيئات الحكم الانتقالي على نطاق واسع تتضمن أيضًا المجتمع المدني.

 

الحكومة الحالية ليست حكومة انتقالية، هي حكومة استلام سلطة من حكومة النظام، حكومة مطعّمة بين النظام وبين (الإنقاذ). لا يمكن للحكومة الانتقالية أن تشكل بهذه الطريقة، بل تحتاج إلى مشاورات واسعة وأطراف سياسية، وتحتاج إلى كل المكونات أن تكون حاضرة بها عسكريًا وسياسيًا وعلى صعيد المجتمع المدني أيضًا.

داني بعاج

دبلوماسي سوري سابق

 

ماذا عن “2254”

ينتهي عمل حكومة تسيير الأعمال في آذار 2025، لتنتقل الترتيبات لبدء المرحلة الانتقالية، وعملية الانتقال السياسي، وهي عملية طويلة ستتجاوز الـ18 شهرًا، إذ نص القرار “2254” على أنها 18 شهرًا وتمتد لسنتين، حتى يتم وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات.

ولفت بعاج إلى وجوب التخلي عن إعادة إنتاج اللجنة الدستورية فهي “ساقطة حاليًا”، إذ تشكلت بتدخل من أطراف عديدة، وبالتالي يجب تشكيل لجنة دستورية سورية جديدة.

وتضم اللجنة الدستورية بنسختها القديمة، 50 عضوًا يختارهم النظام السابق، و50 تختارهم المعارضة، و50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء، وتهدف للوصول إلى دستور توافقي بين الأطراف السورية جميعها.

ولم تجد اللجنة طريقها نحو النور، إذ استمر النظام وروسيا بعرقلة أعمالها، وعقدت آخر جلساتها منتصف عام 2022، واستمرت المطالبات باستئنافها حتى تشرين الثاني الماضي، دون جدوى.

ويرعى “2254”، كقرار دولي في إطاره العام، انتقالًا سلميًا للسلطة، وهو ما لم ينفذ حتى الآن، وما يظنه البعض أنه بسقوط النظام انتهى التفاوض بموجب القرار نفسه، وهو اعتقاد غير صحيح، وفق بعاج.

ويرى الدبلوماسي السوري السابق أن القرارات الدولية بما فيها بيان “جنيف” لا يذكر بشار الأسد بالاسم، بل يقول الحكومة السورية، وبعد دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى دمشق التقت بالحكومة، وبالتالي هي الطرف الذي ينوب عن النظام المخلوع فيما يتعلق ببنود “2254”، إذ يقول الدستور السوري المعمول به حاليًا، إنه في حال غياب رئيس الدولة، تتابع رئاسة الحكومة أعمال الدولة.

وتقع المسؤولية السياسية الأولى والأخيرة على عاتق أهم جسمين معارضين يتمتعان بالاعتراف الدولي، وهما “هيئة التفاوض” و”الائتلاف”، وفق بعاج، وإذا لم يتحركا خلال هذا الأسبوع، فقد وضعا نفسهما خارج المعادلة.

وبالنسبة لـ”هيئة التفاوض”، يرى بعاج أن عليها توسيع نفسها لتضم “الحكومة السورية” (حكومة النظام) إلى جانبها لتتحول إلى نواة مؤتمر وطني عام، وكخطوة ثانية، على جميع أعضاء “هيئة التفاوض” الاجتماع بجمعية عامة للمطالبة بتمثيل عن الحكومة السورية بشكلها الحالي، أو على الأقل إنشاء آلية تشاور موسعة تبدأ برسم ملامح المرحلة الانتقالية.

ولفت بعاج إلى ضرورة توجيه دعوة لبقية الأطراف غير المشاركة في التفاوض إلى المشاركة، وأن تعطى مساحة وحصة وازنة واضحة للمجتمع المدني.

