ما أبعاد حل “هيئة تحرير الشام” نفسها
عنب بلدي – حسن إبراهيم
تصدّر الحديث عن حل “هيئة تحرير الشام” نفسها، وهي صاحبة السيطرة العسكرية في إدلب، الواجهة الإعلامية، بالتزامن مع معارك قادتها إلى جانب فصائل المعارضة، انتزعت خلالها مناطق واسعة من سيطرة النظام السوري وحلفائه، وانتهت بسقوطه.
حل الفصيل جاء على لسان قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، بعد زيارته إلى مدينة حلب التي سيطرت عليها فصائل المعارضة خلال عملية “ردع العدوان”، ليعززه بحديث آخر بأن “الهيئة” جزء من الحوار السوري وقد “تتفكك في أي وقت”.
كلام “الجولاني” كان مفاجئًا ومغايرًا على الأقل لمسار رسمه لنفسه وفصيله خلال السنوات، ومختلفًا عن انطباعات عنه بأنه “متفرد بالقرار” ويبحث عن “مجد شخصي”، ليفتح الباب أمام تساؤلات عن أبعاد حل الفصيل، وتوقيت ذلك.
حل وتفكيك
في 4 من كانون الأول الحالي، نشرت محللة الملف السوري في “مجموعة الأزمات الدولية” ” دارين خليفة، تصريحًا قاله “الجولاني” لـ”المجموعة”، جاء فيه أن “هيئة تحرير الشام” تفكر في حل نفسها من أجل تمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري.
“تحرير الشام” أجابت عن أسئلة عنب بلدي حول ما نشرته “مجموعة الأزمات”، بأنه لا يوجد أي قرار من قبل القيادة حتى الآن بما يخص قرار الحل.
وخلال مقابلة لشبكة “CNN” الأمريكية، نشرت في 6 من كانون الأول، قال “الجولاني”، “نحن نتحدث عن مشروع أكبر، نتحدث عن بناء سوريا”، وأضاف أن “هيئة تحرير الشام” مجرد جزء من هذا الحوار، وقد تتفكك في أي وقت، وأنها ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لأداء مهمة، وهي مواجهة النظام السوري.
“تحرير الشام” هي واحدة من أبرز الفصائل المقاتلة في الشمال السوري، نشأت تحت مسمى “جبهة النصرة” في سوريا رسميًا في كانون الأول 2012، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
ولا تزال “تحرير الشام” مدرجة على لوائح “الإرهاب”، ولا يزال اسم “أبو محمد الجولاني” مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، بمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.
ما بعد إسقاط النظام
دارين خليفة، علّقت على تفكير “الهيئة” بحل نفسها (من أجل ترسيخ البنى المدنية والعسكرية)، بأنه بطبيعة الحال، سواء كانت ” تحرير الشام” ستنفذ هذه الأفكار أم ستضغط على فصائل أخرى، “لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيتم الامتثال أم لا”.
من جانبه، قال “الجولاني” خلال مقابلة لشبكة “CNN“، يبقى هدف الثورة هو إسقاط هذا النظام، ومن الحق استخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف، وإن بذور هزيمة النظام كانت موجودة دائمًا في داخله، لافتًا إلى أن إيران وروسيا حاولا إحياء النظام، ودعمه وشراء الوقت له، لكن الحقيقة تبقى أن “هذا النظام مات”.
الباحث في الجماعات الجهادية والحركات الدينية عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن “الجولاني” يلمح بالحديث عن حل الفصيل إلى مرحلة ما بعد إسقاط النظام، فقيام الدولة سيتطلب حصر السلاح بيدها، وإنهاء الميليشياوية والفصائلية، و”الجولاني” يدرك ذلك.
ويرى الحاج أن “الجولاني” بالفعل يتصور أن المسعى النهائي هو تشكيل دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهو في الوقت نفسه لا يريد تكرار تجربة “حزب الله” في لبنان.
وعن توقيت حل “تحرير الشام”، يعتقد الحاج أنه مرهون بتصور بناء الجيش، وكيفية دمج الفصائل لتكون جزءًا منه، ولهذا فإن “الجولاني” يتحدث بلغة نسبية، لكن من الواضح أن لديه تصورًا جيدًا عن بناء الدولة، ويعكس ذلك أيضًا وجود تصورات أولية عن شكل اليوم التالي.
ويرى الباحث أن جميع الفصائل سينتهي دورها مع إسقاط النظام، وإلا ستتحول إلى عبء، كما حصل في الحالة الأفغانية، مستبعدًا أن يكون لدى أي من الفصائل طموح لذلك.
الآن بطبيعة الحال لا يستطيع “الجولاني” حل “تحرير الشام”، هذا طرح مرهون بإسقاط النظام ودخول مرحلة انتقالية، حلها الآن سيؤدي إلى مشكلة كبيرة، لا أظن أنه يمكن أن يقدم عليها، الآن يجب الاستناد إلى قوى الأمر الواقع، والانتقال تدريجيًا ضمن مرحلة انتقالية.
د. عبد الرحمن الحاج
باحث في الحركات الدينية
وبدأت فصائل المعارضة عملية “ردع العدوان” في 27 من تشرين الثاني الماضي، وبعد وصولها إلى مدينة دمشق، في 8 من كانون الأول، انتشرت أنباء عن هروب بشار الأسد من الأراضي السورية، تبعها إعلان الفصائل نهاية حقبة حكم “البعث”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين سوريين، أن هناك احتمالًا كبيرًا للغاية بأن يكون الأسد قُتل في تحطم طائرة، إذ لا يزال من غير المعروف سبب عودة الطائرة إلى مسارها المفاجئ، واختفائها عن الخريطة.
مطبات أرّقت “تحرير الشام”
بالنسبة لإدراجها على قوائم “الإرهاب”، اعتبرت “تحرير الشام” عدة مرات أنه “تصنيف غير عادل”، منها إجابة المكتب الإعلامي لـ”الهيئة” في مراسلة إلكترونية عن أسئلة عنب بلدي حيال تجديد التصنيفات للفصيل، كانت من أستراليا في 17 من شباط 2022، بكونه فصيلًا “إرهابيًا”.
واجهت “تحرير الشام” عدة مطبات خلال سيطرتها على إدلب، أبرزها أزمة ملف “العمالة والتواصل مع جهات داخلية وخارجية” الذي عصف في صفوف “الهيئة”، ورسم صراعًا بين تيارات الفصيل وملامح تفكك، اعتقل على إثرها الرجل الثاني في “الهيئة”، “أبو ماريا القحطاني”، وكبار قيادات الصف الأول، بدأت ملامحها في حزيران 2023.
وأسفرت عن انشقاق القيادي الثالث جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، وكشف الأخير عن قضايا مسؤول عنها “الجولاني”، منها تفجيرات وتعاون مع استخبارات أجنبية.
هدأ الملف إعلاميًا، وبقي “الجولاني” وانشق “أبو أحمد زكور”، وقُتل “القحطاني” في 4 من نيسان الماضي، بحزام ناسف داخل مضافة في إحدى مزارع مدينة سرمدا، وذلك بعد شهر من الإفراج عنه عقب اعتقاله ستة أشهر، وتبرئته من “الهيئة”.
في 13 من تشرين الثاني الماضي، نفذت حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة” حكم القتل “حدًا للحرابة” بحق ثلاثة أشخاص متهمين بقُتل “أبو ماريا القحطاني”.
ومنذ 26 من شباط الماضي، تواجه “تحرير الشام” حراكًا سلميًا ومظاهرات من مدنيين وناشطين وعسكريين وشرعيين، يطالبون بإسقاط “الجولاني”، ويرفضون سياسة احتكار القرار، والتفرد بالسلطة.
قوبل الحراك بوعود وإصلاحات واجتماعات مكثفة من “الجولاني” مع وجهاء ووزراء في حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة”، اعتبرها البعض “غير مجدية”، ثم اعتقالات لبعض المتظاهرين، وفض خيمة اعتصام بالقوة، حتى تراجعت هذه المظاهرات منذ نحو شهر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :