في ديوانه الشعري “زهر الرمان”، يحافظ الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي على هويته الشعرية، فلا يستحضر القافية دون غاية أو ضرورة أو مقصد أدبي، لتغيب عن مجمل الديوان، دون أن تفقده موسيقاه.
وإذا كانت قصائد مريد البرغوثي تسلك طريق الشعر الحر وشعر التفعيلة، وهي أصناف حديثة نسبيًا في الشعر العربي، فإن المعنى قديم وراسخ، لكنه متجدد في الوقت نفسه، لا لأن ماضيًا مضى يعيد نفسه في حضرة الشاعر، مقدار ما أن الزمن لم يتزحزح إلى ذلك الحد في بيئة النص، أو خارجها بالمجمل، الواقع العربي والواقع الفلسطيني على وجه الخصوص.
تتكئ قصائد الديوان على بحر من الصور، تحول النص إلى قصيدة تصويرية قابلة للمشاهدة، فهنا رسم للمكان، وهناك رسم لبيئة الحدث، ما يعني إعمالًا أكبر لمخيلة ومشاعر القارئ.
ولعل من أبرز قصائد الديوان واحدة بعنوان “إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا؟”، وهي قصيدة طويلة تقريبًا يعبّر فيها الشاعر عن سخطه تجاه الموت، لا موته هو نفسه، ولكن الموت الذي يضرب كل من يمكن أن يطويهم تحت “نا” الدالة على الفاعلين، فيقول، “تعرّف على غيرنا أيها الموت، ابحث على الفور عمن يجود عليك بمأوى سوانا”.
وفي القصيدة نفسها التي يختلط فيها الخوف بالغضب بالرحمة والشفقة، يتابع مخاطبًا الموت، “سنحزن لو رحت عنا إلى جارة تغزل الصوف في ضوء مصباحها، أو نزلت بعائلة خاصمتنا بلا سبب، أو إذا وقعت قطة في يديك ولم يستمع أحد لاستغاثاتها، سنحزن لو صرت عاصفة تضرب المبحرين إلى اليابسات البعيدة”.
يعتبر مريد البرغوثي أحد أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية، ويمكن تصنيف أدبه ضمن المدرسة الواقعية، وتجمع قصائده بين الهم الوطني والهم القومي، فلا يتوقف عند الخطاب السياسي المباشر ويمضي أبعد إلى الصراع الفلسطيني والشتات الفلسطيني، ما يمنح نصوصه بعدًا يتجاوز المباشرة، مع الحفاظ على إيقاع داخلي للنص بالمجمل.
مريد البرغوثي من مواليد عام 1944 قرب رام الله في الضفة الغربية، درس اللغة الإنجليزية قبل أن يتجه للكتابة ويصدر ديوانه الشعري الأول عام 1972 بعنوان “الطوفان وإعادة التكوين”.
توفي مريد البرغوثي في شباط 2021، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وشعريًا يصل إلى نحو 18 كتابًا يتراوح مضمونها بين الشعر والنثر.