حزن شديد وخيبة أمل.. متلازمة القلب المنكسر
د. أكرم خولاني
مع سقوط نظام الأسد في سوريا وفتح المعتقلات والسجون، تبين أن هناك عشرات الألوف من المعتقلين قد تم إعدامهم أو قتلهم تحت التعذيب، وكذلك تم تصوير السجون ورأى الناس بأم أعينهم الأوضاع المزرية التي كان يعيش فيها المعتقلون لسنوات.
كل ذلك تسبب بصدمة لأهالي هؤلاء المعتقلين الذين كانوا يتحرقون لرؤيتهم، وأصيبوا بخيبة الألم والحزن الشديد، وأصيب الكثيرون منهم بما يعرف بـ”متلازمة القلب المنكسر”، وعندما يقول البعض “قلبي مكسور”، فهذا ليس مجرد تعبير مجازي عن شدة الحزن على فراق حبيب، بل قد يكون توصيفًا حقيقيًا لما يشعرون به جراء الإجهاد العاطفي أو المرور بمواقف عصيبة.
ما المقصود بمتلازمة القلب المنكسر
متلازمة القلب المنكسر، أو اعتلال عضلة القلب الإجهادي، حالة مَرَضية للقلب تحدث غالبًا بسبب التعرض لمواقف مثيرة للتوتر ومشاعر شديدة الوطأة، مما يتسبب بالإجهاد الشديد وعدم قدرة عضلة القلب على الانقباض بشكل طبيعي، فيشعر المصاب بألم مفاجئ في الصدر مع ضيق نفس وكأنه على وشك الإصابة بنوبة قلبية، وعند الكشف على المصاب يتبين أن القلب بحالة طبيعية، والضعف في عضلة القلب مع وجوده، إلا أنه لا يستمر طويلًا، ويمكن أن يستعيد المريض صحته كاملة بعد أسابيع قليلة.
تم وصف هذه الحالة لأول مرة في اليابان تحت اسم اعتلال عضلة القلب (تاكوتسوبو /Takotsubo)، قد يبدو هذا الاسم غريبًا، لكنه ياباني يستخدم لوصف الوعاء الدائري ذي القاع الذي يكون ضيقًا من العنق، ويستخدمه اليابانيون لصيد الأخطبوطات وصنع فخ للإيقاع بها، ولأن شكل هذا الوعاء يشبه بدرجة كبيرة مظهر البطين الأيسر لقلب المصاب بالمتلازمة، لذلك سميت بهذا الاسم.
تعد النساء أكثر الفئات تعرضًا لهذا النوع من الأمراض، خاصة ممن هن في منتصف العمر، وذلك نظرًا إلى شدة تعلقهن عاطفيًا، واهتمامهن بالحب والإخلاص، وحاجتهن الدائمة للاهتمام مع قلة تجاربهن، ويأتي الأطفال وكبار السن في المرتبة الثانية نظرًا إلى شدة احتياجهم للرعاية والاهتمام، فيكون فقدان الأحبة، أو عدم وجود المخلصين من حولهم، سببًا في الإصابة بهذه المتلازمة.
ما أسباب الإصابة بالمتلازمة
لا يُعرف بشكل واضح السبب الدقيق للإصابة بمتلازمة القلب المنكسر، فيُعتقد أن زيادة هرمونات التوتر، مثل الأدرينالين، قد تلحق ضررًا بعضلة القلب لفترة قصيرة لدى بعض الأشخاص، ولا تتضح بدقة طبيعة الضرر التي قد تسببه هذه الهرمونات للقلب أو ما إذا كان هناك شيء آخر يسبب ذلك، ومن الوارد أن يكون للانضغاط المؤقت في شرايين القلب الكبيرة أو الصغيرة دور في الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر، وقد يكون هناك تغيُّر في بنية عضلة القلب لدى المصابين.
ويتلازم حدوث هذه المتلازمة مع تعرض المصاب بها للإجهاد الشديد العاطفي أو البدني أحيانًا، فقد تحدث عند التعرض لحالة نفسية وعصبية شديدة، مثل إبلاغه بموت عزيز لديه، أو اكتشافه خيانة شخص ما له أو تعرضه لخسارة كبيرة، وأيضًا تشمل الحالة النفسية تعرضه لمعاملة قاسية من قبل الآخرين بصفة مستمرة، والتعرض للسخرية من الآخرين، أو الانتقاص الدائم من القدر والمنزلة، ما يشكل ضغطًا نفسيًا يمكن أن يولد العديد من المشكلات النفسية والصحية، ومن بينها الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر.
كذلك قد تحدث المتلازمة عند التعرض لإجهاد بدني كالإصابة بمرض مفاجئ مثل نوبات الربو أو “كوفيد-19″، أو الخضوع لعملية جراحية كبيرة، أو التعرض لكسر مفاجئ في العظام.
وفي حالات نادرة، قد تنتج الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر عن استخدام أدوية معينة أو عقاقير غير مشروعة، ومنها:
أدوية الحالات الطارئة المستخدمة في علاج التفاعلات التحسسية الشديدة أو نوبات الربو الحادة، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج القلق، والأدوية المستخدمة لعلاج احتقان الأنف، والعقاقير المنبهة غير المشروعة مثل الميثامفيتامين والكوكايين.
ما أعراض الإصابة
تبدأ الأعراض بعد تعرض المصاب لصدمة عصبية أو عاطفية، وهي تشبه أعراض النوبة القلبية، إذ تكون في هيئة شعور بآلام في الصدر وضيق شديد وصعوبة بالتنفس، وربما وجد الشخص نفسه يضع يده على صدره وكأن نوبة قلبية سوف تصيبه، ويزداد الألم كلما هيأ المصاب نفسه للضعف، وربما أصابه إحساس بالدوار في بعض الأحيان وربما أصيب بالإغماء.
كيف يتم التشخيص
يجب الحرص على التعامل الجاد مع أي حالة يعاني فيها الشخص من أعراض متلازمة القلب المنكسر، حيث يمكن الاطمئنان عند الكشف الصحيح والدقيق من قبل الأطباء المتخصصين، كما يمكن أن تؤدي بعض حالات القلب المنكسر إلى اكتشاف مشكلات بالقلب فعلًا، وتكون متلازمة القلب المنكسر سببًا في اكتشاف هذا المرض.
ويجب أن يقوم الطبيب فورًا بتقييم الحالة من خلال معرفة التاريخ المرضي للمصاب ومعرفة الأحوال النفسية التي سبقت الإصابة، ويتبع ذلك الفحص البدني، لمعرفة ما إذا كانت الإصابة نوبة قلبية أم متلازمة القلب المنكسر، لأن مرضى المتلازمة في الغالب ربما لم يتعرضوا لمشكلات في القلب من قبل.
كذلك يلجأ الطبيب إلى إجراء عدد من الفحوص للمريض، مثل:
مخطط كهربائية القلب (ECG): يحدد مدى انتظام ضربات القلب أو تذبذبها، وهنا تتحدد الإشارة إلى وجود مشكلة في القلب، أو أن الأمر حالة طارئة.
اختبارات الدم: يستطيع من خلال اختبارات الدم معرفة أي زيادة أو ارتفاع في إنزيمات الدم القلبية، وهي مؤشر على وجود أي مشكلة في عضلة القلب، أو تأكيد الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر.
مخطط صدى القلب (إيكو القلب): يَستخدم هذا الاختبار موجات صوتية لتكوين صور للقلب في أثناء نبضه، ويُظهر كيفية تدفق الدم عبر القلب وصماماته، ويمكنه الكشف عما إذا كان القلب قد تضخم أو اتخذ شكلًا غير طبيعي، وقد تكون هذه التغيرات نتيجة للإصابة بمتلازمة القلب المنكسر.
تصوير الأوعية التاجية (القثطرة القلبية): يُستخدَم هذا الاختبار للكشف عن وجود انسدادات في شرايين القلب، لاستبعاد الإصابة بنوبة قلبية، فالمصابون بمتلازمة القلب المنكسر لا تكون لديهم أي انسدادات في الأوعية الدموية.
كيف يتم العلاج
تتم معالجة القلب المنكسر بالصورة نفسها التي يتم التعامل بها مع مرضى القلب، فيبقى المريض تحت المراقبة مع إعطائه الأدوية المناسبة للحالة، والبقاء في المستشفى حتى تخطي الأزمة وتراجع الأعراض.
وقد يصف الطبيب بعد ذلك مجموعة من الأدوية التي تعمل على تقليل الضغط على القلب بالصورة المناسبة، إذا اتضح أن متلازمة القلب المنكسر هي سبب الأعراض، ويمكن أيضًا أن تساعد الأدوية على الوقاية من الإصابة بنوبات متلازمة القلب المنكسر، وتشمل هذه الأدوية: مثبطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين، حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين 2، حاصرات مستقبلات بيتا، مُدرات البول، والأدوية المميعة للدم.
يبقى المريض في مرحلة العلاج فترة من الزمن ربما لا تتعدى الشهرين، ثم يتعافى بعدها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :