تَرِكَة ترامب وترقب سياساته القادمة
لمى قنوت
عزز فوز ترامب واختياراته للفريق الذي سيرافقه خلال السنوات الأربع المقبلة، قلق الحلفاء وتوجس الخصوم والأعداء، وهو فوز سيدعم تصاعد وانتشار اليمين المتطرف في العالم الذي يحكم أو يشارك في الحكم، كما حصل بعد فوزه في الانتخابات عام 2017.
وعلى عكس رئاسته السابقة، فإنه في هذه الدورة يتمتع بمساحة مريحة بعد سيطرة الجمهوريين على أغلبية مجلسي النواب والشيوخ. وباستثناء برنامجه لليوم الأول بعد تنصيبه، الذي أَطلَق عليه “دكتاتورية اليوم الأول“، وبعيدًا عن تصريحاته الغوغائية عن نيته في نشر السلام والسعادة في المنطقة ورغبته في توسيع رقعة الأرض التي يهيمن عليها الاحتلال الإسرائيلي ودعمه غير المشروط له وتأكيده حق إسرائيل في “الفوز في حربها”، لم يعلن ترامب بعد عن تفاصيل سياساته الخارجية للمنطقة.
ورغم التغيرات التي شهدتها المنطقة بعد نهاية ولايته الأولى في عام 2020، فإن عرضًا سريعًا لبعض محطات سياسته قد تُنبِئنا بالمنحى الذي ستتجه نحوه إدارته في قادم الأيام، فعلى صعيد دعم الاحتلال الإسرائيلي وتوسعه الاحتلالي: لقد قرر ترامب الاعتراف رسميًا بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها في كانون الأول 2017، ووصف الرؤساء السابقين لعهده، بأنهم افتقدوا الشجاعة لأنهم أجلوا نقلها مدة 20 عامًا، أي منذ اعتماد الكونجرس قانون سفارة القدس في عام 1995، ذلك القانون الذي حث الحكومة الفيدرالية على نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للاحتلال.
وفي مطلع عام 2018، شنت إدارة ترامب حربًا تدريجية ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بدأت بتخفيض حجم الدعم السنوي الأمريكي بنحو الثلثين، وقدمت فعليًا السدس منه، ومارس جاريد كوشنر، مستشاره وصهره، ضغطًا على آخرين في الإدارة الأمريكية للتضييق على الوكالة، إلى أن أعلنت إدارة ترامب قطع التمويل كليًا عنها في 31 من آب 2018. وترافق القرار مع حجب مساعدات طبية وإغاثية وتنموية للضفة الغربية وقطاع غزة بقيمة 200 مليون دولار.
زعمت إدارة ترامب بأن استمرار “أونروا” يسهم في “استدامة الصراع”، وأن حق العودة الذي أقره مجلس الأمن (رقم 194)، الصادر في 11 من كانون الأول 1948 يتناقض مع “يهودية” إسرائيل، وأن تعريف الأمم المتحدة للاجئ الفلسطيني الذي ينسحب على الأبناء والأحفاد، من الأصول إلى الفروع، حتى ولو كانوا يحملون جنسية أخرى أو لا يحملونها، يمثل عقبة أمام “السلام”، بينما طالبت إدارة ترامب “أونروا” بحصر اعتبار اللاجئ في من تبقى من الجيل الذي عاش النكبة، وهم عشر المسجلين في “أونروا”، أي نصف مليون لاجئ ولاجئة، وطالبت إدارته بنقل مسؤوليتهم إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واعتبرت أن “أونروا” تعاني “عطبًا لا يمكن إصلاحه“.
وعلى صعيد ما يسمى بـ”صفقة القرن” التي أعلن فيها ترامب ونتنياهو عن تفاصيل رؤيتهما لـ”السلام” في كانون الأول 2020، التي تتضمن ضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن، وإنهاء قضية اللاجئين واللاجئات خارج فلسطين، أي عمليًا، التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، وإلحاق الضفّة الغربية بإسرائيل، وإثرها قطعت السلطة الفلسطينية، بالرغم من ممارستها دور الوكيل الاستعماري عبر تنسيقها الأمني مع الاحتلال، علاقاتها معه ومع أمريكا، وصرحت الخارجية الفلسطينية بأن الإدارة الأمريكية لن تجد فلسطينيًا واحدًا يقبل بهذا المشروع.
وفي عام 2019، اعترف ترامب بسلطة إسرائيل على الجولان السوري الذي احتلته في عام 1967 وضمته في 1981، مخالفة في ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم “497” لعام 1981 بشأن بُطلان قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها عليه.
وعلى صعيد أحقية الولايات المتحدة بنهب نفط العراق بعد احتلاله، فقد عبر ترامب مرارًا عن الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة حين خرجت من العراق لأنها لم تستمر في سيطرتها على نفطه كغنيمة حرب، في حين أنه كان بإمكانها تكوين ثروة بدل إنفاقها ستة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، وبلدهم، أي الولايات المتحدة، تنهار، بين طرقات وجسور ومدارس تتداعى، وحاجج بأن هذا الخطأ استفادت منه “داعش” لتمويل نفسها، ووصف ترامب من انتقد رأيه حول نهب النفط العراقي، باعتباره يمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي ولقوانين الحرب، بأنهم حمقى. وينسحب هذا المنطق على نفط سوريا واحتلال جزء من أراضيها.
موقف ترامب وإدارته من المحكمة الجنائية الدولية وفرضه عقوبات على موظفيها في عام 2020، بسبب تحقيق أولي خَلص إلى وجود أسباب تدفع للاعتقاد بارتكاب القوات الأمريكية جرائم حرب في أفغانستان، جاءت منسجمة مع قانون “حماية العسكريين الأمريكيين” الذي وقع عليه الرئيس السابق جورج بوش الابن في 3 من آب 2002، والذي يعرَف بـ”قانون غزو لاهاي” لأنه يعطي الولايات المتحدة صلاحية استخدام القوة العسكرية لتحرير أي أمريكي أو مواطن من دولة حليفة للولايات المتحدة محتجز أو معتقل بأمر من المحكمة الجنائية الدولية أينما كان.
وما ترهيب المحكمة ورئيسها وموظفيها والدول المصدقة على ميثاق روما الأساسي، والملتزمة بتعهداتها، بعد أن أصدرت مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير جيشه المُقَال يوآف غالانت إلا اتساق مع المعايير المزدوجة التي تنتهجها أمريكا وتدميرها لما تبقى من القانون الدولي. وعليه فإن السنوات الأربع المقبلة من حكم ترامب ستحمل المزيد من وسائل الإكراه العسكرية والاقتصادية حتى لبعض حلفاء الولايات المتحدة في الشمال العالمي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :