تعا تفرج
هل هي خطة أم مؤامرة؟
خطيب بدلة
خروج جماعات إسلامية، جهادية، من شمال غربي سوريا، باتجاه حلب، ثم دخولها مدينة حلب، بسرعة البرق، وانطلاق جماعة أخرى للاستيلاء على سراقب، وخان شيخون، والمعرة، وعشرات البلدات والقرى، وصولًا إلى مشارف مدينة حماة، دون التعرض لمقاومة تُذكر، يدفع إلى المقدمة بسؤال وحيد: هل هذه مؤامرة؟
أنا، محسوبكم، أعترض على مصطلح “مؤامرة” بحد ذاته، فالتآمر يستهدف، عادة، دولًا قوية، منافسة، تشكل خطرًا على الدول المتقدمة، وأما سوريا الضعيفة، المنهكة، المهلهلة، فمَن ذا الذي يتآمر عليها؟ ولماذا؟
التوصيف الدقيق للحالة، أن وضع سوريا، اليوم، يشبه وضع الإمبراطورية العثمانية في أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما اعتبرتها الدول القوية “رجلًا مريضًا”، وأخذت تتسابق لتقاسم تركتها قبل أن تموت.
وقعت إسرائيل ولبنان اتفاق وقف إطلاق النار، الذي كنت قد أطلقت عليه اسم “اتفاق استسلام حزب الله”، في 26 من تشرين الثاني الماضي، وفي اليوم التالي، 27 من تشرين الثاني، انطلقت جيوش “هيئة تحرير الشام”، لتسيد وتميد، وتحرر، وتفتح، ما يعني أن الخطة المتفق عليها كانت مرسومة، ومجهزة، ولم يكن غريبًا أن يصادف وجود بشار الأسد، ليلتها، في موسكو، وأن “تطنش” روسيا والجيش السوري عن العملية، ليخرج علينا إعلاميو الثورة بسردية تبدو مقنعة، مفادها أن الجيش السوري متهالك، غير قادر على مواجهة المجاهدين، والروس منشغلون بحرب أوكرانيا، وعلى كل حال: الله ولي التوفيق.
في آذار 2015، ضب نظام الأسد “كلاكيشه”، وخرج من إدلب، ودخلت محله مجموعة فصائل جهادية عرفت باسم “جيش الفتح”، فهلل الناس وكبروا، وعقدت الدبكات، وبسطت صواني الشعيبيات في الشوارع، وحطم المجاهدون تمثال الطاغية حافظ، واقتحموا الفروع الأمنية، وبعد أقل من ساعتين باشر الطيران بقصف المدينة.. ومر زمن لا يستهان به، حتى عرفنا أن هدف النظام من ذلك الانسحاب السلس، تهيئة إدلب لتلقي العشرات من الباصات الخضر، المحملة بعائلات مجاهدين من ريف دمشق، ضمن خطة النظام لبناء ما أسماه “سوريا المفيدة”.
يتحدث المثقفون، والصحفيون، المؤيدون “ضمنًا” للجولاني وحكومته، باستفاضة، عن التنظيم، والعمران، والمولات التي أنشئت خلال السنوات السابقة، و”يطنشون” عن أفعاله المخجلة، كتطفيش المسيحيين، والاستيلاء على أملاكهم، وتهجير شيعة كفريا والفوعة، مقابل تهجير النظام لبعض السنة، وفرض عشرات القيود على لباس المرأة، وحركتها، وتنفسها، وإطلاق اسم “المكون السني” على المنطقة، وجعلها ملتقى لمختلف صنوف الجهاديين، القادمين من الدول الإسلامية المختلفة، وأما اليوم، فأصبحوا يتحدثون بحماس أكبر، عن أن المجاهدين الذي دخلوا حلب، لم يؤذوا المسيحيين، ولم يفرضوا عليهم الجزية (حتى الآن)، وأن تكسير واجهات محال بيع الخمور في حلب، عمل فردي، ولم يبقَ إلا أن يخبرونا بأن الجولاني رجل علماني ديمقراطي، كان متنكرًا بزي مقاتل في تنظيم “القاعدة”!
بالعودة إلى العملية العسكرية الجهادية، ومحاولة تفسيرها، أرى أن هدفها استكمال عملية اجتثاث الوجود الإيراني في المنطقة، وإخراج سوريا من دائرة النفوذ الإيراني، وأزيدك من القصيد بيتًا، هو أن المآل الأبعد، محاربة الإرهاب، يعني: القضاء على الجولاني نفسه، وحكومته، وجيشه، بعد أن ينجز المطلوب، في ضرب الإيرانيين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :