عنب بلدي ترصد التفاصيل
السيناريو المفاجئ وخروج النظام ومؤيديه من حلب
حلب – محمد العلي
سادت حالة من الذهول والترقب في الساعات الأولى من صباح الجمعة 29 من تشرين الثاني الماضي، مع توارد الأنباء تباعًا معلنة تقدم قوات المعارضة السورية وسيطرتها على حي تلو آخر ابتداء من حي حلب الجديدة على الأطراف الغربية لحلب، بعد ثلاثة أيام من بدء معارك “ردع العدوان” التي سيطرت قوات “إدارة العمليات العسكرية” إثرها على الريف الغربي للمدينة.
بعد أربع سنوات من الركود الميداني، وغياب أصوات المعارك عن مدينة حلب، عادت التحولات للحضور بشكل غير مسبوق، حيث انسحبت قوات النظام بشكل مفاجئ ودراماتيكي دون سابق إنذار وبطريقة لم يتوقعها أحد.
قوات النظام تركت خلفها من تبقّى من عناصرها، الذين وجدوا أنفسهم تائهين بعد سيل التطمينات التي حاول الإعلام الرسمي والصحفيون الموالون للنظام بثّها على مدار اليوم السابق للهجوم، والتي كانت تؤكد وجود خطوط دفاعية كافية.
مع ساعات المساء، كانت حالة من التخبط والذهول في الشوارع، وهو ما رصده مراسل عنب بلدي في حلب، وسط حيرة السكان في تقرير خطوتهم التالية لا سيما بعد انقطاع طريق حلب- دمشق (M5) الدولي رسميًا، وتحوّل الرحلات الخارجة من حلب إلى طريق خناصر.
وسادت حالة من الهدوء في ساعات الليل، باستثناء أصوات إطلاق أعيرة نارية، تبيّن أن عناصر قوات المعارضة كانت تطلقها في الهواء تعبيرًا عن الفرح بالسيطرة على المدينة.
صباح الجمعة (29 من تشرين الثاني)، كانت الأجواء هادئة بشكل عام في المدينة، لكن حركة المرور كانت ضعيفة إلى حد بعيد، خاصة أن “إدارة العمليات العسكرية” كانت قد أعلنت حظرًا للتجول انتهى عند الثامنة صباح اليوم نفسه.
في هذا التقرير، ترصد عنب بلدي مسار الطريق الذي اتبعه عسكريون لدى النظام السوري ومؤيدون له، ومدنيون حملتهم مخاوفهم للسير فيه، إثر صورة باقية في أذهان قاطني المدينة من “سرقة وقتل ودموية”.
طريق عسير
رحلة الخروج من حلب كانت تقتضي التوجه إلى الجزء الشرقي منها للوصول إلى طريق خناصر، لكن المفاجأة غير السارة كانت وجود قناصين قيل إنهم يتبعون لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عند دوار “الليرمون”، وأدى المرور في المنطقة إلى تعرّض مدنيين للقنص ما أدى إلى سقوط ضحايا ومصابين.
وفق مراسل عنب بلدي، فإن حواجز “هيئة تحرير الشام” داخل المدينة حاولت تطمين المارّة، بينما كانت جثث العسكريين منتشرة في عدد من الشوارع لا سيما عند أوتوستراد الحمدانية، حيث يقع مقر سابق لـ”لواء القدس” الموالي لقوات النظام.
الخطوة الأولى على الطريق، كانت التوجه إلى منطقة السفيرة شرقي حلب، حيث كانت تتجمع عشرات السيارات و”البولمانات”، إضافة إلى توفر البنزين في المنطقة لتزويد السيارات، بينما بادر عدد من الأهالي إلى توزيع المياه ووجبات طعام بسيطة على السيارات العالقة في الزحام.
بعد الخروج من السفيرة، يبدأ الطريق بالاتساع مع تراجع حدة الزحام وصولًا إلى خناصر، والتوجه منها نحو أثريا التي ستكون نقطة فارقة على الطريق الذي كان يعجّ بسيارات عسكرية تحمل جنودًا خارجين من حلب.
كان الطريق مليئًا بمدنيين يقطعون المسافة سيرًا على الأقدام، بعيون تملؤها الحيرة والخوف، فضلًا عن انتشار دبابات وناقلات جند لقوات النظام بقيت فارغة على قارعة الطريق، بعد مغادرة الجنود الذين كانوا داخلها.
في أثريا ستصل المعاناة إلى ذروتها، إذ تجمعت آلاف السيارات على طريق ضيق تحيط بجانبيه أراضٍ ترابية، فبادرت السيارات إلى خوضها لتجاوز الازدحام، لا سيما مع وجود سيارات عسكرية ضخمة تحمل جنودًا ومصابين، وشاحنات كبيرة تحمل بضائع تحتاج إلى طرق واسعة من أجل العبور، ما زاد في عرقلة عبور السيارات المدنية.
رحلة الانتظار امتدت لأكثر من سبع ساعات بالنسبة لمئات السيارات العالقة، فيما انقطعت السبل ببعض السيارات جراء نفاد البنزين أو البطاريات، بينما بلغ سعر ليتر البنزين في أقرب منطقة إلى موقع الازدحام عند حاجز “أثريا” 100 ألف ليرة سورية ليلتها (6 دولارات أمريكية).
وقال بعض العالقين للمراسل، إنهم وصلوا إلى أثريا بعد 21 ساعة من السير على الأقدام قادمين من منازلهم في حلب.
لحظة الخلاص من حاجز “أثريا” شكلت نقطة فارقة في رحلة الخروج، والوصول إلى السعن ومنها إلى سلمية، حيث تم إسعاف المصابين المدنيين والعسكريين، والخروج منها إلى حمص والساحل ودمشق.
عودة بعد تهجير
على الرغم من أن أهالي حلب خاضوا سابقًا تجربة النزوح ومغادرة مدينتهم، فإن سيناريو الخروج بهذه الطريقة لم يكن متوقّعًا، من حيث سرعة التحوّلات الميدانية خلال ساعات، والمفاجأة في انقلاب المشهد دون معارك.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد الأشخاص الذين خرجوا من مدينة حلب بعد دخول الفصائل، وتحدث مسؤولون في حكومة النظام عن تجهيز مراكز استقبال وإيواء مؤقتة في حمص وطرطوس.
في 22 من كانون الأول 2016، خرجت آخر قافلة من محاصري أحياء حلب الشرقية، لتفرغ أحياء هذه المدينة بالكامل من سكانها، وتعود تحت سيطرة النظام السوري، بعد أكثر من أربع سنوات من سيطرة المعارضة المسلحة عليها.
حينها، شكّل خروج السكان من أحياء حلب الشرقية بفعل الاتفاق الذي تمّ مع الروس والإيرانيين أكبر عملية تهجير قسري منظم في سوريا منذ عام 2011، وشكّل ضربة لفصائل المعارضة المسلحة في حلب، والشمال السوري بشكل عام، التي فشلت في كسر الحصار عن الأحياء المحاصرة.
قبل أسبوع، ومنذ دخول الفصائل أحياء حلب، تسلمت حكومة “الإنقاذ” مفاصل المدينة وشؤون إدارتها، وبدأت بإعادة المؤسسات الخدمية إلى العمل، بالترافق مع دعوة الكوادر القديمة للعودة إلى عملها.
كما أعلنت تفعيل أقسام الشرطة والمرور، ونشرت أرقامًا للإبلاغ عن حالات الشكاوى، وقالت إنها نشرت عناصر لحماية مؤسسات الدولة والمرافق العامة.
سيطرة الفصائل على حلب فتحت باب عودة المهجرين من أبناء المدينة إليها، في حين تعود الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، مع ارتفاع في أسعار السلع، وترقب خاصة مع استمرار “ردع العدوان” في كسب مناطق جديدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :