عنب بلدي – هاني كرزي
عاشت الرياضة السورية في عهد الأسد عقودًا من الظلام، إذ كان النظام السوري المخلوع هو المتحكم الأول بالمنتخبات والأندية عبر الاتحاد الرياضي العام الذي كان متهمًا بوجود فساد ومحسوبيات وعجز في الإدارة، وعقب سقوط الأسد، تعالت الأصوات المطالبة باتخاذ خطوات جدّية لإعادة رياضة سوريا إلى السكة الصحيحة.
خلال حكم النظام السوري، تعرض الاتحاد الرياضي العام لاتهامات بفقدانه منظومة كرة القدم، وفشله في تحقيق نتائج إيجابية، واستخدامه الظروف الأمنية في سوريا حجة لتبرير فشله.
كما تعرض الدوري السوري لانتقادات واسعة تتعلق بتدني المستويات، وانتشار “الفساد والواسطة”، وعقب كل حادثة تظهر تعليقات من المشجعين وموجات سخرية، ومطالب بإغلاق الدوري، واحترام الجماهير المتابعة والمترقبة، ويشهد بشكل متكرر حالات شغب جماهيرية.
وعانت الأندية في سوريا ضائقة مالية، وقرر اتحاد الكرة عام 2022 تأجيل الدوري لجميع الدرجات والفئات العمرية (لكرة القدم، وكرة السلة) بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، ومن أجل تخفيف العبء عن الأندية الرياضية.
أول خطوة
عقب سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول الحالي، بدأ التفكير في الخطوات الملحّة والأولية التي يجب العمل عليها في سبيل النهوض بالرياضة المحلية.
وقال الخبير التحكيمي السوري فراس محمد الخطيب، إن الخطوة الأولى المطلوبة هي استمرارية عمل اتحاد الكرة المعترف به لدى “فيفا”، وعدم إيقاف النشاطات الرياضية لتجنب عقوبات إضافية، وبنفس الوقت يجب على الاتحاد السوري مراسلة الاتحاد الآسيوي والدولي لإعلامهم بأنهم مستمرون في العمل حتى انتهاء فترة تكليفهم أو التنحي بموافقة “فيفا”.
وأضاف الخطيب لعنب بلدي، أن المطلوب من الاتحاد الرياضي السوري أيضًا، تقييم الوضع المادي ومراسلة الاتحادين الآسيوي والدولي لصرف مبالغ من الأموال المجمدة للاستمرار في الاستحقاقات المقبلة.
وعقب سقوط الأسد، اعتمد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) رسميًا علم الثورة السورية كعلم بديل عن علم النظام السوري السابق.
وخلال البث المباشر لمراسم اجتماع الجمعية العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإعلان الفائزين بملف استضافة كأس العالم 2030 و2034، تظهر خلف رئيس “فيفا”، جياني إنفانتينو، أعلام الدول الأعضاء، ويظهر ضمنها علم الثورة السورية.
وقال الصحفي الرياضي أنس عمو لعنب بلدي، إن أولى الخطوات كانت قيام اتحاد كرة القدم السوري بالتواصل مع “فيفا” بشكل رسمي لاعتماد العلم الجديد، وبالفعل استجاب الاتحاد الدولي واستُخدم للمرة الأولى في كونجرس “فيفا”.
وأشار عمو إلى أنه يجري العمل حاليًا على إخطار “فيفا” بتغيير شعار المنتخب ليتماشى مع سوريا بعد الاستقلال، إضافة إلى مراسلة الشركة الراعية للألبسة لتغيير قميص المنتخب وشعاره.
وقام الاتحاد السوري لكرة القدم بتغيير شعار الاتحاد الذي كان يتضمن علم النظام المخلوع، واعتماد شعار جديد للاتحاد يتضمن علم الثورة السورية.
كما نشر الاتحاد السوري لكرة القدم صورة لاعبين يرتدون قميص المنتخب السوري باللون الأخضر، وكتب أسفل الصورة، “لباس منتخبنا الجديد. أول تغيير تاريخي سيحصل بتاريخ الرياضة السورية بعيدًا عن الواسطات والمحسوبيات والفساد”.
وأكد أنس عمو أنه يجب العمل حاليًا على مرحلة البناء وسنّ القوانين والأنظمة، والبدء بعملية انتخابات حقيقية ونزيهة لإدارات الأندية والاتحادات بعيدًا عن التسييس والواسطات، “حينها نكون قد انتهينا من المرحلة الأولى، ومن ثم ننتقل إلى النواحي الأخرى، كتطوير الجوانب الفنية للأندية والمنتخبات، وتحسين واقع المنشآت وتنظيم مختلف البطولات”.
بالإضافة إلى الخطوات السابقة، قال الصحفي الرياضي همام كدر لعنب بلدي، إن هناك خطوات أخرى يجب أيضًا العمل عليها حاليًا، وهي تنظيف المنشآت الرياضية من صور الأسد، وتجهيز الملاعب التي كانت ثكنات عسكرية أو معتقلات.
ما مصير الاتحاد الرياضي
عقب الانتهاء من الخطوات الأولية السابقة التي بدأ العمل عليها في سبيل النهوض بالرياضة السورية، فإن هناك خطوات أخرى لاحقة، لكنها لا تقل أهمية.
وقال أنس عمو إن تغيير الاتحاد الرياضي العام مطلب أساسي، لكن لا يمكن القيام بهذه المهمة حاليًا، لأن ذلك قد يتسبب في فرض عقوبات على الرياضة السورية من قبل “فيفا”، وحظر مشاركة المنتخبات والأندية في البطولات المختلفة.
وتابع عمو أن الحل يكون عبر الاجتماع بشكل ودي مع أعضاء الاتحاد لتقديم استقالاتهم بشكل طوعي، وفي حال الرفض يتم رفع الأمر إلى “فيفا” لفتح تحقيق حول جميع الانتهاكات الصارخة التي ارتكبها أعضاء ورؤساء هذا الاتحاد في عهد الأسد.
أُسس الاتحاد السوري لكرة القدم عام 1936، وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم في 1937، وإلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في 1969، ويعد من أقدم اتحادات كرة القدم في المنطقة.
لكن في عهد الأسد تحول الاتحاد الرياضي العام إلى ذراع بيد النظام لخدمة أجنداته، ففي بداية الثورة السورية، حوّل اتحاد الكرة ملعبي “العباسيين” و”الجلاء” في دمشق، وملعب “الحمدانية” في حلب، وملاعب درعا ودير الزور، إلى مراكز اعتقال أو مهابط للطائرات المروحية.
تحوّل “العباسيين” إلى ثكنة عسكرية في حزيران 2012، وأدخل عليه مئات العناصر وعشرات الدبابات والآليات العسكرية، وأظهر تسجيل مصوّر نُشر في شباط 2018، تحويل أرضية الملعب إلى “دشم” ومتاريس، وتخريب مدرجاته وأسواره.
تبرير الضعف والفوضى
الأخطاء الإدارية والضعف في الأداء والفوضى والخلافات في منظومة اتحاد كرة القدم لا يمكن إخفاؤها، إذ لطالما طفت على السطح عبر مواقع وصفحات غير رسمية، لتخرج بيانات وقرارات اتحاد كرة القدم بالقول إنها أخطاء إدارية ولوجستية.
ففي تصفيات كأس العالم 2022، رافقت بعثة المنتخب السوري في الإمارات مشكلات عديدة، مثل نسيان أربعة جوازات سفر للاعبين المحترفين في دمشق، الذي كاد أن يتسبب بحرمان بعض اللاعبين المغتربين من اللعب في الإمارات، لأن اللاعبين القادمين من أوروبا جاؤوا عبر جوازاتهم الأوروبية، في حين تتطلب مشاركتهم في المباريات جوازات سفرهم السورية.
ورد اتحاد كرة القدم حينها بأن مسؤولية جوازات السفر محصورة بالإداريين في المنتخب، وتعهد بمحاسبتهم عن هذا الخطأ الإداري، بعد أن أثارت هذه الأنباء جدلًا واسعًا واتهامات للاتحاد بأنه “آخر من يعلم بكرة القدم”.
كذلك كان يترأس الاتحاد الرياضي العام فراس معلا، وهو ابن هاشم معلا، أحد المتهمين بتنفيذ مجازر مدينة حماة في ثمانينيات القرن الـ20، كما عُرف فراس بتأييده لرئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، في كل مناسبة ممكنة.
وكان رئيس النظام السوري المخلوع استقبل السباح معلا عدة مرات، وكرّمه مرتين في عام 2002 و2007.
في أيلول 2018، صرح معلا بأنه يتشرف بتمثيل روسيا في بطولة أوروبا للسباحة لفئة “الماسترز”، التي أُقيمت في مدينة كران السلوفينية، وأحرز ميدالية ذهبية في بطولة أوروبا لمسافة خمسة كيلومترات لفئة “الماسترز”.
وكان شقيقه همام معلا ترأس الاتحاد العربي لـ”الترياثلون” حتى عام 2012، عندما استقال “احتجاجًا على التآمر العربي على سوريا”، بحسب ما ذكرته إذاعة “شام إف إم” المحلية، في 30 من كانون الثاني 2012، عدا عن امتداحه لـ”الجيش السوري” عدة مرات في وسائل إعلام مختلفة.
ولم تقتصر استثمارات آل معلا على الشركات الرياضية، إذ ذكر موقع “تلسكوب سوريا” المحلي، التابع لعلي منير الأسد، في عام 2011، أن آل معلا حصلوا على أرض بمساحة 60 مترًا من قبل محافظة دمشق، قبل أن يضيفوا إليها 1500 متر أخرى بشكل مخالف في منطقة المزة بدمشق، ليفتتحوا عدة أندية رياضية، في المنطقة ذاتها وفي منطقة المزرعة، بالإضافة إلى “أكاديمية الأشقاء معلا” للسباحة في منطقة مزة فيلات شرقية.
مطالب بإنشاء وزارة رياضة
أصدرت أندية كرة القدم في سوريا بيانًا مشتركًا في صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب فيه بإنشاء وزارة للرياضة.
وجاء في البيان، في 9 من كانون الأول الحالي، “نحن جميع الأندية الرياضية في سوريا الحرة، نطالب بإنشاء وزارة للرياضة تحمي الرياضيين والمنشآت الرياضية وتكفل حرية الإعلام الرياضي“.
وأضاف البيان، “تعمل هذه الوزارة على مساعدة الأندية، للاستفادة من استثماراتها، وتؤمّن لها موارد ثابتة تساعدها في النهوض بجميع الألعاب التي تمارسها أسوة بجميع الدول المتقدمة رياضيًا”.
وقال أنس عمو إن الاتحاد الرياضي العام مرتبط بحزب “البعث”، وبالتالي فإن وجوده غير مقبول، خاصة أن كل الاتحادات الرياضية تتبع للاتحاد الرياضي العام، لذا يجب استبدال هذه المؤسسة بمؤسسة أخرى تحت مسمى مديرية الرياضة والشباب، التي تمنح الاستقلالية للاتحادات، وبعد استقرار الوضع في سوريا يمكن تحويل هذه المديرية إلى وزارة رياضة.
من جهته، قال اللاعب السوري السابق ياسر السباعي، إنه يعمل مع زملائه اللاعبين على تشكيل رابطة لاعبين كرة القدم القدامى المغتربين.
وأضاف السباعي عبر حسابه في “فيس بوك”، “نضع أنفسنا بخدمة إعمار رياضة البلد وخاصة كرة القدم التي هي تخصّصنا بأي استشارة أو مهمة تخدم مصلحة البلد الحالية والمستقبلية، دون التطلّع إلى أي منصب داخلي أو خارجي فني أو إداري، وبما يتناسب لأي لاعب حسب خبرته ووضعه ومكانه في المغترب”.
ولفت السباعي إلى أن لاعب المنتخب السوري سابقًا جهاد الحسين سيكون في سوريا خلال الأسابيع المقبلة، ليعمل كممثل لهذه الرابطة.
بدوره، قال همام كدر لعنب بلدي، إنه يجب تخصيص ميزانية للرياضة “بعد تحسين الظروف المعيشية لشعبنا”، ومحاسبة جميع الفاسدين في مجال الرياضة خلال عهد الأسد، عن طريق القضاء.
وطالب همام باستقدام الخبرات الرياضية التي عملت بالخارج للاستفادة من تجربتها والعمل مع عدد من الكوادر الموجودة، “ليكون لدينا منتخب قوي معاصر، يستفيد من التقدم المأمول في سوريا الجديدة، وتقديم منتخب لا يبجّل أي شخص ولا يهتف بروحه، ويتفاعل مع قضايا أمته بالأخص الإنسانية منها، أي أن يتضامن مع شعبه، لا مع القائد مثلما حدث طوال حكم النظام البائد”.