أما عن “الائتلاف” فيمثل أطرافًا من المعارضة، ومن المفترض أن تنخرط أطراف المعارضة السياسية ومنها “الائتلاف” مباشرة في العملية السياسية، أو يعلن رئيسه عن انخراطه والانتقال لدمشق، وبدء العمل من هناك بهدف الإعداد لمؤتمر الوطني بالتنسيق مع “هيئة التفاوض”.

وانتقد بعاج وقوف “الائتلاف” متفرجًا على التطورات القائمة قائلًا، “هل ينتظر الائتلاف الحلول من المبعوث الأممي غير بيدرسون”؟

واعتبر أن عدم وجود فاعلية وخطة واضحة لـ”الائتلاف” يعتبر مؤشرًا “مقلقًا ومخزيًا” بعد نشاط معارض استمر لـ14 عامًا.

وعلى الصعيد العسكري، يرى بعاج أن جميع الفصائل من الممكن أن تتشاور، وتعقد لقاءات فيما بينها، على أن تستكمل هذا الحوار، ليفضي إلى إعادة بناء الجيش السوري بطريقة صحيحة، وتمثيل الضباط المنشقين بهذا الجيش، خصوصًا أن الهيئات العسكرية هي أكثر من يعرف النظام وتركيبته.

اجتماع وزراء الثورة في حكومة الإنقاذ السورية لتحديد إجراءات استلام المؤسسات – 10 كانون الأول 2024 (حكومة الإنقاذ)

تنسيق العسكر

إلى جانب تشكيلة الحكومة المقبلة وأدوارها في الانتقال السياسي، ما زالت الكثير من الملفات العسكرية مفتوحة أيضًا، خاصة بما يتعلق بالتشكيلات العسكرية التي لم تنضوِ سابقًا تحت “هيئة تحرير الشام” وهي رأس الحربة في معركة “رد العدوان”، ومن أبرزها فصائل في الجنوب وريف دمشق، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا.

ولـ”تحرير الشام” تجربة في إنهاء كثير من الفصائل التي لا تتوافق معها، لكن ذلك كان في نطاقات جغرافية محدودة، ليست على مستوى سوريا.

في 11 من كانون الأول الحالي، التقى قادة من “غرفة عمليات الجنوب” مع “إدارة العمليات العسكرية”، لتنسيق الجهود العسكرية والمدنية في ظل الحكومة الجديدة، ووضع حد للاضطرابات وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وفق ما أُعلن عنه في بيان “غرفة عمليات الجنوب”.

وتأسست “غرفة الجنوب” في 6 من كانون الأول، وخلال 24 ساعة سيطرت على محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وتوجهت بعدها إلى دمشق، تزامنًا مع سيطرة “إدارة العمليات” على حمص وتوجهها نحو دمشق، إلى أن سقط النظام في 8 من كانون الأول.

الشيخ بلال الحريري أحد الحاضرين في اجتماع الشرع (الجولاني) مع قادة الجنوب ومنهم قائد “اللواء الثامن” أحمد العودة، قال لعنب بلدي، إن نتائج الاجتماع ستظهر في الأيام المقبلة.

وأرجع أسباب عقد الاجتماع بين قادة الجنوب وأحمد الشرع، قائد “إدارة العمليات”، إلى إيجاد ضوابط لعمل الفصائل وتجنب التصرفات الفصائلية أو الفردية وتنظيم آلية العمل في المرحلة المقبلة.

وتركزت النقاشات على توحيد الفصائل تحت مسمى وزارة الدفاع، وهو أمر “لا يمكن تعديه لضبط الأمن”، وبالنسبة لمسألة تشكيل الحكومة ومشاركة الجنوب في العملية السياسية، كان “النقاش في عموم هذه المسائل”، وفق الشيخ بلال الحريري.

وذكر القيادي في “غرفة عمليات الجنوب”، الملقب بـ”أبو شريف المحاميد”، لعنب بلدي، أن المناقشات لم تتركز حول دور الجنوب في إدارة الحكومة، إنما تركزت حول عمل الفصائل وضبط الأمن في الجنوب، لأن هناك تجاوزات فردية لم تصل إلى حد التصادم، لكن يجب العمل على حل الفصائل والاندماج ضمن قطاع عسكري واحد هو وزارة الدفاع السورية.

هذا التنسيق مع المكونات العسكرية قد يكون نموذجًا لطريقة التعامل مع جهات عسكرية أخرى، كفصائل انتشرت في دمشق وأريافها لم تكن تتبع بشكل مباشر لـ”تحرير الشام”، أو “الجيش الوطني” في ريف حلب الشمالي، وحتى “قسد” في شرقي سوريا.

“قسد”: نتواصل مع “إدارة العمليات”

تركزت معارك “إدارة العمليات العسكرية” ضد قوات النظام السوري والميليشيات الرديفة، ولم يصدر عنها تهديدات لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صاحبة السيطرة على أجزاء من شمال شرقي سوريا، لكنها أعلنت سيطرة مقاتليها على مدينة دير الزور في 10 من كانون الأول.

“الإدارة” أخرجت “قسد” من جزء محافظة دير الزور الواقع غرب الفرات، فيما بقي الجزء الآخر الواقع شرق الفرات تحت سيطرة “قسد”.

قائد “قسد” مظلوم عبدي قال، في 12 من كانون الأول، إن لدى “قسد” اتفاقات مع “هيئة تحرير الشام” بخصوص محافظتي حلب ودير الزور، مشيرًا إلى وجود اتفاق على شرق دير الزور وغربها.

وذكر عبدي أن “تحرير الشام” أخبرت “قسد” بعمليتها العسكرية، وأن مناطق سيطرة “قسد” ليست هدفًا لها.

“تحرير الشام” لم تعد تصرح أو تظهر بشكل رسمي كفصيل عسكري منذ إطلاق “إدارة العمليات العسكرية” معركة “ردع العدوان” في 27 من تشرين الثاني الماضي، وكل ما يتعلق بها يندرج تحت عمل “إدارة العمليات العسكرية”.

وتعمل “قسد” على “تهيئة الأجواء لإرسال وفد إلى دمشق لإجراء حوارات”، أي حوار مع الحكومة الانتقالية، وفق عبدي، الذي أشار أيضًا إلى أن “قسد” لا تشكل خطرًا على الأمن التركي، وهي مستعدة للحوار مع تركيا.

وعلى مدار سنوات، حاولت “قسد” إيجاد صيغة مشتركة مع نظام بشار الأسد خلال مفاوضاتها معه للحفاظ على مكتسباتها، إلا أنها لم تنجح بذلك.

وبناء على تصريحات عبدي، فإن “قسد” مستمرة على هذا النهج، أي أنها تحاول إجراء مفاوضات مع “إدارة العمليات العسكرية”، وتحاول إرسال تطمينات لتركيا، في الوقت الذي تخوض فيه فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا معارك ضد “قسد” بريف حلب، وطردت الأخيرة من عدة أماكن أبرزها منبج.

أحدث ما صدر من شمال شرقي سوريا، جاء في بيان لـ”الإدارة الذاتية” وهي المظلة السياسية لـ”قسد” عندما قررت، في 12 من كانون الأول الحالي، اعتماد علم الثورة السورية في مؤسساتها الحكومية والإدارية، التي بنتها خلال السنوات التسع الماضية في مناطق سيطرتها.

ورغم الحديث عن اتفاقيات وحوار قائم ووفود تذهب وتأتي بين منطقتي السيطرة، لا تزال المعارك العسكرية مستمرة في ريف حلب الشرقي بين “الجيش الوطني السوري” و”قسد”، تقطعها هدن ومفاوضات، ثم تستأنف في أوقات أخرى.

سوريون يحتفلون بإسقاط النظام السوري في ساحة الأمويين بدمشق – 8 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

شروط غربية

بعد 48 ساعة على هروب الأسد من العاصمة السورية دمشق قبيل وصول فصائل المعارضة لقصره الرئاسي، بدأت البيانات تتهافت حول الأوضاع القائمة في سوريا، إذ دعمت بعض الدول تقدم المعارضة لدمشق، في حين أشادت أخرى، ووقفت بعضها على الحياد.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، شون سافيت، قال إن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وفريقه “يتابعون عن كثب الأحداث الاستثنائية” التي تجري في سوريا، وهم على اتصال دائم مع الشركاء الإقليميين.

من جانبها، قالت روسيا التي كانت حليفة للنظام على مدى سنوات، إنها تتابع “الأحداث المأساوية في سوريا بقلق بالغ”، مضيفة أن الأسد قرر ترك منصبه الرئاسي وغادر البلاد، نتيجة للمفاوضات مع عدد من المشاركين في النزاع المسلح على الأراضي السورية، مع إعطاء التعليمات بإجراء عملية نقل السلطة سلميًا.

إيران الحليف الآخر للنظام، قالت إن تحديد مصير سوريا واتخاذ القرار بشأنها ومستقبلها هو مسؤولية شعب هذا البلد وحده، دون تدخل مدمر أو فرض خارجي، مع دعمها القرار “2254”.

ألمانيا أعربت من جانبها عن “ارتياح كبير” لسقوط نظام الأسد في سوريا، مع تحذيرات من وصول ما وصفتهم بـ”المتشددين” الى السلطة.

ورحبت فرنسا “بسقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من 13 عامًا من القمع العنيف للغاية ضد شعبه”، ودعت السوريين إلى رفض “التطرف”، وفق بيان للخارجية الفرنسية.

وقالت الصين إنها تتابع تطورات الوضع في سوريا وتبدي اهتمامًا كبيرًا، وتأمل أن تستعيد سوريا الاستقرار في أقرب وقت ممكن، وفق بيان للخارجية الصينية.

في حين قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إنه يتابع باهتمام بالغ تطورات الوضع في سوريا، وإنه على اتصال دائم بالسفارة الإيطالية في دمشق ومع مكتب رئيسة الوزراء، وإنه دعا إلى اجتماع طارئ لدى وزارة الخارجية.

تصريحات ومواقف أخرى وردت، كتأييد تركي، وآخر قطري، وتعليق أردني قال إن المملكة تتابع تطور الأحداث، ومثله من جانب العراق، إلى جانب دعوات من مصر لصون مقدرات الدولة.

استئناف للعلاقات

بعد أربعة أيام على سقوط الأسد، أعلنت “إدارة الشؤون السياسية” التابعة لحكومة “الإنقاذ” في سوريا أن ثماني دول استأنفت عمل بعثاتها الدبلوماسية، بينما تلقت وعودًا من دول أخرى تنوي إعادة افتتاح سفارتها في البلاد.

وتقدمت “الإدارة السياسية” عبر معرفاتها الرسمية بالشكر لكل من مصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، وإيطاليا، على استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق.

وأضافت أنها تأمل بناء علاقات طيبة مع كل الدول التي تحترم إرادة الشعب وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.

معظم هذه الدول كانت قد أعادت تعيين بعثاتها في سوريا بين عامي 2018 و2024.

و”إدارة الشؤون السياسية” هي هيئة كانت تتبع لحكومة “الإنقاذ” المعارضة، لكنها صارت اليوم مصدرًا للخطابات الموجهة للخارج في حكومة تسيير الأعمال التي انتقلت إلى دمشق حديثًا.

وقالت “الإدارة السياسية”، إنها تلقت وعودًا مباشرة من قطر وتركيا لإعادة افتتاح سفاراتهما في سوريا، بينما أعلنت أنقرة تعيين قائم بالأعمال بشكل مؤقت لسفارتها في دمشق.

وسبق أن قال مستشار رئيس مجلس الوزراء والمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، ماجد بن محمد الأنصاري، إن افتتاح سفارة قطر في سوريا قريب.

ونشرت الخارجية القطرية عبر حسابها الرسمي في “إكس”، أن الدوحة ستعيد افتتاح سفارتها في سوريا قريبًا بعد إكمال الترتيبات اللازمة.

مقاتلون في فصائل المعارضة المسلحة في العاصمة السورية دمشق- 8 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)

شروط أمريكية

مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أجاب عن أسئلة طرحتها عنب بلدي حول متطلبات الولايات المتحدة من السلطات الجديدة في سوريا، لدعمها، والاعتراف بها، إذ قال إن بلاده ستعترف وتدعم بشكل كامل أي حكومة سورية مستقبلية تنشأ عن عملية شاملة وشفافة تعكس إرادة الشعب السوري.

وأضاف، “نحن على استعداد لتقديم كل الدعم المناسب لجميع المجتمعات والدوائر الانتخابية المتنوعة في سوريا”.

ونوّه المسؤول في الخارجية إلى أن على هذه الحكومة الجديدة أن تتخذ خطوات لتحصل على دعم أمريكي وهي:

أولًا: ينبغي أن تؤدي العملية الانتقالية إلى حكم موثوق وشامل وتمثيلي وغير طائفي يلبي المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بما يتفق مع مبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم “2254”.

ثانيًا: تقديم التزامات واضحة من قبل الحكومة الجديدة فيما يتعلق بما يلي:

  • الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعب السوري، بما في ذلك الأقليات.
  • تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين.
  • منع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو أن تشكل تهديدًا لجيرانها.
  • التأكد من تأمين أي مخزونات للأسلحة الكيماوية وتدميرها بشكل آمن.

وحول العقوبات المفروضة على سوريا، على الصعيد الاقتصادي، قال المسؤول إن بلاده لا تقوم بإجراء معاينة مسبقة حول العقوبات، أو تصنيفات الإرهاب، أو الشطب من القوائم.

وأضاف أن الهدف النهائي للعقوبات هو إحداث تغيير إيجابي في السلوك، مشيرًا إلى أن بلاده ستستمر بمراقبة الوضع وتقييم تصرفات “هيئة تحرير الشام” لاتخاذ موقف، دون تحديد مدة زمنية لهذه الخطوات.

 

نحن لا نقوم بإجراء معاينة مسبقة حول العقوبات، أو تصنيفات الإرهاب، أو الشطب من القوائم، إن الهدف النهائي للعقوبات هو إحداث تغيير إيجابي في السلوك. وسوف نستمر في مراقبة الوضع وتقييم تصرفات هيئة تحرير الشام لاتخاذ موقفنا في المستقبل.

مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لعنب بلدي

 

رؤية ألمانية

بدورها حددت ألمانيا رؤيتها لـ”سوريا ديمقراطية”، معلنة استعدادها لدعم “المصالحة والعدالة الانتقالية، وذلك في إطار ثماني نقاط، ذكرها المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، وهي:

  • تسليم السلطة بشكل سلمي ومنظم عبر حوار شامل ووقف لإطلاق النار، وتقاسم السلطة ودمج الميليشيات ضمن جيش وطني، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
  • دعوة مجموعة “أصدقاء سوريا الجديدة” مع الدول العربية الرئيسة والمانحين الغربيين، لتعزيز الدعم و”ردع المفسدين”، إذ يعتبر الإجماع الدولي “أمرًا حيويًا” لحماية سوريا من التدخل الأجنبي.
  • وضع معايير واضحة للتعامل “هيئة تحرير الشام” وذراعها السياسية غير الخاضع للعقوبات (حكومة “الإنقاذ”)، مع ضمان حماية الأقليات وإطلاق سراح السجناء.
  • دعم ألمانيا لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية برنامج التعافي المبكر، والحد من وجود مخيمات اللجوء في الدول المجاورة.
  • مساعدة سوريا عبر الخبرات الألمانية لمنع الصراعات المستقبلية، تمهيدًا للمصالحة، ولدعم العدالة الانتقالية.
  • دفع ألمانيا نحو التحقيقات التي تقودها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بما يخص الأسلحة الكيماوية في سوريا، والتأكد من تدميرها بشكل آمن، لعدم وقوعها بـ”الأيدي الخطأ”.
  • التمهيد لعودة تأسيس الوجود الدبلوماسي الألماني في سوريا لبدء مهام تقصي الحقائق والتعامل مع السلطات الجديدة، وضمان الحوار مع الأقليات الدينية والعرقية.
  • منع تدفق موجات جديدة للاجئين، عبر دعم الاستقرار الإنساني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والعمل على عودة “طوعية وآمنة وكريمة” للاجئين.

ألمانيا أكثر الدول وجهة للاجئين السوريين في أوروبا، إذ تلقت نحو ثلث الطلبات من أصل 334 ألف طلب في الاتحاد الأوربي.

للتخلص من “شماعة الإرهاب”

التغيير المفاجئ الذي طرأ على سلوك “هيئة تحرير الشام” من فصيل راديكالي مسلح إلى فصيل منظّم يعمل جاهدًا لتفادي انتهاك حقوق المدنيين، لم يقِ “الهيئة” وهي أكبر فصيل عسكري نشأ في شمالي سوريا، من انتقادات واتهامات حملت مخاوف من أدلجة الحكم في سوريا، وصبغه بطبيعة إسلامية متشددة.

بعض الاتهامات ذهبت أبعد من توجه “تحرير الشام” نفسها، إذ رأى البعض مع الأيام الأولى لتغلغل الفصائل في المدن السورين التي تضم تنوعًا دينيًا وطائفيًا وقوميًا، أن “طالبان” جديدة قادمة إلى سوريا، وهو ما لم تحد منه مساعي “تحرير الشام” لإبداء اعتدالها.

الخبيرة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، ترى مقارنة سيطرة المعارضة السورية المسلحة على سوريا، والتي تضم طيفًا واسعًا من الفصائل، بما في ذلك “تحرير الشام” وسيطرة “طالبان” على أفغانستان غير عادل، خصوصًا من حيث المنظور الأمريكي- الأوروبي.

وأضافت الخبيرة، لعنب بلدي، أن المشهد في سوريا من المنظور الأمريكي والأوروبي مختلف تمامًا، وهو ما ترجمته وسائل الإعلام الأمريكية عن بدء إدارة بايدن دراسة قرار إخراج “تحرير الشام” من قائمة المنظمات المصنفة إرهابية، بالإضافة إلى تبني دول الاتحاد الأوروبي لقرار تجميد طلبات اللجوء للسوريين في خطوة لم تتخذ حتى الآن للمواطنين الأفغان، رغم مرور أكثر من عامين على سيطرة “طالبان”.

الباحثة ترى أن رغبة الغرب بشكل عام تركز على رغبة في فرض حالة من الاستقرار في سوريا لأسباب عديدة، كما أن الأمريكيين يدركون أن الفوضى في سوريا ستكون “بيئة خصبة لظهور التنظيمات المتطرفة وعودة تنظيم (الدولة) من جهة، وستؤثر سلبًا على هدوء جبهة الجولان من جهة أخرى”.

“أبو محمد الجولاني” قائد “هيئة تحرير الشام” في قلعة حلب بعد السيطرة عليها – 4 كانون الأول 2024 (القيادة العامة/ تلجرام)

أوروبا تؤيد

لم يبدِ الأوروبيون موقفًا موحدًا مما يحدث في سوريا، باستثناء مواقف معلنة متفرقة هنا وهناك من دول أوروبية، بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لكن حتى الدول التي لم تعلّق على المتغيرات في سوريا شعرت بمتنفس يمكنها التعامل معه للتخلص من اللاجئين السوريين الذين يُنظر إليهم كعبء على سلطات بعض هذه الدول.

تعتقد الباحثة إيفا كولوريوتيس أن ملف اللاجئين في أوروبا أصبح ذا أولوية لدى العديد من الدول، التي بدأت قبل سقوط نظام الأسد ببناء علاقات معه لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا.

وبناء على المؤشرات المتوفرة على طاولة هذه الدول اليوم، لن يتخذ الغرب أي قرارات عدائية ضد الحكومة الحالية التي يديرها محمد البشير، رغم انتمائها إلى “هيئة تحرير الشام”، لكن الاعتراف بها يتطلب من هذه الحكومة إثبات التزام عملي بالقانون الدولي وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد واحترام حقوق الأقليات، وفق كولوريوتيس.

ولفتت الباحثة إلى وجود مخاوف غربية من سيطرة “تحرير الشام” على المشهد في سوريا، استنادًا إلى تاريخ هذه المجموعة، لكن هذه المخاوف قد تتبدد تدريجيًا بحسب سياساتها الداخلية والخارجية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن واشنطن والاتحاد الأوروبي كانا على علم بعمل حكومة “الإنقاذ” في إدلب، وكانت هناك اعتراضات على بعض السياسات التي تنتهجها هذه الحكومة فيما يتعلق بالحريات الدينية والسياسية، وفق الباحثة.

وتعتقد كولوريوتيس أنه لو تولت المعارضة السياسية السورية، مثل “الائتلاف” السوري، زمام المبادرة، لكان اعتراف الغرب بالجسم الحاكم في دمشق “أسرع وأكثر إيجابية من حيث الدعم السياسي والاقتصادي مما كانت ستتبناه هذه الأطراف مع حكومة محمد البشير في دمشق”.

ولم يجب الاتحاد الأوروبي عن أسئلة طرحتها عنب بلدي حول موقفه من الأحداث الجارية في سوريا مؤخرًا.

 

لو تولت المعارضة السياسية المعترف بها مثل (الائتلاف السوري المعارض) زمام المبادرة لكان الاعتراف بالحكومة المشكّلة حديثًا جاء بشكل أسرع، ولحصلت هذه الحكومة على دعم اقتصادي أسرع مما هو عليه الوضع الآن خلال التعامل مع حكومة محمد البشير في دمشق.

إيفا كولوريوتيس

خبيرة سياسية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط

 

تنسيق مسبق

حاولت الفصائل المسلحة تصوير عملها العسكري ضد النظام السوري، الذي تمكن من إسقاط الأخير في 11 يومًا، على أنه حراك وطني لم يلقَ دعمًا من الخارج، لكن بعض المراقبين يعتقدون أن هناك تنسيقًا مسبقًا بين “الهيئة” وأطراف دولية.

ويرى مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن ما جرى في سوريا بمعظمه كان بتوافق مع أمريكا، بينما وافقت بقية الدول الأوروبية على هذا السيناريو، ورجح أن أحمد الشرع أُعطي فرصة لإثبات حسن تصرفه، ووُضع أمامه شرطان رئيسان:

  • تحسين التعامل مع الأقليات والمكونات المختلفة في سوريا، وخاصة العلويين والمسيحيين.
  • فتح حوار مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وربط الباحث تحقيق الشرع لهذين الشرطين برفع اسمه عن “قوائم الإرهاب” ولوائح العقوبات، وبالتالي الاعتراف به وبحكومته.

العبد الله أضاف لعنب بلدي أنه، حتى لحظة إعداد هذا الملف، نجح الشرع في إدارة المعركة، والخطوات التي اتخذها حازت قبولًا، لذلك، من المرجح أن يُرفع اسمه واسم “تحرير الشام” عن “لوائح الإرهاب”، ويعترف به خاصة أنه بات أمرًا واقعًا في سوريا.

ولفت إلى أنه من المبكر الحكم على قدرة أحمد الشرع في تأسيس حكم موثوق وشامل، إذ إن الحكومة الحالية هي حكومة تسيير أعمال، وما تحتاج إليه سوريا حقًا هو حكومة انتقالية تضم الكفاءات، مع إعلان دستوري وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد، يتبعها إجراء انتخابات، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات هي السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا.

مقالات متعلقة

  1. المعارضة تنتخب وفدها إلى جنيف اليوم
  2. المجلس العسكري الانتقالي في السودان يحدد أهداف المرحلة المقبلة
  3. الشرع يعتزم حل أجهزة الأمن وإغلاق السجون
  4. مطالب في السودان لتسريع الانتقال إلى الحكم المدني

تحقيقات

المزيد من تحقيقات