تحلّق في سماء أرياف إدلب وحلب الغربي الخاضعة لمناطق سيطرة المعارضة، تنقل عبر كاميرتها تحركات المدنيين لقائدها في غرفة العمليات، الذي ينتقي بدوره الهدف سواء كانت سيارة مدنية أو تجمعًا لمدنيين ثم يوجه مسيّرته “الانتحارية” لاستهدافه.
تتلقى المسيّرة الأوامر وتنقض على أهداف مدنية وأحيانًا عسكرية، مشهد ألفه الأهالي في شمال غربي سوريا لمسيّرات قوات النظام “الانتحارية” التي حصدت العديد من أرواح أقاربهم، إلا أنه اختلف مع بروز “كتائب شاهين” التي تولت استهداف منصات إطلاق تلك المسيّرات.
الأربعاء 27 من تشرين الثاني، تحول المشهد خلال العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة تحت اسم “ردع العدوان”، من استهداف النظام لمنازل المدنيين، إلى اصطياد مسيّرات “انتحارية” تابعة لفصائل المعارضة عربات قوات النظام العسكرية ونقاطها التي استخدمتها لإطلاق المسيّرات.
“كتائب شاهين”
“إدارة العمليات العسكرية” نشرت في اليوم الأول من المعركة، الأربعاء 27 من تشرين الثاني، مقطعًا مصورًا لما سمته “كتائب شاهين” المسؤولة عن استخدام سلاح المسيّرات خلال العملية، وهذه أول مرة تعلن فيها الفصائل العاملة في إدلب بشكل رسمي عن استخدامها الطائرات دون طيار (المسيّرات) في أعمال عسكرية هجومية، غير الرصد.
المقطع أظهر أنواعًا مختلفة من المسيّرات، منها ما يطلق بدفع أولي من قبل شخص، بنفس طريقة المسيّرات المصنعة التي استخدمها تنظيم “الدولة الإسلامية” سابقًا.
مسيّرات أخرى أطلقت من منصة لم يُعرف نوعها بعد إن كانت مصنعة محليًا أو تم شراؤها من الخارج، وهناك نوع آخر معروف من حيث الشكل، وهو المسيّرات ذات الأربع مراوح، إلى جانب مسيّرات محلية الصنع طورتها على مدار سنوات فصائل “غرفة عمليات الفتح المبين”.
وزودت المسيّرات بذخائر، غالبًا تكون عبارة عن قنابل (محلية الصنع أو غيرها) أو قذائف من أنواع مختلفة خفيفة الوزن كي تستطيع المسيّرة حملها والوصول إلى الهدف.
مقطع مصور آخر نشره حساب “أخبار الفتح المبين” على “تلجرام“، أظهر الضربات التي نفذها عناصر الكتيبة بطائراتهم المسيّرة.
الضربات الظاهرة في المقطع المصوّر جميعها استخدمت فيها مسيّرات “انتحارية”، استهدفت خلال العملية دبابات لقوات النظام داخل مخابئها أو جنود النظام.
“الفتح المبين”، هي غرفة العمليات التي تدير العمليات العسكرية في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ”، وتضم عدة فصائل عسكرية أكبرها “هيئة تحرير الشام” إلى جانب “الجبهة الوطنية للتحرير” و”جيش العزة” وجيش النصر.
وتشارك إلى جانب “الفتح المبين” عدة فصائل من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في عملية “ردع العدوان”.
اقرأ أيضًا: ما قدرات فصائل المعارضة السورية في مجال الطائرات المسيّرة
اهتمام بسلاح المسيّرات
الفصائل العسكرية في شمال غربي سوريا سواء في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، أو “غرفة عمليات الفتح المبين”، زادت من اهتمامها باستخدام المسيّرات في عمليات هجومية تتضمن إلقاء قنابل على عربات عسكرية أو تحصينات، وأيضًا استخدام المسيرات “الانتحارية”.
الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، قال إن المسيرات تطورت وزادت وتيرة استخدامها، وصارت تعتبر من أدوات الردع والتثبيت، وهجماتها على مواقع متقدمة تسبب خللًا استراتيجيًا بالمنطقة المستهدفة، وبالتالي تقل قوة وتشل النقاط.
وأوضح الباحث لعنب بلدي في حديث سابق، أن استخدام المسيرات العسكرية يجب أن يكون ضمن سياق معركة على الأرض، ولا يمكن استخدام المسيرات الموجودة حاليًا لدى فصائل المعارضة كأداة هجوم، إلا إذا اعتبرت كسلاح إسناد للعمل البري، وهو ما تفعله حاليًا الفصائل في المعركة.
فصائل المعارضة تستخدم المسيرات بضرب مواقع تحصين متقدمة لتفريغها، وهي ليست أسلحة هجومية ولا دفاعية أيضًا، وإنما تعتبر حاليًا تكتيكية (أسلوب تكتيكي) لتثبيت وتأمين خطوط ومحاور معينة، وفق شعبان.
اقرأ أيضًا: تكتيكات عسكرية لمواجهة المسيّرات في الشمال السوري
سلاح متنوع
استخدمت الفصائل المشاركة في العملية أنواعًا مختلفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة (دبابات، مدفعية، راجمات صواريخ) والمتوسطة، من بينها رشاسات مضادة للطائرات من عيار 14.5 و23 ملمترًا، إلى جانب قناصات من أنواع مختلفة تملكها سابقًا الفصائل، أحد أنواعها محلي الصنع، بحسب ما رصدته عنب بلدي على معرفات الفصائل.
وشاركت “سرايا القتال الليلي” لاحقًا في العمليات، وهي عبارة عن مجموعات مدربة للمشاركة بالعمليات العسكرية الليلية ومزودة بأسلحة مناسبة لطبيعة هذه المعارك.
سيطرت الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان” اليوم، الخميس 28 من تشرين الثاني، حتى لحظة إعداد التقرير، على قرى وبلدات أرناز وكفربسين وبسرطون والشيخ علي ومعمل الزيت وريف المهندسين الثاني، مع استمرار تمشيط المناطق المحيطة لضمان تأمينها بالكامل وطرد الميليشيات الإيرانية من المنطقة.
وذكر المتحدث باسم “إدارة العمليات العسكرية”، المقدم حسن عبد الغني، أن الفصائل العسكرية نفذت اليوم ضربة استباقية جديدة في ريف إدلب الشرقي، مشيرًا إلى “انهيار” تحصينات قوات النظام والميليشيات الرديفة.
العمليات في ريف إدلب الشرقي أفضت إلى سيطرة الفصائل على قرية داديخ وتلتها بريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وكانت فصائل المعارضة سيطرت، الأربعاء، على قرى وبلدات بريف حلب وطردت قوات النظام والميليشيات الرديفة، بعد ساعات من إطلاقها عملية “ردع العدوان”.
وبلغ عدد النقاط التي سيطرت الفصائل عليها 16 نقطة ما بين قرية وبلدة وقطعة عسكرية إلى جانب “الفوج 46”.
البلدات والقرى هي عينجارة وقبتان الجبل والشيخ عقيل وبالا وحيردركل والسلوم وجمعية المعري والقاسمية وكفربسين وحور وعاجل وأورم الصغرى والهوتة، وجمعية السعدية وأورم الكبرى.
كما أعلنت استحواذها على خمس دبابات وعربة “BMP” ومستودع صواريخ من نوع “كورنيت”.
وبلغ عدد أسرى النظام خلال العملية 20 عنصرًا، بينهم اثنان من الميليشيات الإيرانية.