سوريا والمرحلة الجديدة

  • 2024/12/09
  • 10:14 ص
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

توافقت الدول المؤثرة في القضية السورية، ومن ضمنها تركيا وروسيا وأمريكا وإسرائيل، على إخراج “الحرس الثوري الإيراني” والأذرع الإيرانية في سوريا، أو الحد من وجودها ونفوذها، كعنوان عريض لمعادلة جديدة، مدركين عدم قدرة الأسد على إخراجهم، حاسمين أمرهم في الضغط عليه، بعد مراوغاته ورسائله المزدوجة، التي تارة ما تطمئن الإيراني من جهة، وتضيق عليه من جهة أخرى.

لقد أسهم اختلال التوازنات الإقليمية بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، والضرر الذي أصاب المحور الإيراني في لبنان وسوريا، عبر إضعاف “حزب الله” وضرب إمدادات سلاحه التي تمر عبر سوريا، بالإضافة إلى رفض الأسد كل المحاولات التركية المتكررة المدعومة من حليفه الروسي للحوار معه، في إنضاج تفاهمات دولية للضغط عليه وعلى الإيرانيين عبر عملية عسكرية مضبوطة تقوم بها فصائل معارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، خاصة أن الأسد تعنّت في رفض كل الفرص السياسية التي قُدمت له بدءًا من حل سياسي وفق القرار “2254”، مرورًا بلجنة دستورية لا سقف زمني لعملها، والانفتاح العربي عليه الذي لم يثمر بتغيير مواقفه تجاه أي “تسوية سياسية” مهما كانت شكلية وسطحية تمهيدًا لعودة اللاجئين واللاجئات ووقف إغراق الأسواق العربية وصولًا إلى العالمية بـ”الكبتاجون”، بل على العكس تمامًا، بقي متمترسًا ومتصلبًا مواصلًا قيادة سوريا نحو الدمار الشامل على كل الأصعدة.

توقيت انطلاق عملية “رد العدوان” في 27 من تشرين الثاني 2024 كان مفاجئًا لإيران فقط، فالتعبئة والتحضير لدخول حلب كانت تعد لها الفصائل حسب تصريح أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) في خطابه في 28 من أيار 2024، حين قال إنه “لم يبقَ إلا القليل لنصل إلى حلب”، وخاطب يومها الحاضرين قائلًا: “أراكم تجلسون في حلب كما أراكم أمامي الآن”، واصفًا حلب بأنها كانت رافعة للثورة السورية، ولا تزال، وبأن خسارتها كانت نكسة أليمة للثورة.

إن تهاوي خطوط دفاع النظام، والانسحابات العشوائية، وترك معدات الجيش والضباط المصابين منه بعد الانسحاب من حلب، دليل واضحة على تفكك الجيش وتهالك معنويات قواته، بالرغم من مزاعم قيادته على أنها تراجعات تكتيكية مؤقتة، كما ورد في بيان وزارة الدفاع السورية بعد سيطرة فصائل المعارضة على محافظة حماة، والأهم من ذلك أن عددًا لا بأس به من قوات الجيش لا ترغب في الدفاع عن نظام أودى بشعبه، كل شعبه، للتهلكة والاقتتال والإفقار، وتشير أيضًا هذه المعطيات إلى ضعف وهشاشة سلطة الأسد وإذعانه الواسع للنفوذ الإيراني والروسي، والفراغ العسكري الذي تركه “حزب الله” بعد انسحاب عدد من قواته إلى لبنان بعد عملية السابع من أكتوبر2023 ، وانسحاب قيادات إيرانية بعد اتفاقات “خفض التصعيد” في إطار عملية “أستانة”.

لن يحارب داعمو الأسد بدلًا عنه، هذا ما صرح به حليفاه الروسي والإيراني، كتصريح مصدر مقرب من الكرملين لـ”بلومبيرغ” أن موسكو “لا تتوقع أي خطة لإنقاذ الأسد ما دام الجيش السوري يترك مواقعه”، وأن تدخلهم سيكون محدودًا ولديهم أولويات أخرى في هذا التوقيت، وتصريح عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني أنه “لا يمكن التنبؤ بمصير الرئيس السوري بشار الأسد”، كما أن إيران أجلت العديد من قادتها العسكريين في سوريا إلى العراق ولبنان واللاذقية، ونقلت بعض ميليشياتها مثل “لواء فاطميون” الأفغاني إلى دمشق واللاذقية، وفسر المحلل الإيراني مهدي رحمتي هذا الإجلاء بأنه: “جاء نتيجة إدراك إيران أنها لا تستطيع القتال كقوة استشارية وداعمة إذا كان الجيش السوري نفسه لا يريد القتال”.

أما إسرائيل التي تسعى وراء أطماعها التوسعية، فتستبيح المنطقة الحدودية السورية المنزوعة السلاح، عبر توغلات عسكرية، ودورات تدريبة استعدادية لجنودها ومجنداتها، وإنشاء مشروع خط ألفا، الذي يهدف لقطع جغرافي بين الجولان المحتل وباقي الأراضي السورية عن طريق حفر وتجهيز خندق كبير، بالإضافة إلى غاراتها الجوية وقصفها المتكرر، ويعتبر قادتها كالرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، تامير هيمان، الذي يقول إن “الأحداث في سوريا تولّد فرصًا أكثر بكثير من المخاطر، وهو أمر من المهم استغلاله”، وهذا ديدن الاحتلال في دعم أنظمة الاستبداد واستغلال هشاشة الدول والانقسامات الداخلية والصراعات وما يطلق عليه بحالات الفوضى المضبوطة (controlled chaos).

حتى الآن، رغم الخطاب الجديد لـ”الجولاني”، وإظهار فصائل المعارضة انضباطًا وقدرة على تجنب الفتن، والاشتباك مع المدنيين، وعدم فرض أيديولوجيتها عليهم بشكل عام، وعلى النساء بتنوعاتهن بشكل خاص، وترك إدارة المدن والمناطق التي سيطرة عليها للمدنيين، فإن تجربتنا على سبيل المثال مع “هيئة تحرير الشام” في مناطق سيطرتها قبل عملية “رد العدوان”، كانت مليئة بالانتهاكات، وعمّ الاستبداد بكل أشكاله فانطلقت مظاهرات شعبية في إدلب تطالب بإسقاط “الجولاني” و”الهيئة”، كما فرضت “الهيئة” قيودًا كبيرة على النساء والفتيات بتنوعاتهن، وحدّت من قدرتهن على الحركة والعمل والناشطية.

أمامنا اليوم، كسوريين وسوريات، تحديات كبيرة في ترجمة توقنا للتحرر من الاستبداد، وفرحتنا الحالية في تبييض السجون وإخراج المعتقلين والمعتقلات، وعودة المهجرين قسرًا إلى مدنهم وبيوتهم، إلى بناء سوريا وطنًا ومواطنة لجميع السوريين، نساء ورجالًا، بكل تنوعاتهم، وأن تكون سوريا موحدة مستقلة في قرارها الوطني ذات سيادة على كامل أراضيها وثرواتها بعيدًا عن هيمنة دول ومشاريع احتلال.

مقالات متعلقة

  1. الهجوم الإيراني في الحسابات العسكرية- السياسية
  2. خامنئي.. من الصبر الاستراتيجي إلى التراجع التكتيكي
  3. التجويع والإذلال ودعوات الإضراب العام
  4. الترقيع الإيراني

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي