تعيش سوريا فترة حساسة بعد حدث تاريخي شهدته، فجر الأحد 8 من كانون الأول الحالي بهروب رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، بعد نحو 11 يومًا من بدء فصائل المعارضة عملية “ردع العدوان” العسكرية من مناطق الشمال السوري، وبعد 13 عامًا على مطالبة الشعب السوري الأسد بالرحيل.
بعد نحو عشرة أيام على تسلم المعارضة للحكم، تثار التساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة، وقادتها، وأبرز القرارات التي يجب اتخاذها لضمان انطلاق أنشطة الدولة والحفاظ عليها من انهيارات قد تعيدها لمرحلة لا يمكن ضبطها لاحقًا، خاصة من الناحية القانونية.
تناقش عنب بلدي في هذا التقرير أبرز ما يجب القيام به من الناحية القانونية في هذه المرحلة الانتقالية، من أجل ضمان أهداف الثورة والحفاظ على انتصارها بوجه الأسد.
“شرعية ثورية”
المحامي المقيم في دمشق عارف الشعال، قال إن الوضع في سوريا غير واضح حتى الآن، فالوضع القانوني في سوريا يتمثل بأن ثورة مسلحة أسقطت النظام، وبالتالي أسقطت معه الدستور وآلياته والمؤسسات التي أنشأت بموجب الدستور، منها المجلس النيابي.
وبغياب الرئيس الذي يمثل أيضًا رئيس مجلس القضاء الأعلى لن ينعقد مجلس القضاء الأعلى وبالتالي سقط الدستور.
وأوضح الشعال، في حديث إلى عنب بلدي، أننا الآن أمام مرحلة نسميها “الشرعية الثورية” بمعنى أن قوى الأمر الواقع هي التي تسن التشريعات المؤقتة التي ستؤسس من خلالها نظام الحكم الجديد ورؤيته.
ويرى الشعال أنه من المفترض تشكيل مجلس للحكم يعطى صلاحيات تنفيذية وتشريعية لسن التشريعات ويقوم بإعلان دستوري يضم بعض المبادئ الدستورية.
تتطلب هذه المرحلة تشريعات تلغي المحاكم الاستثنائية، والقوانين الجائرة، التي كانت معروفة لدى الحقوقيين سابقًا.
الوقت لمؤتمر وطني
رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، المحامي غزوان قرنفل، قال في مقال للرأي نشر في عنب بلدي، الأحد، إنه آن الأوان للدعوة إلى عقد مؤتمر وطني في دمشق بين مختلف القوى السياسية والشخصيات الوطنية والحقوقية المستقلة.
يجب أن يتضمن المؤتمر المنتظر مناقشة كل القضايا الأساسية التي تتيح الإقلاع بعجلة الدولة، وفي المقدمة منها الاتفاق على مجلس للدولة أو هيئة حكم انتقالي تتمتع بجميع الصلاحيات التي تخولها إدارة الدولة بموجب إعلان دستوري مؤقت، تحدد فيه المدة اللازمة لعمل تلك الهيئة وآلية الدعوة لانتخابات عامة لمجلس تشريعي مؤقت، وطبيعة القانون الانتخابي الذي ستجري تلك الانتخابات على أساسه.
بالإضافة إلى انتخاب هيئة تأسيسية تقوم بأعمال صياغة الدستور الذي ستحكم بموجبه الدولة السورية.
ووفق قرنفل، لا نزال أمام مشكلة دستورية وقانونية يتعين ملاحظتها والاستجابة لما تقتضيه من إجراءات لحلها، فإلى الآن لا تزال البلاد من الناحية القانونية تدار بدستور 2012، إذ لم يعلن عن تعليق العمل بدستور البلاد، ولا يزال الأسد رئيسًا للبلاد من الناحية الدستورية باعتباره لم يستقل رسميًا أو يعلن عن تنحيه عن منصبه، ولا يزال مجلس الشعب مجلسًا تشريعيًا دستوريًا من الناحية النظرية، وهذه سابقة لم تحصل قط عقب أي ثورة أو انقلاب في العالم.
وأضاف المحامي، أنه من الصحيح أن معطيات الواقع وحقائقه صارت مختلفة تمامًا عما يشير إليه، لكن ذلك لا يلغي وجوب قوننة ودسترة الأفعال والقرارات والإجراءات لكي تبدأ مرحلة القطيعة مع الماضي وأدواته، وتبدأ التأسيس للشرعية الدستورية اللازمة، بهدف إكساب كل الإجراءات المتخذة المشروعية القانونية التي تكسبها وتكسب السلطة الجديدة اعترافًا دوليًا نحن نحتاج إليه بإلحاح الآن.
لا مشروعية قانونية للمعارضة
المحامي غزوان قرنفل أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أنه كان يفترض تعليق العمل بالدستور في ذات البيان الذي يعلن فيه عن سقوط النظام حتى تبدأ لحظة التأسيس لشرعية جديدة.
كما يجب الإعلان فورًا عن إعلان دستوري مؤقت من بضع مواد لتكريس شرعية ممارسة السلطة وإدارة الشأن العام، وهو الأمر الذي لم يحدث للآن.
من آثار عدم إعلان تعليق الدستور، وفق ما يرى قرنفل، أن مؤسسات السلطة المنبثقة عنه (كالبرلمان والحكومة) لا تزال مؤسسات تتمتع بالمشروعية الدستورية ويمكنها ممارسة وظيفتها، وبالتالي لا مشروعية قانونية للحكومة الانتقالية أو حكومة تسيير الأعمال بسبب ذلك.
ولمعرفة ما يجري التخطيط له في هذا السياق، تواصلت عنب بلدي مع إدارة العلاقات العامة في حكومة تسيير الأعمال السورية، وتوجهت لها بأسئلة تتعلق بخططها المتعلقة بالإعلان الدستوري و أسباب تأخره، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى ساعة تحرير هذا التقرير.
إعلان دستوري منتظر
من جهته أوضح المحامي عارف الشعال، أن علماء القانون الدستوري اتفقوا أن الثورة تسقط الدستور، ولكن القوانين تبقى حتى تلغى أو تعدل بقوانين جديدة، مشيرًا إلى أنه بسقوط الدستور تسقط السلطة التشريعية التي أحدثها الدستور وتسقط كذلك السلطة السياسية التي تتولى إدارة البلاد أو ما يعرف بالسلطة التنفيذية.
واعتبر الشعال أن القول بتعليق العمل بالدستور وتعليق مجلس الشعب غير دقيق ولا يأتلف مع القانون الدستوري.
الشعال أشار إلى أنه من الضروري في هذه المرحلة، أن تصدر الإدارة الجديدة للبلاد، بمشورة المختصين بالقانون الدستوري، إعلانًا دستوريًا أو دستورًا مؤقتًا يضمن الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين، وينظم السلطة التنفيذية المؤقتة ويحدد من يملك سلطة التشريع في هذه الفترة.
ويجب أن تخضع جميع التشريعات التي تصدر لمصادقة المجلس التشريعي الدائم مستقبلًا، ويفضل ترك السلطة القضائية على حالها وتنظيمها فيما بعد على أن تضمن استقلالها التام، وفق المحامي.