إدارة حلب.. هل تكفي تجربة “الإنقاذ”؟
عنب بلدي – موفق الخوجة
تشكل الإدارة المدنية هاجسًا لدى ملايين السوريين بعد سقوط نظام الأسد، إذ تسارعت الأحداث في سوريا منذ 27 من تشرين الثاني الماضي، وسيطرت فصائل المعارضة على مناطق واسعة في شمالي ووسط سوريا، وكانت مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، أولى التي المناطق التي أخذتها فصائل المعارضة من يد النظام السوري.
وكان لافتًا التطور السريع في الأحداث وعلى صعيد الإدارة الخدمية، التي كان يتوقع لها أن تشهد فوضى نتيجة تبدل طرف السيطرة خلال يومين.
في 27 من تشرين الثاني الماضي، شهدت سوريا ولادة ما يسمى “إدارة العمليات العسكرية” التي أعلنت عن عملية “ردع العدوان”، وانطلقت من محاور حلب الغربية وصولًا إلى السيطرة على معظم حدود المدينة الإدارية بأريافها.
وبدأت فصائل المعارضة توغلها داخل أحياء حلب من بوابتها الغربية في 30 من تشرين الثاني الماضي، وخلال ساعات كانت الفصائل منتشرة في أطراف المدينة الأربعة.
ولم يبدِ عناصر النظام مقاومة واضحة داخل المدينة، وكان انسحابها سريعًا، وخلال يومين أصبحت مدينة حلب خالية من وجود النظام، وبقيت منطقتا الأشرفية والشيخ مقصود، داخل المدينة، تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وتسيطر “قسد” على هذين الحيين قبل خروج فصائل المعارضة من أحياء حلب الشرقية في نهاية 2016.
ما قبل “ردع العدوان”
في منتصف آذار 2012، بدأت فصائل المعارضة السورية عملياتها العسكرية في محيط حلب ودخول أحيائها الشرقية، وأصبحت تسيطر على أحياء الشعار والصاخور وأجزاء من حلب القديمة وصولًا إلى صلاح الدين ومشارف سيف الدولة وسط المدينة.
وبقيت فصائل المعارضة تسيطر على قسم كبير من المدينة حتى بدأ النظام ما أسماها خطة “دبيب النمل” التي انتهت بإطباق النظام على أحياء حلب الشرقية بعد السيطرة على طريق “الكاستيلو” المنفذ الوحيد إلى مناطق سيطرة المعارضة داخل أحياء حلب.
وبعد وساطة تركية- روسية، أعلنت فصائل المعارضة، في كانون الثاني 2016، قبولهم المفاوضات وخروج نحو 300 ألف شخص من مدينة حلب عبر باصات تحمل عناصر المقاتلين وعوائلهم وما حملته أيديهم من سلاح وأمتعة، إلى أرياف إدلب.
ومنذ منتصف كانون الأول 2016، بقيت مدينة حلب وأجزاء واسعة من أريافها تحت سيطرة النظام وحتى دخول الفصائل في نهاية تشرين الثاني الماضي.
تطورات سريعة
منذ بداية الشهر الحالي، وبعد سيطرة فصائل المعارضة، بدأت معالم المدينة بالتغير بشكل غير مسبوق، وسط توقعات بوقوع فوضى بعد تغير طرف السيطرة، إلا أن الحال لم يكن كذلك، بشكل كبير.
وبدأت “إدارة العمليات العسكرية” إصدار قرارات متتالية منذ أولى لحظات دخولها إلى المدينة، منها ما حمل طمأنة لأهالي المدينة، وخاصة الأقليات، وعلى رأسهم المسيحيون، والآخر حمل طابعًا تنظيميًا يتحدث عن الأمور الخدمية.
كما دعت فصائل “ردع العدوان” الكوادر الخدمية للعودة إلى عملهم لمن أراد ذلك، فضلًا عن دعوة عناصر النظام إلى الانشقاق وتسليم أنفسهم و”إجراء تسوية”.
كما تعهدت “إدارة العمليات العسكرية” بحفظ مؤسسات الدولة وحمايتها، ووجهت رسائل إلى الدول تضمن سلامة قنصلياتها والمراكز الدبلوماسية.
هل تنجح “الإنقاذ”
بالرغم من سرعة تنفيذ القرارات، تبقى التساؤلات حول مدى إمكانية حكومة “الإنقاذ” لإدارة ثاني أكبر المدن السورية من حيث المساحة وعدد السكان.
ويرى الباحث في شؤون الحوكمة الدكتور باسم حتاحت، أن “هيئة تحرير الشام” وهي أبرز فصائل “إدارة العمليات العسكرية” ستتدرج في عملية الحكم المدني، إلا أنها سينقصها قضيتان أساسيتان.
تنسحب القضية الأولى على نقص النظم والقوانين، وإذا أرادت “الهيئة” الاعتماد على القوانين السورية القديمة، وفي هذه الحالة تحتاج إلى قوى عسكرية منظمة، وهو ما يعني وجود جهاز شرطة.
وتحاول “الإنقاذ” بسط سيطرتها الأمنية عبر عدة إجراءات، منها تفعيل مراكز الشرطة، وتسيير دوريات، وفرض حظر للتجول لأكثر من مرة معللة الحظر بـ”ضمان سلامة الأهالي، والمرافق العامة والخاصة”.
كما أنها منعت دخول المدنيين من خارج المدينة، وسمحت فقط بالخروج، بسبب ما قالت، إنه “استكمال للعمليات الأمنية والعسكرية داخل المدينة”.
وأما القضية الثانية الناقصة، وفق ما يرى حتاحت، فتحتاج القوى المسيطرة على حلب حديثًا إلى التعامل عسكريًا داخل المنطقة كونها غير ممشطة بشكل جيد.
وخلّف التوغل السريع لفصائل المعارضة الكثير من عناصر النظام الذين لم تسنح لهم الفرصة بالانسحاب الذي جاء مفاجئًا، ما أسفر عن خلل أمني في عدة أحياء داخل المدينة.
ونشرت العديد من الصفحات المحلية التي تنقل أخبار المدينة أنباء عن حالات قنص واشتباكات بعد خروج النظام من كامل المدينة.
وقبيل دخول الفصائل إلى حلب، طالبت “إدارة العمليات العسكرية” عناصر النظام بالانشقاق وترك السلاح، وأكدت منحهم الأمان، في حال تركوا السلاح والتزموا البيوت.
وأعلنت وزارة الداخلية، التابعة لـ”الإنقاذ”، في 4 من كانون الأول الحالي، منح بطاقات مؤقتة للمنشقين عن النظام، بهدف “تسهيل حركتهم داخل المدينة”، وعدم التعرض لهم.
وحددت مراكز استقبال الطلبات بأربع نقاط في حلب، هي أقسام شرطة الصالحين والشهباء وباب الفرج وباب النصر.
وفي أحدث إحصائياتها حتى لحظة تحرير التقرير، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” منح بطاقات “حماية مؤقتة” لـ2424 شخصًا من المنشقين، خلال أربعة أيام.
من جانب آخر، دعت داخلية “الإنقاذ” إلى الانتساب إلى جهازها في حلب وإدلب، وحددت شروط الانتساب بأن يكون عمر الشخص بين 18 و30 عامًا، وأن يكون حاصلًا على الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها، وأن يكون غير محكوم بجناية أو “جرم شائن” فضلًا عن سلامة بنيته الجسدية.
أزمة خبز
بعد دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى حلب، قامت بتسليم شؤون الإدارة المحلية إلى حكومة “الإنقاذ”، واهتمت الأخيرة بجوانب عدة من النواحي الخدمية.
القرارات الأولى التي صدرت عن إدارة حلب الجديدة كانت متعلقة بمادة الخبز، إذ شهدت أفران المدينة ازدحامًا في صباح اليوم الأول لسيطرة المعارضة، إثر عزوف الكثير من الأفران وكوادرها عن العمل.
وأعلنت الإدارة في اليوم الأول لسيطرة المعارضة إعادة تفعيل الأفران على مدار اليوم، ودعت العاملين بالأفران للعودة إلى عملهم، وبدأت وزارة التنمية والشؤون الإنسانية التابعة لحكومة “الإنقاذ” بتوزيع 65 ألف ربطة في ثاني أيام السيطرة.
وبادرت منظمات المجتمع المدني وهيئات أهلية إلى توزيع ربطات مجانية على الأهالي في المدينة، منها هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، التي أعلنت عن توزيع 36 ألف رغيف خبز يوميًا على المدنيين في حلب، إلا أن كميات الخبز لم تكن كافية، والعشوائية في التوزيع، أبقت على أزمة الخبز أيامًا حتى أعلنت “الإنقاذ” في اليوم الثالث لسيطرة المعارضة عن تشغيل الأفران العامة بحلب والبالغ عددها 16 فرنًا، إضافة إلى 143 فرنًا خاصًا.
شح في المياه ووفرة في الكهرباء
بحسب شهادات لأهالي المدينة، كانت التيار الكهربائي يصل لساعات قليلة، مقارنة بعدد ساعات الوصل المتوفرة حاليًا، بعد سيطرة المعارضة على المدينة.
وتغذي المدينة عدة محطات لتوليد الكهرباء، منها المحطة الواقعة على أطراف المدينة من الجهة الغربية، والمحطة الحرارية في الريف الشرقي، التي سيطرت عليها فصائل المعارضة بعد إطلاقها عملية “فجر الحرية”.
وبالنسبة للمياه، تعاني أحياء في المدينة من انقطاع متكرر لشبكات المياه، بحسب ما رصدته عنب بلدي من شهادات لأهالي المنطقة.
وطالبت حكومة “الإنقاذ” العاملين بالمؤسسات الخدمية بالالتحاق بعملهم، وتعهدت بالإبقاء على عمل المؤسسات كما كانت بشكل طبيعي دون انقطاع، وتعهدت بترميمها.
تجربة سابقة
سيطرت المعارضة السورية على مركز مدينة إدلب عام 2015، وكان على رأس الفصائل المشاركة حينها، “جبهة النصرة” وهي الجهة التي انبثقت منها “هيئة تحرير الشام”.
وبعد السيطرة على إدلب ومعظم أريافها، مرت “جبهة النصرة” بعدة مراحل غيرت من بنيتها الفكرية والتنظيمية، وحلت نفسها وشكلت ما سمي “فتح الشام” ثم غيّرته إلى مسماها الحالي “هيئة تحرير الشام”.
وتشكلت “تحرير الشام” من عدة فصائل، إلا أن “فتح الشام” أو “جبهة النصرة” سابقًا، هو المكون الرئيس لـ”الهيئة”، وهي صاحبة النفوذ العسكري الأقوى في المنطقة حتى الآن.
وفي عام 2017، شكل ما يعرف بحكومة “الإنقاذ”، وهي هيئة مدينة، لا تتبع بشكل مباشر لـ”هيئة تحرير الشام”، إلا أنها تعمل في مناطق نفوذها فقط.
وحاولت “هيئة تحرير الشام” إظهار قدرتها على الإدارة المدنية من خلال هذه التجارب، فقد أنشأت بداية الحكومة ومن ثم البلديات وصولًا إلى ما يسمى “المنظمات الفاعلة”، وفق ما يعتقد الدكتور حتاحت.
وبحسب الخبير في شؤون الحوكمة، لا تعتبر طريقة “الهيئة” في الحكم المدني “مثالية”، لأن الكوادر التي ضمتها لم تتدرب جيدًا على نظم وأدوات العمل المدني، بل شاءت بهم الأقدار أن يكونوا ضمن وضع استيلاء من القوى العسكرية، وأرادت هذه القوى إظهار قدرتها على العمل المدني.
ويرى حتاحت أن “تحرير الشام” تحتاج إلى كثير من العمق في ملف الحكم المدني، وفي انتقالها إلى حلب ستواجه مشكلات أبرزها اختلاف العقلية المجتمعية بين سكان مدينتي حلب وإدلب، فالأخيرة شهدت الكثير من الحروب في السنوات الأخيرة، واستطاعت “هيئة تحرير الشام” فرض واقع معيّن على منظومتها الشعبية.
وعاشت مدينة حلب سنوات في كنف النظام وتختلف عن إدلب، من حيث المساحة وطبيعة السكان، والمرجعية والأداء، وفق حتاحت.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :