“ردع العدوان”.. رسائل “طمأنة” للداخل والخارج
بالتزامن مع عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية شمال غربي سوريا، وسيطرتها على مساحات واسعة من المنطقة، أصدرت “إدارة العمليات العسكرية” وحكومة “الإنقاذ” في إدلب، بيانات حملت رسائل للداخل والخارج.
البيانات واكبت العملية العسكرية بدءًا من انطلاقها في 27 من تشرين الثاني الماضي، ولا تزال مستمرة مع سيطرة الفصائل على مدينة حلب وعشرات القرى والبلدات في أرياف حلب وحماة وإدلب، وإخراجها من قبضة قوات النظام السوري وميليشيات إيران و”حزب الله” اللبناني بسرعة مفاجئة.
بدت البيانات مختلفة عن السابق، ومغايرة عن الصورة الباقية في الأذهان حول الفصائل “المتشددة”، فكان خطابها “لينًا مرنًا”، يعكس تغييرات تدريجية اتبعتها “هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية في المنطقة، وإحدى أبرز الفصائل المقاتلة في العملية العسكرية.
رسائل لروسيا والعراق
بعد يومين من عملية “ردع العدوان”، وجهت حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب رسالة إلى روسيا، أكدت فيها أن الثورة السورية لم تكن يومًا ضد أي دولة أو شعب، بما في ذلك روسيا، وليست طرفًا بما يجري في الحرب الروسية- الأوكرانية.
“الإنقاذ”، وهي المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”، دعت روسيا إلى عدم ربط المصالح بالنظام السوري، أو شخص بشار الأسد، بل مع الشعب السوري.
وذكرت أن الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا، التي اعتبرتها “شريكًا محتملًا” في بناء مستقبل مشرق لسوريا.
اعتبار روسيا “شريكًا محتملًا” بدا موقفًا مخالفًا لمواقف سابقة لـ”تحرير الشام”، التي اعتبرت، في تموز الماضي، أن أي وجود عسكري روسي على الأراضي السورية قوة احتلال ساندت نظامًا قتل وهجر ملايين السوريين، وأن مقاومتها مشروعة بجميع الوسائل.
في 1 من كانون الأول، أصدرت إدارة الشؤون السياسية في حكومة “الإنقاذ” رسالة إلى الحكومة العراقية، أكدت على أن العلاقة الأخوية والودية راسخة بين الشعبين، السوري والعراقي، وأن الثورة السورية التي انطلقت من أجل الحرية والكرامة تسعى لتحرير الشعب السوري من ظلم “نظام الأسد”.
وقالت “الإنقاذ“، إن الثورة السورية لا تشكل أي تهديد للأمن أو الاستقرار في العراق أو في أي دولة من دول المنطقة.
رسائل للداخل
بالتزامن مع السيطرة على مدن وقرى وبلدات، صدرت عدة بيانات من “إدارة الشؤون السياسية” ومن “إدارة العمليات العسكرية”، منها إلى أهالي بلدتي نبّل والزهراء (غالبية القاطنين فيهما شيعة)، بضرورة حماية ممتلكات المدنيين، ودعوتهم لعدم الوقوف إلى جانب النظام السوري.
وذكرت “الإنقاذ” في بيانها، أن المدنيين في البلدتين يجب أن يكونوا بمنأى عن أي استهداف أو تهديد قائم على الانتماء المذهبي أو العرقي، مع تمنيات ببناء سوريا جديدة “تتسع لجمبع أبنائها ودولة تحترم حقوق الجميع”.
وفي بيان منفصل، طلبت “الإنقاذ” من جميع الفرق الأجنبية والدبلوماسية داخل مدينة حلب، التواصل مع بعض الأرقام لضمان سلامتهم وتأمين مراكز آمنة لهم.
وتوجهت “الإنقاذ” في رسالة إلى الكرد، وقالت إنهم جزء من الهوية السورية المتنوعة، وإن هذا التنوع قوة وليس ضعفًا، مذكّرة بأنها ترفض الممارسات الهمجية التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” سابقًا بحقهم.
ودعت “الإنقاذ” في بيانها اليوم، الاثنين 2 من كانون الأول، الكرد إلى بقائهم في مناطقهم بمدينة حلب، وعدم السماح لأحد بأن يعبث بالنسيج المتكامل، أو أن يعكر صفوة الأخوة والتعاون بين المكونات السورية.
وذكرت أنها تقف مع الكرد ومع جميع مكونات الشعب السوري في بناء سوريا المستقبل التي يسوردها العدالة والكرامة للجميع”.
“الجولاني”: يوم المرحمة
قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني“، ظهر في تسجيل مصور، وهو يوصي المقاتلين عبر اتصال، بـ”الرحمة والرفق واللين بأهلنا في مدينة حلب”، داعيًا أن تكون أولى أولويات المقاتلين حفظ ممتلكات الأهالي وأرواحهم، واستتباب الأمن في المدينة.
وقال، “لا تقطعوا شجرًا ولا تروعوا طفلًا، وهدئوا من روع أهلنا من كافة الطوائف، فإن حلب كانت دائمًا ولا تزال ملتقى للحضارات والثقافات، ولديها تاريخ طويل من التنوع الثقافي والديني وهي تاريخ وحاضر لكل السوريين”.
واعتبر أن يوم السيطرة على حلب هو “يوم المرحمة”، مضيفًا أن “من دخل بيته وأغلق بابه وأمسك عنه لسانه فهو آمن، ومن أعلن انشقاقه عن النظام، ووضع سلاحه وسلّم نفسه للثوار فهو آمن”.
في 1 من كانون الأول الحالي، قال “الجولاني” في بيان منفصل، إن على المقاتلين أن يكونوا قدوة في التسامح والعفو، والإحسان للأسرى، ومعاملتهم بخلق الإسلام.
“تحول في النهج”
لـ”الهيئة” التي نشأت تحت مسمى “جبهة النصرة” مطلع عام 2012، تاريخ “أسود” بالانتهاكات، ولا تزال مدرجة على لوائح “الإرهاب”، ولا يزال “أبو محمد الجولاني” مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، وبمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.
“تحرير الشام” تجردت تدريجيًا وخلال السنوات الماضية من الخطاب المتشدد، وأعلنت انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية، بعد محاربة عدة فصائل، وتفكيك “الجماعات الجهادية”.
الباحث في الجماعات الجهادية عرابي عرابي، قال لعنب بلدي، إن هذه الرسائل تشير إلى تحول في نهج “هيئة تحرير الشام”، حيث تسعى إلى تحسين صورتها محليًا ودوليًا، وذلك من خلال التأكيد على أن الثورة السورية لا تهدد أمن الدول المجاورة، مثل العراق، وأنها ليست موجهة ضد شعوب أو دول بعينها، بما في ذلك روسيا.
واعتبر عرابي أن “تحرير الشام” تسعى لطمأنة هذه الدول، وإظهار استعدادها للتعاون المستقبلي، كما أن الدعوات لحماية القنصليات وضمان سلامة المدنيين والبعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى منع الاستهداف على أساس مذهبي أو عرقي، تعكس محاولة “الهيئة” لتقديم نفسها كـ”كيان مسؤول يسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار”.
ويعتقد الباحث أن هذه التحركات قد تعكس تغييرًا في بنية وفكر “الهيئة”، وربما تكون استجابة للضغوط الداخلية والخارجية، ومحاولة لتصحيح أخطاء الماضي، كما تسعى “تحرير الشام” من خلال هذه البيانات، إلى كسب قبول أوسع محليًا ودوليًا، وتقديم نفسها كطرف يمكن التعامل معه في المستقبل.
هذه البيانات تعكس محاولة من “تحرير الشام” لإعادة تموضعها سياسيًا، وإظهارها كطرف ذي أثر استراتيجي ودائم، وتغييرًا جوهريًا في الفكر والبنية التي أشيعت عنها، والاستفادة من أخطاء الماضي، ومحاولة تصحيحها قد تكون جزءًا من هذا التوجه”، وفق عرابي عرابي.
ومن أبرز الخطابات التي عكست التحرر من فتاوى متجذرة في تاريخ “الهيئة”، حديث “الجولاني” خلال لقاء، في نيسان 2023، حين قال إن سلطة التحريم هي “عند الله فقط”، والسلطة على الأرض لها حق المنع ولها إدارة الحلال والحرام، ولا يمكن اعتبار المحرم إلا بقطعية الدلائل والإثبات.
وأضاف “الجولاني” أن وجود “سيّاف” على باب محكمة أو داعية في الأسواق، هو “تقزيم للشريعة”، حسب وصفه، لافتًا إلى وجود شرطة “آداب عامة” ووزارة داخلية تتعامل مع المخالفات، ولديها تعميمات على المطاعم والمقاهي تضبطها ضمن إطار معيّن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :