عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أبدت واشنطن قبولها لاحتمال أن يلعب النظام السوري دورًا في قطع طرق إمداد “حزب الله” الموالي لإيران، عبر سوريا، خصوصًا أن إمدادات “الحزب” تشكّل عاملًا أساسيًا في قلق إسرائيل تجاه قبولها وقف إطلاق النار في لبنان.
وقالت واشنطن، في 26 من تشرين الثاني الماضي، إن النظام السوري قد يلعب دورًا في منع عمليات تهريب الأسلحة من إيران لـ”حزب الله”، رغم أنه لم يتخذ أي خطوات في هذا الصدد حتى اليوم.
وجاء في إحاطة صحفية للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، “من الناحية النظرية، من الممكن أن تلعب سوريا دورًا في منع تهريب الأسلحة عبر أراضيها”.
وأضاف خلال إجابته عن أسئلة الصحفيين، “لم نشاهدها تلعب هذا الدور حتى الآن، ولكن نعم، من الممكن أن تلعب هذا الدور”.
التصريحات الأمريكية جاءت في وقت تتكرر فيه الضربات الإسرائيلية على المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية، لإحباط عمليات التهريب نفسها، وتطالب النظام السوري بكبح هذه العمليات.
وسبق أن نشر الجيش الإسرائيلي تسجيلًا مصورًا أوضح عبره، باستخدام الخرائط، آلية حصول “حزب الله” على الأموال، فجزء منها تقدمه إيران عبر سوريا، والآخر عبر جباية الأموال.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، أوضحت إسرائيل عبر قنواتها الرسمية، أنها تستهدف بشكل متكرر الجانب السوري من الحدود مع لبنان، لقطع عمليات إمداد الأسلحة لـ”حزب الله”.
هل النظام قادر
تتغلغل إيران بمختلف القطاعات في سوريا أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، لكن هذا التغلغل يتفاوت أمام نفوذ روسي مضاد، وقطاعات قد تكون أقل أهمية بالنسبة لطهران، في حين أن الممر البري الواصل بين العراق ولبنان عبر سوريا يقع على رأس أولويات طهران، كونه الطريق الواصل بين العراق ولبنان.
ويمتد هذا الطريق من العراق عبر معبر “القائم” الحدودي مرورًا بمدينة البوكمال، حيث تتمركز ميليشيات موالية لإيران بكثافة، ثم محافظات وسط سوريا، وصولًا إلى لبنان.
وفي سوريا، يدير “الأمن العسكري” المعابر الرسمية على الحدود، كما تنتشر نقاطه الأمنية والعسكرية في مناطق حدودية، وبالطرق الرئيسة إلى جانب مجموعات أخرى تُتهم بالتبعية لإيران أيضًا مثل “الفرقة الرابعة”.
يعتقد المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، أن النظام قادر لوحده على لعب دور يسهم في تضيق الخناق على “حزب الله”، لكنه غير قادر على قطع طرق الإمداد بشكل كامل عن “الحزب”.
وأضاف لعنب بلدي أن “حزب الله” يسيطر على جزء كبير من الحدود السورية- اللبنانية على كلا الجانبين، بمعنى أن النظام حتى لو امتلك الإرادة لقطع طرق الإمداد، فهو لا يمتلك الأدوات.
ولفت إلى أنه في حال نشوء تعاون لوجستي واستخباراتي بين النظام والولايات المتحدة، لتحقيق هذا الهدف، فلا توجد شكوك بأن أمريكا قادرة على تزويد النظام بمعلومات حساسة عن أبرز مواقع “حزب الله” ومخازن أسلحته.
واستبعد المحلل أن يشكّل النظام تحالفًا واضحًا ومعلنًا مع قوى غربية للتضييق على “حزب الله”.
من جانبه، يرى الباحث المتخصص بالشأن العسكري في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، أن ما صدر عن الولايات المتحدة يندرج ضمن الاستراتيجية العامة لها، وموقفها من النظام الذي تريد تغيير سلوكه بما يتناسب مع مطالبها.
وأضاف لعنب بلدي أن الولايات المتحدة تبحث عن آليات لوضع حد للنفوذ الإيراني في سوريا، وعدم استخدام الجغرافيا السورية كممر لتزويد وتسليح “حزب الله”، مع العلم أنه بعد حرب تموز 2006، صدر القرار “1680” عن الأمم المتحدة، وطالب سوريا بضبط الحدود وترسيمها مع لبنان، وقد يتم حشد كل ما يتعلق بالحدود بين سوريا ولبنان الآن لضبطها بعد تعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية في الداخل اللبناني.
ولفت إلى أن النظام يحاول المناورة في مسألة ضبط الحدود، وتحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لرئيس النظام، بشار الأسد، دليل على مناورته، وعدم تجاوبه، ودليل على أن إسرائيل لا تريد التضحية به والاستغناء عنه في سوريا.
حوراني قال لعنب بلدي، إن إيران مالت للحفاظ على الأسد التي قبلت عدم إشراكه في “وحدة الساحات” ضد إسرائيل لقاء تأهيله برعاية روسية، وهو ما يستغله النظام.
أين إيران من الطرح
مع حجم النفوذ الإيراني في سوريا، الذي يعتبر الأكبر من حيث انتشار القوات الأجنبية على الأراضي السورية، لا يمكن اعتبار أن عرقلة مصالحها في سوريا ستجري على قدم وساق، دون اعتراض منها.
ولطالما اعتبر طريق إمداد “حزب الله” اللبناني عبر سوريا، انطلاقًا من العراق، إحدى أكثر النقاط الاستراتيجية بالنسبة لطهران، ولم تتخلَّ عنه حتى في أوج العمليات العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” شرقي سوريا.
يعتقد المحلل مروان فرزات، أنه في حال قُطع طريق إمداد “حزب الله” بين سوريا ولبنان، سيصبح “الحزب” معزولًا عن المحور الإيراني بشكل شبه كامل، ما سيضعف دوره في سوريا، وسيفقد إيران أهم ورقة ضغط على النظام السوري نفسه.
وأضاف أن إيران تطوق مع وجود “حزب الله” النظام السوري من الشرق والغرب، لكنها مع زوال “الحزب” ستقتصر ضغوطها على انتشار ميليشياتها في العراق وحسب.
ووفق فرزات، سيحد وجود إيران شرقًا فقط من قوتها وتأثيرها في سوريا، ويمنح النظام المزيد من القدرة على المناورة والحركة واستعادة بعض مناطق النفوذ الذي خسرها لمصلحة الإيرانيين في السنوات الماضية.
ويتطلب استعادة النظام لنفوذه ضوءًا أخضر من روسيا، أو دعمًا أمريكيًا أو عربيًا أو حتى إسرائيليًا، وعندما تتوفر هذه المعطيات أو جزء منها، لن تستطيع إيران قمع تحركات النظام ضدها، وستضطر إلى التعامل معه ببراغماتية للتخفيف من أضراره قدر الإمكان.
ولفت فرزات إلى أن أي خلل ضمن “محور النظام وإيران”، سيؤثر على الوضع الأمني والعسكري على الأرض في حال وجد من يستفيد من هذا الخلل لاستغلاله وملء الفراغ.
الباحث رشيد حوراني، يعتقد من جانبه أن لإيران القدرة على التأثير في النظام، لكن طبيعة العلاقة بين الطرفين، والظروف الإقليمية المجتمعة ضدهما يدفعهما للكمون بشكل مؤقت، على أمل استعادة النشاط بينهما لاحقا، وبالاعتماد على قنوات أخرى تتمثل بالاتفاقيات بين الطرفين، خاصة أن إيران والنظام تجمعهما اتفاقيتان تتعلقان بالدفاع المشترك والتعاون الأمني، ويلزم أحدهما الآخر بالتعاون وفق هذه الاتفاقية.
إيران في سوريا
تتمركز العديد من الميليشيات المدعومة من إيران في محافظات سورية، وتخوض منذ سنوات قتالًا إلى جانب النظام السوري ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة.
ووفق مركز “جسور للدراسات”، شهدت المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا تراجعًا محدودًا في عددها من 570 إلى 529.
ورغم هذا التراجع، ذكر تقرير “جسور” أن إيران لا تزال هي الدولة صاحبة الانتشار العسكري الأكبر في سوريا، مقارنة مع بقية القوى الأجنبية.
وأضاف التقرير أن المواقع الإيرانية في سوريا هي عبارة عن 52 قاعدة عسكرية، إلى جانب 477 نقطة، متوزعة على 117 موقعًا في حلب، و109 بريف دمشق، و77 في دير الزور، و67 في حمص، و28 في حماة، و27 في إدلب، و20 في القنيطرة، و17 في اللاذقية، و16 في درعا، و14 في الرقة، و13 في السويداء، و9 في طرطوس، و8 في الحسكة و7 في دمشق.
وتطلق إيران على ضباط “الحرس الثوري الإيراني” المنتشرين في سوريا لدعم النظام السوري وصف “مستشارين عسكريين”.