فرحة منقوصة
مهجرون يعودون إلى بيوت مدمرة محاطة بالألغام
إدلب – سماح علوش
أيام قليلة كانت الحد الفاصل بين النزوح القسري وحلم العودة للديار، الذي لطالما راود كل سوري هُجر قسرًا من مدينته أو قريته بعد سيطرة النظام السوري عليها.
الحلم صار واقعًا بعد معركة قلبت الموازين وأعادت الحياة والأمل لقلوب المهجّرين، وهذا ما عاشه الخمسيني خالد، عقب إعلان فصائل المعارضة السورية استعادتها السيطرة على قرى وبلدات في ريف إدلب.
في 27 من تشرين الثاني الماضي، أطلقت فصائل المعارضة في الشمال السوري معركة “ردع العدوان”، ضد قوات النظام وحلفائها، واستعادت مناطق واسعة حتى العاصمة دمشق، في 8 من كانون الأول، وهروب بشار الأسد إلى موسكو.
فرحة لم تكتمل
سرعان ما توالت أخبار تحرير الأراضي من سيطرة قوات النظام، حتى هرع خالد متجهًا إلى بلدته معر شمشة بريف المعرة، ليقبّل ثراها ويروي تعطشه لرؤية منزله الذي بناه بيديه.
الفرحة تلاشت فور وصوله إليها، لأنه صدم بحجم الدمار الذي خلّفته قوات النظام منذ ما يقارب خمسة أعوام، فلم يعد هناك سقف ولا جدران ولا أثاث، وكأنه منزل “أشباح لا روح فيه”، مع ركام متناثر هنا وهناك.
هذه الغصة عاشتها السيدة مروة، بعد ساعات قضتها “على أعصابها”، كما تروي، وذلك قبيل سيطرة الفصائل على منطقة السفيرة بريف حلب، إذ توجهت برفقة عائلتها لتستعيد ذكرياتها وأيامها التي قضتها في كنف منزلها.
وعند دخولهم المدينة، اعتصر الحزن قلوبهم لما حلّ بالبيت، فشجرة الجوز الكبيرة التي كانوا يجلسون تحت ظلالها داخل فناء البيت قُطعت من جذورها، وأبواب الغرف الخشبية استُبدلت بأبواب حديدية، فقد حولت قوات النظام المنزل إلى مدرسة، نظرًا إلى موقعه ومساحته الكبيرة.
أما الستيني محمد فطغت عليه مشاعر الحزن، لأن قوات النظام اقتلعت جميع أشجار الزيتون في أرضه، وحوّلت التربة إلى سواتر لمرابض المدفعيات، في وادي الضيف جنوبي إدلب، قائلًا، “راح شقا العمر، يا ليتهم دمروا المنزل، ولا اقتلعوا شجرة، فأعمارها من عمري”.
سنوات من التهجير والحرب تركت قوات النظام خلفها مدنًا وبلدات سورية خاوية على عروشها، إذ لم يسلم الشجر والحجر، وبقيت المنازل المدمّرة بلا أسطح وجدران ونوافذ وأبواب شاهدة عليهم.
ألغام تحصد الأرواح
تركت قوات النظام السوري وحلفاؤها حقولًا من الألغام بعد خروجها من مناطق الشمال السوري، حيث زرعت الألغام في منازل وأراضٍ وثكنات عسكرية، لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والعسكريين.
خلال السنوات الماضية، اعتادت قوات النظام زرع الألغام كنوع من الانتقام، وتركتها مخفية بين الركام أو خلف الأبواب، وسط تحذيرات من مراصد عسكرية ومنظمات بضرورة الانتباه.
“إدارة العمليات العسكرية” لمعركة “ردع العدوان” أصدرت تعميمًا، في 28 من تشرين الثاني الماضي، قالت فيه إن المناطق المحررة حديثًا تُعتبر منطقة عسكرية مغلقة حتى إشعار آخر، وذلك لضمان إزالة الألغام والمخلفات العسكرية.
ودعت الجميع إلى الامتناع عن دخول تلك المناطق، حرصًا على سلامة الأهالي، ريثما يتم تأمين عودة آمنة لهم، لكن الكثير عاد مدفوعًا بشوقه وعواطفه إلى رؤية منزله.
وقال “الدفاع المدني السوري”، إن مئات القرى والبلدات لا تزال تنتشر فيها الألغام والذخائر غير المنفجرة التي خلّفتها قوات النظام.
وذكر أن فرقه تعمل على مسح المناطق الملوثة، وإزالة خطر هذه الألغام ومخلفات الحرب لضمان سلامة الأهالي.
وفي 9 من كانون الأول، وثق “الدفاع المدني” مقتل مدنيين اثنين وإصابة آخر بانفجار لغم أرضي بسيارة كانوا فيها في بلدة فورو بريف حماة، وذكر أن فرقه انتشلت الجثمانين من المكان إلى مستشفى “جسر الشغور”، فيما تم نقل الإصابة من قبل المدنيين.
ووصف “الدفاع المدني” الألغام الأرضية والقنابل العنقودية من مخلفات القصف السابق، بأنها “إرث قاتل من نظام بشار الأسد وقواته المجرمة، والذي يهدد حياة السوريين جميعًا”.
يعد النازحون من الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الألغام في سوريا، وتعتبر الألغام من أشد مخلفات الحرب خطورة، كما وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 3471 مدنيًا بينهم 919 طفلًا بسبب الألغام المضادة للأفراد في سوريا، منذ عام 2011 حتى نيسان 2024.
ووجّه فريق “منسقو الاستجابة” العامل في الشمال السوري دعوة لجميع المنظمات الإنسانية بالعمل على تسريع عمليات الاستجابة الإنسانية للنازحين، ريثما تستطيع تلك العائلات العودة إلى مناطقهم.
وحث الفريق المنظمات الإنسانية على البدء بتوحيد الجهود ووضع الخطط اللازمة للدخول إلى المناطق الجديدة، بغية الاستجابة الإنسانية للمقيمين أو الوافدين الجدد إلى تلك المناطق.
قبل وصول الفصائل إلى العاصمة دمشق، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، إن أكثر من 280 ألف شخص نزحوا شمال غربي سوريا في غضون أيام، محذرًا من وصول العدد إلى 1.5 مليون شخص في حال استمر التصعيد.
وذكر أن هذا النزوح تسبب بـ”أزمة فوق أخرى”، وفق تقرير له في 6 من كانون الأول، واصفًا الوضع في سوريا بأنه وصل إلى “نقطة الانهيار” في الوقت الحالي، فبعد 13 أو 14 عامًا من الصراع، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين سوري من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ولا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء الكافي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :