قدّمت وسائل الإعلام السورية، الرسمية والقريبة من النظام المخلوع، تعاطيًا متفاوتًا مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول، بعد 13 عامًا على الثورة السورية التي انطلقت في 2011، ورفعت شعار إسقاط حكم الأسد.
ودخلت هذه الوسائل، بالإضافة إلى شبكات وصفحات عبر وسائل التواصل لإعلاميين مقربين من النظام المخلوع، في حالة من التخبط والنقل المتسرع للأخبار دون التحقق من مصداقيتها، لتقع بعضها في فخ ترويج الإشاعات، لعدم وجود خبرة كافية في مصادر المعلومات والأخبار لدى “إدارة العمليات العسكرية” والهيئات المدنية السورية المعارضة لنظام الأسد المخلوع.
ورغم أهمية الحدث، فإن وسائل الإعلام المهنية والمعارضة، تابعت تغطياتها بسلاسة، في حين وجدت وسائل الإعلام المحلية نفسها مضطرة لابتكار سياسة تحريرية وإعلامية جديدة لمواكبة التطورات.
تغطية ناقصة
عنب بلدي راقبت التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام المحلية خلال الأسبوع الأول من سقوط نظام الأسد، ورصدت الخلاصات التالية:
- الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، أوقفت تغطيتها الإخبارية مساء 7 من كانون الأول، قبل ساعات من سقوط النظام، فجر الأحد، وعادت إلى التغطية الإخبارية في 9 من الشهر نفسه، وهو ما فعلته أيضًا “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون” على نطاق محدود حتى 13 من كانون الأول، حين غابت التغطيات بأشكالها.
- نشرت قناة “سما” الفضائية، علم الثورة السورية بعد هروب بشار الأسد من سوريا، وغيّرت ألوانها إلى اللون الأخضر، وغابت عن المشهد الإعلامي منذ ذلك الحين.
- نشرت إذاعة “شام إف إم” المحلية مجموعة أخبار في 8 من كانون الأول، قبل أن تعلن في اليوم التالي، توقف برامجها وتغطيتها الإخبارية مؤقتًا ريثما تصبح الحالة مستقرة وآمنة وتسمح بنقل الأخبار واليوميات بأكبر قدر من المصداقية والشفافية للأهالي في عموم البلاد وخارجها، كما تحدثت عن الاكتفاء حاليًا ببث أغنيات فيروز ومسرحيات الرحابنة، وفق بيان لها.
- في 13 من كانون الأول، أعلنت “شام إف إم” العودة للتغطية التدريجية اعتبارًا من السبت، 15 من كانون الأول، لكنها اعتذرت فيما بعد عن العودة، “التزامًا بقرار وزارة الإعلام”، وفق بيان مقتضب لها، لتعود للعمل والتغطية الطبيعية منذ أمس الأحد.
- في 8 من كانون الأول، وبعد صدرو عددها المطبوع، قالت صحيفة “الوطن” المحلية، إن الإعلام السوري والإعلاميين لا ذنب لهم، وإنهم كانوا مع الصحيفة ينشرون الأخبار التي “يرسلونها إليهم” (في إشارة إلى النظام المخلوع)، وتابعت التغطية مع توقف صدور عددها المطبوع.
- إذاعة “نينار إف إم” المحلية، توقف منشوراتها عند 8 من كانون الأول، بالإعلان أن سوريا “تبصر فجرًا جديدًا ومرحلة جديدة لكل السوريين دون استثناء”، واعترفت الإذاعة أنها كانت تعمل وفق أجندة موجهة، وحسب سياسة مالكي المؤسسات الإعلامية.
- قناة “الإخبارية السورية” انتقلت منذ إعلان سقوط النظام إلى تغطية الأخبار وفق المرحلة الجديدة، فرفعت علم الثورة السورية، وتحررت من خطابها القديم، وقدمت تغطية محدودة على وسائل التواصل حتى 10 من كانون الأول، ثم توقفت في 12 من كانون الأول.
- “إذاعة الجمهورية العربية السورية”، وصحيفتي “الثورة” و”تشرين” الحكوميتين، خارج المشهد منذ 12 من كانون الأول، في حين توقفت تغطية “جريدة البعث” في 7 من كانون الأول الحالي.
- تابعت إذاعة “المدينة إف إم” نقلها وتغطيتها الإخبارية دون توقف، وبما ينسجم مع التطورات السياسية في سوريا.
- لا تغطية تلفزيونية في سوريا، ولا نشرات أخبار محلية تقدمها الشاشات، إذ يقتصر بث التلفزيون السوري حاليًا على نفل البيانات، وإذاعة الأغاني الوطنية.
عودة للماضي
الدكتور في كلية الإعلام بجامعة دمشق عربي المصري أوضح، لعنب بلدي، أن هناك حالة شبه غياب للإعلام المحلي، باستثناء الإلكتروني، منذ إسقاط نظام الأسد، فهناك حالة جمود بسبب التغيير، والصحافة الورقية ملغاة بحجة “كورونا”، رغم أن السبب الحقيقي اقتصادي، لتوفير تكاليف الطباعة والورق والنفقات.
وبحسب المصري، فإن ترخيص الكثير من وسائل الإعلام المحلية (الإذاعية تحديدًا) لا يخولها نقل وبث الأخبار، ويمكنها تغطية القضايا الخدمية والفنية فقط، لكن النظام كان يتغاضى طالما أنها تغطي بموجب رؤيته، ما يجعل أي وسيلة إعلام ترغب بالعودة لبث الأخبار مضطرة للحصول على ترخيص خاص للبث الإخباري.
“الإعلام المحلي فقير جدًا باستثناء ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، وهذا بجزء كبير منه ليس ممارسة مهنية وليس ممارسة صحفية”، أضاف المصري.
ولا يشجع الدكتور عربي المصري إغلاق أي وسيلة إعلام في سوريا، مشيرًا إلى احتمالية العودة إلى عصر ازدهار الصحافة ما قبل نظام حافظ الأسد، لكن مع ضوابط مهنية ورقابية تحكم العمل وتحافظ على الحقيقة، كون الحقيقة أولى ضحايا الحروب.
مراجعة آليات.. وعود محاسبة
في 15 من كانون الأول، قالت وزارة الإعلام في حكومة تسيير الأعمال السورية إنها تعمل على مراجعة آليات نشر المعلومات في الوسائل الإعلامية التي كانت تعتبر رسمية.
ووفق تصريح من العلاقات الصحفية في الوزارة، لعنب بلدي، فإن الوزارة أجرت جلسة مع القائمين على بعض هذه الوسائل، وتم التوجيه نحو سياسات واضحة وإدارة المحتوى الإعلامي، بحيث تعكس هذه المؤسسات مصالح الشعب السوري ككل.
ولا يزال التواصل قائمًا مع بقية الوسائل لنفس الهدف، كما بدأت الوزارة استلام الصفحات الرسمية تباعًا، إذ استلمت بعضها، ومستمرة في الوصول إلى بعضها الآخر.
أما بخصوص الكوادر الإعلامية، فوُجهت لهم دعوات للعودة إلى أماكن عملهم، وتستمر الترتيبات معهم من قبل فرق مختصة من الوزارة بهذا الخصوص.
وبالنسبة للصفحات والمنصات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، فسيعاد النظر في هيكليتها، لتحويلها إلى منصات تخدم المصلحة العامة بدلًا من كونها أدوات ترويجية للحكومات، وفق تصريح الوزارة لعنب بلدي.
وفي 13 من كانون الأول الحالي، قالت وزارة الإعلام، إن جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءًا من آلة الحرب والدعاية لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأسهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه ومجازره ضد الشعب السوري، سيخضعون للمحاكمة العادلة.
وفيما يتعلق بترويج التعميمات والأخبار الزائفة من قبل بعض الصحفات ونسبها لإدارة العمليات، تواصلت عنب بلدي مع مكاتب التنسيق الإعلامي لـ”إدارة العمليات” للاستعلام إن كانت هناك حسابات أخرى تابعة لها، بكنها نفت ذلك وأكدت أن الحسابات الرسمية لـ”إدارة العمليات العسكرية” (في هذا الرابط)، وحساب “القيادة العامة” (في هذا الرابط)، فقط.
وعلى مدار عقود من حكم الأسدين، الأب والابن، بقي الإعلام السوري المحلي، الرسمي والخاص، مرتهنًا بخطاب السلطة وتوجهها، واستخدم أداة لتمرير أجندتها السياسية وتخدير الرأي العام وتوجيهه دون اكتراب بمعايير الدقة والحياد والموضوعية والمهنية والشفافية وغيرها من القيم المهنية للعمل الإعلامي.