في سجون بالعاصمة الجزائرية، يواجه سوريون تهمًا تتعلق بدخول الأراضي الجزائرية والإقامة فيها بطريقة غير قانونية خلال محاولتهم اللجوء إلى أوروبا.
وذكر تقرير صادر عن منظمة “شعاع لحقوق الإنسان” الجزائرية، في 12 من كانون الأول الحالي، أن العديد من الشكاوى وردت من عشرات العائلات السورية بخصوص احتجاز أبنائهم وأقاربهم في سجون الجزائر، بسبب سعيهم للهجرة إلى أوروبا.
ويعاني معظم المحتجزين من ظروف إنسانية قاسية في سجني “مسرغين” و”قديل” بولاية وهران الجزائرية.
ووفق شهادات من أهالي بعض المحتجزين لعنب بلدي، استغل مهربون المهاجرين السوريين الراغبين في الوصول إلى أوروبا، حيث تم نقلهم عبر رحلات غير قانونية بدأت من سوريا مرورًا بليبيا، وانتهت بتسليمهم إلى السلطات الجزائرية.
قال محمد خلف، شقيق أحد المحتجزين لعنب بلدي، إن السلطات الجزائرية تحتجز عشرات السوريين، بينهم 22 قاصرًا و15 امرأة، كانوا تعرضوا لاستغلال من قبل مهربين في رحلة غير شرعية عبر الحدود الجزائرية.
وأوضح محمد أن شقيقه لا يزال محتجزًا منذ أكثر من ستة أشهر دون محاكمة، مضيفًا أن السجناء يعيشون في ظروف صعبة، و تفتقر السجون إلى أدنى مقومات الحياة، مع تعذر وصول المساعدات الإنسانية أو حتى الملابس الشتوية إليهم.
ووفق تقرير المنظمة، فإنه بعد سقوط رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، في سوريا، تلقت “شعاع” اتصالات عديدة من عائلات المحتجزين السوريين متسائلة عن مصير أبنائها.
وأضاف التقرير أن أغلب المهاجرين السوريين الموجودين في السجون الجزائرية في سجني “مسرغين” و”قديل” بولاية وهران، متهمون بـ”جنحة الدخول إلى التراب الوطني والإقامة فيه بطريقة غير شرعية”، بالإضافة إلى “جنحة محاولة مغادرة الإقليم الوطني بطريقة غير شرعية وعدم الإبلاغ عن جريمة تهريب المهاجرين”.
و أكد أهالي محتجزين لعنب بلدي أن المحاكمة “لم تبدأ بعد، وأن السجناء لم يحصلوا على محاكمات عادلة حتى الآن”.
عائلات المحتجزين التي نظمت نفسها عبر مجموعات تواصل على تطبيق “واتساب”، ناشدت المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية التدخل لإطلاق سراح أبنائها أو ترحيلهم بشكل آمن إلى سوريا.
“انتهاك صارخ”
على الرغم من توقيع الجزائر على اتفاقية “اللاجئين” لعام 1951، فإنها لم تطبق إطارًا قانونيًا يعترف بحق اللجوء، وفق تقرير منظمة العفو الدولية.
وأشار التقرير إلى استمرار عمليات الترحيل القسري للمهاجرين السوريين إلى مناطق صحراوية على الحدود مع النيجر، مما يعرّض حياتهم لمخاطر كبيرة.
وبحسب منظمة العفو الدولية، يحظر الدستور الجزائري الإعادة القسرية للاجئين السياسيين وفق المادة “69”، ولكن لا يذكر الحق في طلب اللجوء، ولا يعترف باحتياجات الذين هربوا من الاضطهاد وغيره من أشكال العنف، وفقًا للاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين (عام 1951).
وعلى الرغم من أن الجزائر طرف في اتفاقية اللاجئين، حرمت المهاجرين السوريين من الحصول على اللجوء والمساعدة الإنسانية، ولم تعتمد أي إطار قانوني يعترف بعملية طلب اللجوء أو وضع اللاجئين، وفق منظمة “شعاع”.
كما تعد الجزائر طرفًا في اتفاقية “مناهضة التعذيب”.
وقالت المنظمة إن السلطات الجزائرية قامت بإبعاد المهاجرين السوريين قسرًا إلى الحدود الخطرة بين الجزائر والنيجر وليبيا، حيث واجهوا الكثير من المخاطر التي أودت بحياة بعضهم.
مدير منظمة “شعاع لحقوق الإنسان”، رشيد عوين، وصف هذه السياسات بأنها “انتهاك صارخ” للاتفاقيات الدولية، ودعا السلطات الجزائرية إلى الالتزام بتعهداتها الدولية، مشيرًا إلى وجود فجوة قانونية كبيرة بين القوانين الجزائرية والمعايير العالمية المتعلقة بحقوق المهاجرين واللاجئين.
وقال لعنب بلدي، إن المنظمات الحكومية من شأنها أن تضغط على المنظمات الحكومية في التزاماتها الدولية في قوانين اللاجئين (1951) واتفاقية “مناهضة التعذيب”.
انتهاكات مستمرة
سبق أن رحّلت السلطات الجزائرية العشرات من طالبي اللجوء السوريين إلى مناطق صحراوية نائية لا تتوفر فيها مقومات الحياة.
وأصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية تقريرًا، في عام 2022، ذكرت فيه أن السلطات الجزائرية رحّلت طالبي لجوء إلى منطقة صحراوية محاذية لحدود النيجر، في إجراء تمارسه مع المهاجرين وطالبي اللجوء الواصلين إلى أراضيها بغية التوجه إلى القارة الأوروبية.
ورافق عمليات الترحيل وإجراءات الاعتقال التي سبقتها، “ارتكاب الشرطة الجزائرية تجاوزات بحق طالبي اللجوء، تمثّلت في سلبهم معظم مقتنياتهم الشخصية ذات القيمة، ومعاملتهم بقسوة خلال الترحيل وسط غياب الإجراءات الواجبة للاعتراض على الترحيل”، وفق المنظمة.
وكانت الحكومة الجزائرية حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، ودعمته منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011.