تاريخ جديد في رياضة سوريا

tag icon ع ع ع

عروة قنواتي

أشعر بالفرح والغبطة، يدي ترتجف وأنا أنسق كلمات المستند وأسطره في زاوية لن تكون كما المعتاد في بوتقة رصد الأخبار وتحليلها، أو لإبداء الرأي في قضايا الملاعب والصالات هنا وهناك.

في هذه الساعات يُكتب لسوريا تاريخ جديد، وخطوات متسارعة بهمة أبناء الشعب السوري نحو تقرير المصير لبلادهم، بعيدًا عن طغمة الإجرام والفساد واحتكار السلطة في البلاد لعقود طويلة من الزمن.

عصابة جعلت كل مرافق ومؤسسات و قلاع و ثروات البلاد مزرعة للقائد وأولاده ومن والاه، آن لها أن تنصرف عن سوريا المتعبة، سوريا التي أُتخمت بالشعارات وبالقضايا والمقايضات على مر 54 عامًا. منذ اليوم الأول في حكم حافظ الأسد للبلاد، تاهت درة الشرق الأوسط في المعادلات والمراهنات، وبدل أن تشهد رقي التطور والتقدم، وإضاءة مجدها وحضارتها في كل المعمورة، شهدت تكميم الأفواه وتكديس الناس في السجون وعلى ممرات الهجرة وأمام الأفران والمؤسسات، شهدت حشرجة الموت في حناجر من حاول الاعتراض والإشارة إلى الأخطاء والجرائم والفساد في كل مفصل من مفاصل حياة هذا المجتمع، ومنها الوسط الرياضي.

ملاعبنا وصالاتنا والمحفل الرياضي السوري الذي شبع من وعود القيادة القطرية لحزب “البعث العربي الاشتراكي” ومكتب الشباب والرياضة فيه، ومنظمة الاتحاد الرياضي العام التي تعيش آخر ساعات عملها ووجودها في أيام الشعب السوري، الملاعب والصالات ومرافق العمل الرياضي التي لم تكن فقط لممارسة الألعاب والمسابقات والدوريات، بل كانت لمناسبات تحية الأب القائد والرفيق المناضل ولأبنائه الفارس القتيل والدكتور المجرم ولغيرهم من زبانية الحكم في البلاد.

الملاعب والصالات التي كانت مرتعًا لخيول القتلة ومرابض مدفعيتهم، وفروعًا احتياطية للتحقيق وللتعذيب بحق أبناء الشعب السوري في ثمانينيات القرن الماضي وفي ثورة العام 2011، لطالما بثت وكالات الأنباء عبر العالم صور هبوط الطائرات المروحية داخل ملاعب درعا وحلب ودمشق وحمص وحماه ودير الزور، لطالما ظهرت صور الميليشيات العسكرية الطائفية من أحزاب دينية في العراق ولبنان مع جيش النظام السوري داخل هذه الملاعب.

لطالما ابتعدت فرقنا ومنتخباتنا وأبطالنا عن المنافسات، وكانت ألقابهم بمستوى الطفرة وبهمة وعناد وإصرار البطل بنفسه، أو بوجود بعض الشخصيات في حقبة ما، تفهم بأن الرياضة أساس المجتمع، لطالما انتظرت جماهير الكرة السورية على أبواب ملاعبها لمتابعة أنديتها كالخراف أمام باب واحد لا يُفتح ولا يُغلق إلا بأمر ودون أدنى مراعاة لمشاعر الجماهير التي من المفترض أنها جاءت كي تتابع وتشجع، وليس ليتم إذلالها أمام الباب وفي بيع البطاقات.

لطالما تصدّر أبناء المقربين من السلطة القرار الرياضي في البلاد، ودارت رحاهم في طحن أبناء الوسط الرياضي كرمى لعيون الضابط الأمني الفلاني والمسؤول العلاني، لطالما ولطالما ولطالما مات أبطال الرياضة السورية في شوارع البلاد بحثًا عن راتب حقير لسد الرمق أو لأدوية تعالج الأمراض والآلام، فكان تجاهلهم أقسى بألف مرة من حالات العوز التي تعرضوا لها في بلاد محكومة بحب القائد والدعاء لحكمته وشكره على الإنجاز، بل والتسبيح بحمده إن تطلب الأمر.

في بلادي يقوم الشعب السوري الآن وأنا أكتب زاوية العدد الرياضية بالدخول إلى مدينة داريا ويقتربون من سجن “صيدنايا” المرعب ومطار “المزة” الذي سيحكي التاريخ يومًا عن كل الذين ماتوا فيه تحت سطوة الاعتقال والتعذيب والتنكيل.

في بلادي الآن وفي هذه الساعة تستعد شوارع الحبيبة سوريا لاستقبال أخبار الحرية من كل مكان، وتتزين الأمهات لاستقبال الأبناء أيًا كانت أيديولوجياتهم وأفكارهم، في سوريا خلال هذه الدقائق تخرج الأندية والصالات والملاعب والبنى التحتية من سطوة المقاومة والممانعة الزائفة لتعود إلى أبنائها التواقين والمشتاقين لوصول جيل رياضي جديد إلى أكبر وأعلى المحافل الدولية.

لربما كان درويش محقًا وهو يقول: “إن أعادوا لك المقاهي القديمة، فمن يعيد لك الرفاق”، في إشارة إلى من سقط على درب تقرير المصير وتحرير الأرض والإنسان، ولكن كلمات أخرى أتمسك بها ومن معي تواسي جرح الزمان الأكبر بفقدان الأعزاء، عندما يعود الوطن للشعب السوري، وعندما تشرق شمس اليوم الجديد دون ظلم واستبداد وقسوة نظام “البعث”.

كلمات سمعناها وحفظناها من أغنية قديمة كانت تُبث عبر التلفزيون الرسمي: “أحن إليك أنداء خيوط الفجر مرشفها، وألحانًا على أوتار هذا القلب أعزفها، ولوعة عاشق في عجزه يحتار واصفها، ترابك طهر من صلى، وماؤك من دمي أغلى، وحبك هدي من ضلَّ، حماك الخالق المولى”.

سوريا.. بيلبقلك العز والحرية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة