خطيب بدلة
الحكاية الأولى: في أوائل سنة 2003، عندما بدأت قوات التحالف الذي تقوده أمريكا، تضيق الحصار على العاصمة العراقية، بغداد، ذهب المواطن العراقي، أبو مطشر، إلى السوق، واشترى خروفًا، وضعه في الزريبة، وهمس لأم مطشر، بأنه سيذبح هذا الخروف، ويوزع لحمه على الفقراء، إذا سقط نظام صدام.
ومرت الأيام، وقبض الأمريكان على صدام، وأحالوه إلى المحكمة، ثم أعدموه، واستحكمت المرجعيات الشيعية الموالية لإيران بالعراق، ثم ظهر تنظيم “داعش”، وانطلقت حرب أهلية طاحنة، ذاق العراقيون خلالها الويلات، فما كان من “أبو مطشر” إلا أن ذهب إلى بازار الغنم، واشترى كبشين أقرنين، ونذر لحمهما للفقراء إذا مَنّ الله على العراق بالخلاص من أصحاب اللحى المتناحرين.
جرى تداول هذه الحكاية بعد السقوط المذل لنظام الأسد الدكتاتوري القذر، في 8 من كانون الأول الحالي، مع رسالة مبطنة، تقول: صحيح أن النظام الحقير سقط، ولكن الذين أتوا بعده ليسوا بأحسن منه، وسوف يأتي يوم تَذبحون فيه كبشين أقرنين، للخلاص منهم.
أنا، محسوبكم، لا يساورني شك بأن نظام الأسد هو الأسوأ في العالم، وأن الشعب السوري، بعدما تحرر منه، قد يتخبط، وينتكس، ويقع في أزمات ومشكلات، لكنه قادر على الخروج منها، والقول بأن الذين جاؤوا بعد معمر القذافي، وصدام حسين، وعلى عبد الله صالح، وبشار الأسد، كلهم سيئون، يدل على أننا، أبناء هذه البلاد التعيسة، نقرأ التاريخ والسياسة بالمقلوب، وأننا معتادون العيش في الماضي، لذلك ترانا مضطرين، دائمًا، لأن نقارن بين السيئ والأسوأ، والحقير والأحقر، والحاضر بما كان في العصور السحيقة، أو بمن سيأتي بعده حتى ولو كنا لا نعرفه.
الحكاية الثانية، بطلها مواطن سوري قروي، يقال إنه ذهب إلى شيخ القرية، وشكا له من سوء الأحوال، فهو يعيش مع زوجته، وسبعة أولاد، في غرفة واحدة، فسأله إن كان لديه عنزة، قال: بلى. قال أدخلها إلى الغرفة، وارجع إلي بعد أسبوع، ثم طلب منه أن يُدخل البقرة إلى الغرفة، حتى صار الوضع لا يطاق، ووقتها طلب منه أن يُخرج البقرة، ثم يخرج العنزة، وسأله: كيف صرت؟ قال: رائع. قال له: كان وضعك رائعًا قبل أن تأتي إلي.
يريد أصحاب هذه الحكاية أن يقولوا لنا، إن حالنا كان رائعًا قبل الثورة، وأننا عدنا إلى وضعنا “الرائع” بعد إسقاط نظام الأسد. وهذا، بلا شك، نوع من السفسطة، والضحك على اللحى، فنحن اليوم بأمس الحاجة لأن نعترف بأن سوريا اليوم متعبة، مرهقة، مدمرة، مقسمة، شعبها متناحر، بدأت تنتشر فيها المظاهر المسلحة، وجماعات أقل ما يقال فيها إنها متطرفة، تمارس الانتقام، وهي لا تمتلك أي فكرة عن بناء الدول، وحماية الناس، ونشر الأمان والمحبة.
كان على الرجل الفقير ذي العيال، في الحكاية المفترضة، أن يبحث عن حل لمشكلته لدى مؤسسات الدولة، وليس لدى رجل الدين، وكان على رجل الدين، مع ذلك، أن يهتم بمشكلة الرجل، ويحاول أن يساعده على إيجاد حل، بدلًا من أن يدخله في تجارب خنفشارية، سفسطائية!