لزملائنا الصحفيين داخل سوريا.. بالودّ لا بالحقد
علي عيد
صبيحة خلع الأسد وسقوط النظام، تواصل عدد من زملاء المهنة من دمشق، وهم صحفيون بقوا في سوريا، لظروف متعددة، وكانت الهواجس بادية على مجمل ما بدر حيال مستقبلهم، وليس خافيًا حقهم في التعبير عن القلق، والاستفسار حيال القادم.
كنت شاهدًا على صحفيين حملوا البنادق والعصيّ، وآخرين بقوا أسرى في الداخل، بينما كثير من الزملاء تركوا البلاد لأنهم يريدون إعلامًا حرًا وشريكًا في التنمية والبناء عبر كشف ومحاربة الفساد، وتمنوا لو أن الشاشات والصحف والمواقع الإلكترونية تكون منابر للحقيقة، وصوتًا للعقل، لا للموت وتمجيد الظلم، والإسهام في تبرير الفساد.
لم تتح الفرصة لكثيرين المغادرة، بينما كان هناك من رأى مصلحته في دولة الظلم والاستبداد، وها نحن اليوم نشهد طيّ الصفحة، فبأي وجه نلتقي، وماذا يقول بعضنا لبعضنا الآخر، أهو عتاب أم مراجعة؟
بالود لا بالحقد، سنقابل زملاءنا، وليذهب أنصار المستبد إلى العدالة الانتقالية لا الانتقامية.
أذكر ذات يوم خلال “كونجرس” الفيدرالية الدولية للصحفيين بتونس في 12 من حزیران 2019، وكنت حينها أمثل رابطة الصحفيين السوريين الذين خرجوا قهرًا، وأمام ممثلي الصحفيين في 180 دولة، قلت لزميلي القادم من دمشق، رئيس اتحاد الصحفيين الذي بقي بمنصبه حتى لحظة سقوط الطاغية، كم أتمنى لو أخذتكم بالأحضان، لكنني أخشى عليكم المحاسبة عند العودة، فردّ عليّ بخطاب تمجيد لقائده بشار الأسد.
المئات من الصحفيين، ما زالوا على عهدهم، وما قالوه لم يتغير، وما تغير هو أن نضالاتهم إلى جانب الملايين من السوريين لم تذهب أدراج الرياح، لقد انتصر مطلب الحرية والانعتاق على العبودية والقهر وتكميم الأفواه.
ها هي سوريا تطوي صفحة قاتمة وطويلة من تاريخها السياسي والأمني، أصعب جزء فيها بدأ بعد عام 2011، وكان الإعلام السوري الرسمي خلالها ظهيرًا للبندقية بشكل صارخ، ونشأ في المقابل إعلام متفاوت المهنية، لكن الصورة الأهم فيه، هي تحول كاميرا الشارع وإعلام المواطن إلى صوت قوي ومعبّر، وتطور الكثير منه لينتقل إلى مرحلة عمل مؤسساتي راسخ، ربما سيكون له فضل في التأسيس لمرحلة جديدة.
أكتب هذا في عنب بلدي، وهي وليدة ثورة الحرية والكرامة، وهي ثمرة إيمان راسخ بأهمية الكلمة، وبرسالة الصحافة النبيلة، وحتى ونحن نحتفل بخلع الطاغية، ما زالت عيوننا مفتوحة على أي انتهاك أو أي فساد أو ظلم، عيوننا على مستقبل البلاد، نحرس الكلمة، ونضع خطتنا لما سنفعله غدًا من أجل بلاد تسودها العدالة والديمقراطية، بلاد لا يمكن فيها تمرير الاستبداد والتسلط وسرقة موارد الدولة، مع الناس وصوتهم وحقهم، رحل من رحل وحكم من حكم.
انتصار الصحافة المستقلة الحرة لن يكون ناجزًا بسقوط نظام فحسب، بل بترسيخ قناعة لدى كل من يريد أن يحكم، لدى كل سياسي، وكل رجل أعمال، بأن الحارس لا ينام، كما أن انتصار الصحافة المستقلة سيكون بتعزيز وعي الناس بأنهم أحرار فيما يعتقدون ويقولون، أحرار في قول كلمة الحق، بأننا مسؤولون معهم عن حماية حقوقهم ومستقبلهم ومستقبل البلاد، ومسؤولون عن أقلامنا وحناجرنا حتى لا تشتريها مصالح.
لزملائنا في الداخل والخارج، نلتقي في دمشق.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :