عنب بلدي – مجد السالم
“تحلم العروس ببيت خاص بها، لكن الحلم تحول الآن إلى خيمة خاصة بها”، عبارة لخصت بها الشابة هنادي تغير طقوس الزواج وأحلام الفتيات في مخيم “التوينة” شمالي الحسكة.
قالت الشابة (27 عامًا) القاطنة في المخيم، إن الفتيات يفضّلن شراء الذهب خلال فترة الخطوبة، لكن الوضع الآن مختلف كليًا، فبعض العرسان يشترون خاتمًا وحلق ذهب، وآخرون يقتصرون على خاتم فقط، وأغلب الفتيات يتزوجن من دون أي قطعة ذهب.
من أكثر الأمور التي تغيرت في عادات الزواج داخل المخيم، فترة الخطوبة التي تستمر عادة أشهرًا وربما سنوات، يتبادل خلالها الطرفان الهدايا، إذ صارت لأيام فقط وأقل من أسبوع، وفق هنادي.
وبمجرد أن يتفق أهل الشاب والفتاة، يتم العرس خلال أيام معدودة داخل المخيم في إحدى الساحات المفتوحة، وربما يجمع أصدقاء العريس ثمن أجرة إحدى الصالات خارج المخيم كمساعدة للعريس.
فرضت ظروف النزوح في مخيم “التوينة” تغييرات على عادات وطقوس الزواج والخطوبة، وتأثرت المتطلبات التقليدية لها.
واضطرت عائلات قاطنة في المخيم الذي يضم نحو 16 ألف نازح إلى التكيف مع الواقع الذي فرضته الحرب، وسنوات النزوح التي بدأت منذ عام 2019.
تقليص التكاليف.. “أكثر بساطة”
في الوقت الذي يعاني فيه الشباب المستقرون على الأقل في المحافظة من ارتفاع تكاليف الزواج، يبدو الأمر أشد صعوبة داخل المخيم، رغم وجود “تسهيلات”.
قال عمر العليوي (32 عامًا) القاطن في مخيم “التوينة”، إن “الكثير” من الأعراس تحدث بين النازحين في المخيم، لافتًا إلى وجود عديد من الاختلافات في متطلبات العروس.
وأضاف لعنب بلدي أن البيت الذي يجمع العروس مع زوجها أصبح مجرد “خيمة” من قضبان حديد وغطاء عازل، تنصب بالقرب من أهل العريس، فلم يعد هناك منزل وغرف مخصصة للنوم والضيوف ومطبخ وغير ذلك.
وذكر الشاب أن حفل الزفاف صار أكثر بساطة، ويقتصر غالبًا على الأقارب، ويقام في خيمة أو مكان “بسيط جدًا” داخل المخيم، فكلا الطرفين مقتنع بأن الحل في نجاح الزواج ضمن الظروف الحالية هو تقليص تكاليفه إلى أن “تفرج الأمور”.
رغم ذلك، تُعد التكاليف المرتفعة للزفاف من أبرز التحديات التي تواجه الشبان الراغبين في الزواج داخل المخيم، وفق عمر.
تزوج الشاب محمد الحميد (29 عامًا) منذ نحو عام في مخيم “التوينة”، وفق الظروف المتاحة، حيث دفع ثمانية ملايين ليرة سورية (520 دولارًا أمريكيًا) مهرًا لزوجته.
قال محمد لعنب بلدي، إن الشباب يحلمون بحفل زفاف كبير يجمع كل الأصدقاء والأهل، لكن الظروف الحالية لا تسمح بذلك، لذلك أقام احتفالًا صغيرًا في المخيم، وكان أهم شيء بالنسبة له هو زواجه بمن يحب “وتكوين أسرة”.
وذكر الشاب أن المهور تبدأ من 4 و5 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي لشراء كل ما تتمناه العروس، لذلك يضطر ومثله من شباب المخيم لشراء حاجات بسيطة، “القليل من اللباس وأواني المطبخ ومعها مكواة ربما”.
وفق الشابة هنادي، قد “يبتسم الحظ” لبعض الفتيات من المخيم، ويتزوجن خارج المخيم، إما من المدينة أو حتى من شبان يقيمون في دول أوروبية سبق أن لجؤوا إليها، أو دول عربية.
وشهد المخيم العديد من هذه الحالات، وعادة ما يكون العريس في هذه الحالة من أقرباء العروس.
حالات طلاق.. لا خصوصية
على نقيض الزواج، شهد المخيم حالات طلاق متكررة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والضغوط الاجتماعية، وخاصة المشكلات التي تنتج عن تشارك نفس الخيام بين المتزوجين حديثًا وذويهم، إذ يفشل الزواج بعد عدة أشهر.
أحد العاملين في منظمة تنشط بالمخيم (طلب عدم ذكر اسمه والمنظمة كونه غير مخول بالحديث للإعلام)، قال لعنب بلدي، إن العديد من حالات الطلاق بالمخيم تحدث عند المتزوجين حديثًا، جراء خلافات بين الزوجة وأهل العريس.
وأضاف أن أبرزها أسباب اقتصادية، تنتج عنها ضغوط اجتماعية، وكذلك بسبب غياب الخصوصية في ظروف العيش ضمن الخيام، وهي من العوامل المهمة المسببة للطلاق.
كعامل في منظمة، ذكر أن المنظمات يمكن أن تقدم للمتزوجين بشكل عام جلسات النصح والتوعية والإرشاد، وتسجيل المتزوجين حديثًا على أي جداول للمساعدات أو السلال الغذائية بعد استخراجهم دفاتر العائلة.
ويضم مخيم “التوينة” الذي تديره “الإدارة الذاتية” نحو 16 ألف نازح ينحدرون من مناطق رأس العين وريفها، وكذلك من قرى ريف تل تمر، ويقع على بعد 13 كيلومترًا شمال غربي الحسكة.
ويعيش النازحون في المخيم أزمات متتالية ومتجددة بتغير الفصول، وذلك منذ نزوحهم بعد عملية “نبع السلام” عام 2019، التي نفذها “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي في مدينتي رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة.
في مخيمات الشمال
التغير في طقوس الخطوبة والزواج فرض نفسه في مخيمات شمال غربي سوريا، هناك حيث يقطنها مليونا شخص، في ظروف متردية اقتصاديًا ومعيشيًا.
وبمعدل وسطي، تتراوح المهور في الشمال السوري بين 500 و3000 دولار أمريكي، وتختلف بحسب الوضع المادي للعائلة، في حين تتداول حالات على مواقع التواصل بأن المهر مبلغ رمزي أو قرآن.
ورغم ظروف الحرب والتهجير، لا تزال عائلات في الشمال السوري تحافظ على عادات وطقوس الفرح المتوارثة، وتتكبد عناء السفر لمسافات بعيدة لأجل حضور مناسبة فرح لأحد الأقارب أو الأصدقاء.
وأشرفت منظمات عاملة في المنطقة على تنظيم ورعاية حفلات زواج جماعية، منها تزويج 60 شابًا، وبلغت تكلفة العريس الواحد نحو 1200 دولار أمريكي، شملت تجهيزات وأثاث المنزل وحفل الزفاف.
وتقيم بعض العائلات حفلات متواضعة “على قد الحال”، لتجاوز هموم راكمتها سنوات الحرب، وخلق جو فرح وألفة وسعادة حتى لو كانت مؤقتة، لتبقي لحظات سعيدة خالدة في ذاكرة الأشخاص.