خطيب بدلة
كنت أتحدث عن الثورة، التي أصبحت طائفية، فانبرى لي أحد الأشخاص، وقال لي، كما لو أنه ضبطني بالجرم المشهود: أنت تناقض نفسك، ألم تكن مشاركًا في الثورة، وفي المعارضة؟
الجواب: بلى، شاركت، ولكن، على قولة المثل، حسابات السوق لا تطبق على الصندوق، ويبدو أن مَن كان أديبًا مثقفًا، مثلي، لا يخلو من غفلة، وسذاجة، أو مثالية تجعله يفكر بالوطن، والحرية، والمستقبل، وعندما يصبح في قلب المعمعة، لا بد أن يصحو، ليكتشف أن الواقع يختلف عن تفكيره.
بعد انطلاق الثورة، في أوائل 2011، وتسلحها، في أواخر العام نفسه، أصبحنا نعيش الطائفية على أرض الواقع، فذات يوم، اختطفت مجموعة مسلحة، محسوبة على الثورة، شابًا من قرية كفتين (الدرزية)، اسمه سومر، وسعيت أنا لتحريره وإعادته لذويه، ولكنني لم أتمكن من معرفة المجموعة التي خطفته، وبعد أيام أخبرني أهله أنهم وجدوا جثته مرمية على الطريق المؤدي إلى بلدة حارم. يومها، وخلال وجودي في كفتين، أؤدي واجب التعزية، همست لأحد أصدقائي: إذا كانت “الثورة” ستقتل الناس استنادًا إلى انتمائهم الديني أو المذهبي، فسأنسحب منها.
لم أكن جادًا، بالطبع، فدخول الحمام، على قولة المثل، ليس كالخروج منه، وبقيت منخرطًا في الثورة، ولكنني، خلال تلك الأيام العصيبة، غيرت منهجي (الثوري)، فبدلًا من التظاهر، والاعتصام، ومقارعة النظام الدكتاتوري المجرم، صرت أشتغل على إطفاء الحرائق التي كانت تشتعل بسبب الحقد الطائفي الهائل، فكان أن حررت، بالتعاون مع الأخ راغب دخان، طالبًا علويًا وقع في يد إحدى الجماعات، وحاولنا تحرير ابن عمي فراس بدلة، الذي اتهم بالتعامل مع النظام، وانتهت محاولتنا بالعثور على جثته مرمية بالقرب من قرية منطف. وكان نصيب أهل كفرية والفوعة، الشيعيتين، أعلى كثيرًا من نصيب أبناء المكونات الأخرى، ومن أطرف ما مر معنا، أن قائد إحدى الجماعات الإسلامية المسلحة، اختطف مهندسًا من قرية كفرية، وحقق معه، كما تحقق فروع أمن النظام مع المواطنين الغلبانين، وتبين له أنه بريء، فأطلق سراحه، ولكنه احتفظ بسيارته الخاصة، معتبرًا إياها غنيمة حرب!
لا أريد أن أغرق حضراتكم بالتفاصيل، فهذا المكان الذي أصبح يحمل اسم “المحرر”، صار مرتعًا للطائفية، وبعد اتفاقية المدن الأربع، 2018، غادر أبناء الطائفية الشيعية المنطقة، والجماعات الجهادية التي حملت اسم “جيش الفتح”، طردت المسيحيين من مدينة إدلب، واعتبرت أملاكهم غنائم حربية، ورغم أن هذه الجماعات كانت معادية لـ”الائتلاف”، فإن أعضاء “الائتلاف”، ذوي الصبغة الطائفية، كانوا يدخلون ويخرجون، ويلاقون كل الاحترام، وقد جذبت المنطقة معظم الطائفيين السوريين، والعرب، والأجانب، ولعبت للإعلامي أحمد موفق زيدان حمامة السعد، فأصبح مقربًا من الجولاني، وهو الذي قدم اقتراحين بالغي التعبير عن التعصب الطائفي، الأول، تسمية كلية العلوم السياسية في إدلب، باسم أبي محمد الجولاني، والثاني، إطلاق اسم “المكوّن السني” على هذه المنطقة.
قد يسأل سائل: والنظام، أليس طائفيًا؟ جوابي: أن النظام سلطوي، دكتاتوري، دموي، ولكنه ليس طائفيًا، ولو فرضنا، جدلًا، أنه طائفي، هل يعقل أن نكون، نحن الثائرين عليه، مثله؟