الأسد.. فشل النصر والهزيمة
عنب بلدي – حسن إبراهيم
طويت الصفحة الأخيرة من سوريا تحت حكم الأسد، بعد إعلان هرب بشار الأسد من الأراضي السورية، عقب وصول فصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق، لتُرسم، في 8 من كانون الأول 2024، بداية مرحلة جديدة على أنقاض بلد استولى عليه حافظ الأسد عام 1971.
لفظ النظام أنفاسه الأخيرة، بعد تضييق الخناق عليه، ولم تسعفه محاولات الرمي بجميع أوراقه السياسية، واستنجاده بحلفائه ودول عربية وأوروبية، ليهرب إلى وجهة غير معلومة، مصطحبًا معه فشل “رواية النصر” التي لطالما روّج لها خلال سنوات حكمه.
وصول فصائل المعارضة إلى دمشق، جاء بعد إطلاق عملية “ردع العدوان” العسكرية، في 27 من تشرين الثاني الماضي، لتبدأ مرحلة السيطرة وانتزاع القرى والبلدات والمدن من قوات النظام وحلفائها، من حلب وحماة وحمص ودمشق، بينما تحركت فصائل محلية في الجنوب لتسيطر على السويداء ودرعا والقنيطرة.
لجوء في روسيا
موقع “أكسيوس” الأمريكي، قال إن طائرة من طراز “إليوشن 76” يشتبه في أنها تحمل الأسد، غادرت مطار دمشق، قبل وقت قصير من دخول المعارضة، واتجهت الطائرة إلى الشمال الغربي ثم انعطفت قرب مدينة حمص، وخفضت ارتفاعها بسرعة قبل أن تختفي.
وبعد ساعات من البحث عنه وعدم معرفة مصيره، وسط شكوك بتحطم الطائرة ومقتله، قالت روسيا إنه وصل إلى موسكو مع عائلته.
ومنحت روسيا الأسد وعائلته حق اللجوء لأسباب إنسانية، بحسب مصدر مقرب من الكرملين، نقلت عنه وكالة “ريانوفوستي” الروسية.
في هذا الوقت انتشرت العديد من المواقف لمؤيدين للأسد ومسؤولين بارزين تنتقده وتنتقد تسليمه الحكم وهربه، دون خطة للتسليم، ودون إخطار لآلاف المقاتلين الذين وجدوا أنفسهم دون قيادات في الشوارع.
جاءت عمليات المعارضة وهروب الأسد بعد 13 عامًا من الثورة السلمية التي انتقلت إلى العمل المسلح بعدما قابلها الأسد بالعنف، واستعان بروسيا وإيران لكبح تقدم المعارضة.
منذ عام 2011 قُتل في سوريا أكثر من231 ألف شخص بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يعد النظام السوري مسؤولًا عن مقتل أكثر 86% منهم.
وكان 157 ألف شخص في عداد المختفين قسرًا، بينما قتل أكثر من 15 ألفًا تحت التعذيب، بحسب توثيق “الشبكة”.
بينما هجر نحو 13 مليون سوري، داخليًا وخارجيًا، ويعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، وسط انهيار اقتصادي وخدمي في سوريا البلد الغارق بالديون، بحسب الأمم المتحدة.
وسط هذه الانتهاكات، كان الأسد يركز دومًا على انتصاره في ما سمّاها “الحرب على الإرهاب”، ويتحدث عن تأهيل مؤسسات الدولة وفتح القنوات مع محيطه العربي والإقليمي.
الرمي بآخر “الكروت”
قبل حصار الفصائل وتطويق دمشق، قدم بشار الأسد عرضين غير مباشرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل البقاء على كرسي الحكم في سوريا، أو تأمين خروجه من سوريا.
العرض الأول قدمه الأسد إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وكان عبر الإمارات العربية المتحدة، وهو أن تقطع سوريا كل علاقاتها مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مثل “حزب الله”، إذا مارست القوى الغربية نفوذها لوقف القتال الحاصل على الأراضي السورية.
العرض الثاني جرى عبر إرسال الأسد زعيمًا مسيحيًا بارزًا للقاء الرئيس المجري، فيكتور أوربان، لنقل ما يراه “تهديدًا وجوديًا للأقلية المسيحية” في سوريا، في حال انتصر “المتمردون الإسلاميون”، والقصد كان أن ينقل أوربان هذا “الخطر” إلى حليفه ترامب.
رجل الدين المسيحي هو بطريرك السريان الأرثوذكس، أغناطيوس أفرام الثاني، وذهب إلى المجر لنقل “مخاوفه”، في 2 من كانون الأول الحالي.
هذان العرضان مقابل استعداد الأسد للتوصل إلى اتفاق يسمح له بالاحتفاظ بالأرض المتبقية التي يسيطر عليها جيشه، أو ضمان مروره الآمن إلى المنفى إذا لزم الأمر، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء “بلومبيرغ” عن أشخاص دبلوماسيين ومطلعين في 7 من كانون الأول الحالي.
بالتزامن مع احتدام المعارك، لوّح الأسد بورقة الصحفي الأمريكي المعتقل في سجونه أوستن تايس، حيث قالت والدة تايس إن ابنها لا يزال على قيد الحياة، ناسبة المعلومة إلى “مصدر مهم”، قالت إنه جرى التحقق منه من قبل الحكومة الأمريكية، وفق ما ذكره موقع “المونيتور” (مقره في الولايات المتحدة)، في 6 من كانون الأول، بعد اجتماع مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان.
ظهور معلومات عن تايس مؤخرًا، أرجعه محللون إلى أن الأسد حرّكها من أجل التفاوض على بقائه في السلطة أو وقف القتال على الأقل، خاصة بعد أن حاولت الإدارة الأمريكية قبل سنوات، التوصل لاتفاق من أجل الإفراج عنه، واستخدمت قنوات خلفية مع النظام السوري.
من الأب للابن.. كيف بدأت القصة؟
استولت عائلة الأسد على سوريا بعد انقلاب عسكري عام 1970، وأصبح حافظ الأسد رئيسًا في عام 1971، وأنشأ منظومة حكم استبدادية شمولية، تعتمد على القبضة الأمنية، وتركيبة تشبه نظام الحزب الواحد.
ارتكب حافظ الأسد وشقيقه رفعت مجازر في حماة وحلب، وكان حافظ “القائد الأوحد” للبلاد، وشهد عهده تراجعًا علميًا واقتصاديًا كبيرًا ولم ينجح باستعادة الجولان.
في حزيران عام 2000، توفي حافظ الأسد، ووصل بشار إلى الحكم بعد تعديل الدستور السوري خلال أقل من ساعة من قبل مجلس الشعب، حين خفض سن الأهلية للرئاسة من 40 إلى 34 ليتناسب مع عمره آنذاك.
كما أصبح عضوًا في القيادة القطرية لحزب “البعث” الحاكم في سوريا خلال أسابيع، والذي كان شرطًا آخر لتولي الرئاسة في سوريا.
لم يكن بشار مُعدًّا للرئاسة منذ صغره كونه الابن الثاني لحافظ، لكن وفاة أخيه الأكبر باسل في حادث سير 1994، فتح الباب أمامه، إذ لم يبقَ أمام حافظ سواه، لإعداده للرئاسة.
أعيد انتخابه في أعوام 2007، و2014، و2021، رغم احتجاجات وثورة شعبية بدأت ضد حكمه في آذار 2011، وطالبت بالإصلاح والحرية والتغيير السياسي والرحيل.
قابل بشار الأسد المظاهرات بالحديد والنار والرصاص الحي والاعتقالات والاعتداءات، واستخدم الحل العسكري، واستعان بحلفائه إيران و”حزب الله”، تبع ذلك تدخل عسكري روسي في 2015، وقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين داخل وخارج سوريا.
طوال عقود، استمد النظام السوري قوته وقدرته في الحفاظ على السلطة من السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية والأمنية، وبناء دولة شمولية، وإقصاء القوى المعارضة له.
وعمل على تعميق التحالف مع إيران وروسيا، وفهم سياسات الاستقرار الأمني في الإقليم بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، وغير ذلك من العوامل المحلية والدولية.
صعود بالرتب
ولد بشار الأسد بمحافظة دمشق في 11 من أيلول 1965، وهو الابن الثالث لحافظ الأسد بعد بشرى وباسل. درس في كلية الطب بجامعة “دمشق” وتخرج فيها عام 1988، وتطوّع في الجيش والقوات المسلحة بإدارة الخدمات الطبية، اعتبارًا من 1 أيلول 1985.
تخرّج برتبة ملازم أول تحت الاختبار في 6 من آب 1988، ثم عمل في طب العيون بمستشفى “تشرين” العسكري عام 1992، وسافر بعدها إلى لندن حيث تابع اختصاصه هناك حتى عام 1994.
وبعد وفاة أخيه الأكبر عاد بشار إلى دمشق ليخضع لعملية تأهيل مكثفة، حيث عُيّن رئيسًا لمجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية التي تقود النشاط المعلوماتي في سوريا عما 1994، ورُفّع إلى رتبة نقيب (تموز 1994)، ثم إلى رائد (تموز 1995)، ثم إلى مقدم (1997)، ثم إلى عقيد (كانون الثاني 1999)، وتسلم في هذه الأثناء العديد من الملفات، أبرزها الملف اللبناني، وفق موقع “مع العدالة”.
انتهاء حقبة آل الأسد
انتهت حقبة آل الأسد بعد 53 عامًا من استيلائهم على الحكم، وارتكاب مجازر بحق السوريين، حيث وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 231278 مدنيًا، بينهم 15334 بسبب التعذيب، واعتقال تعسفي (إخفاء قسري) لـ156757 شخصًا، وتشريد قرابة 14 مليون شخص، على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار 2024.
ومن أصل الحصيلة، قتلت قوات النظام السوري 201260 شخصًا، فيما قتلت القوات الروسية 6969 شخصًا.
ويعتبر بشار الأسد المسؤول الأول والمباشر عما حدث من انتهاكات بحق السوريين، باعتبار تبوئه منصبي رئيس الجمهورية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، وباعتبار تبعية الأجهزة الأمنية والميليشيات وفرق الدفاع الوطني له، وبحكم توليه صلاحيات واسعة وفق الدستور السوري، بحسب موقع “مع العدالة”.
في 8 من كانون الأول، قالت “إدارة العمليات العسكرية” المسوؤلة عن المعارك ضد النظام السوري السابق، “بعد 50 عامًا من القهر تحت حكم البعث، و13 عامًا من الإجرام والطغيان والتهجير، وبعد كفاح ونضال طويل ومواجهة كافة أشكال قوى الاحتلال، نعلن اليوم في 8 من كانون الأول 2024 نهاية هذه الحقبة المظلمة وبداية عهد جديد لسوريا”.
دكتاتور بعاهات
عبر كتابه “الأسد أو نحرق البلد”، رسم الكاتب الأمريكي سام داغر صورة نفسية لبشار الأسد، فهو دكتاتور عانى في البداية من عُقَد وعاهات، حاول فيما بعد التعويض عنها من خلال إظهار رجولة مبالغ فيها، عبر القسوة والتهكم.
وعرّى داغر الصورة الكاذبة التي يروق للأسد أن يظهر بها، أي صورة الطبيب العصري، المنفتح التفكير والتقدمي، والذي انتهى به المطاف بطريق الخطأ في عالم السياسة.
واعتبر داغر في كتابه أن الأسد كان على استعداد لقتل مئات الآلاف من الشعب السوري للبقاء على كرسي السلطة وقبل ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويربط الكاتب بين القمع الكبير الذي مارسه النظام صد السوريين، وإطلاقه سراح مئات الإسلاميين من السجون بحسب الكتاب، كما نقل الكاتب عن مصادر من داخل النظام، أن الأسد أمر ضباطه بالتخلي عن نقاط حدودية مع صعود تنظيم “الدولة”، كما يتهم الكاتب الأسد بقتل صهره آصف شوكت.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :