غير معلنة وتدريجية
“الإدارة الذاتية” تطلق انتخابات خارج “الحزام الأمني” التركي
عنب بلدي – هاني كرزي
بعد تأجيل لثلاث مرات قبل أشهر، بدأت “الإدارة الذاتية” إجراء انتخابات محلية في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، دون أي إعلان رسمي، ما يفتح بابًا للتساؤل حول دوافع إجراء تلك الانتخابات بعد سلسلة من التأجيلات، وكيف ستكون تداعيات تلك الخطوة.
“الإدارة الذاتية” بدأت انتخاباتها في 14 من تشرين الثاني الحالي بمدينة الرقة وريفها، وبعد الانتهاء منها أطلقت انتخابات أخرى في ريف دير الزور، استمرت يومي 18 و19 من الشهر الحالي، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي.
إجراء الانتخابات سبقه ترويج لها من قبل “الإدارة الذاتية” عبر المجالس المحلية وبين الموظفين والعاملين، دون إعلان رسمي.
كما عقدت المجالس المحلية و”الكومينات” (المخاتير) اجتماعات مع الأهالي لإقناعهم بانتخاب مرشحين من حزب “سوريا المستقبل” الذي دخل الانتخابات مع أحزاب أخرى تحت اسم “تحالف الشعوب”، ويضم أحزاب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) و”حداثة” و”تجمع نساء زنوبيا”، وفق ما ذكر مراسل عنب بلدي.
مصدر مسؤول في “مجلس هجين المحلي” بريف دير الزور التابع لـ”الإدارة الذاتية””، قال لعنب بلدي، إن “الإدارة” عقدت اجتماعات عرضت فيها أسماء مرشحين لانتخابات البلدية ينتمي معظمها لحزب “سوريا المستقبل”.
وأضاف المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه، كونه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، أن الانتخابات في دير الزور جرت على مرحلتين، الأولى شارك فيها العسكريون في 18 من تشرين الثاني الحالي، والثانية للمدنيين في 19 من الشهر ذاته.
وقالت شبكة “نداء الفرات” المحلية، إن قائمة المرشحين “المستقلين” ضمت أسماء عدد من موظفي “الإدارة الذاتية” من أبناء المنطقة، مشيرة إلى أن هؤلاء المرشحين هم عبارة عن أسماء “شكلية فقط”.
ولم تتلقَ عنب بلدي إجابات من مسؤولين في “الإدارة الذاتية” بشأن إطلاق انتخابات البلديات.
في “مقاطعتين” فقط
من خلال رصد عنب بلدي المناطق التي أجرت فيها “الإدارة الذاتية” انتخاباتها المحلية حتى الآن، تبين أنها جرت في “مقاطعة دير الزور” و”مقاطعة الرقة” فقط، بينما ليس من الواضح فيما إذا كانت ستجري الانتخابات في باقي “المقاطعات” التابعة لها.
كانت “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا أصدرت، في أيار الماضي، “قانون التقسيمات الإدارية“، تمهيدًا لانتخابات البلديات في المنطقة التي كانت تنوي إجراءها في تلك الفترة قبل أن تقرر تأجيلها.
وتقسّم “الإدارة الذاتية” مناطق سيطرتها إداريًا إلى “مقاطعات” متجاهلة التقسيم الإداري الأصلي للمحافظات السورية في المنطقة.
وبموجب قانون “التقسيمات الإدارية” الذي حمل الرقم “6”، تتشكل “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا من سبع مقاطعات هي: الجزيرة، دير الزور، الرقة، الفرات، منبج، عفرين والشهباء، الطبقة.
وتضم “مقاطعة الجزيرة” مدن الحسكة والقامشلي والشدادي وتل تمر وعامودا والقحطانية وتل حميس، و”مقاطعة دير الزور” مدن وبلدات الكسرة والجزرات والصور والبصيرة وهجين والباغوز وغرانيج.
أما “المقاطعة” الثالثة الرقة فتضم مدن الرقة والكرامة والحوس وحزيمة، و”المقاطعة” الرابعة الفرات تضم عين العرب وعين عيسى وصرين، إلى جانب تل أبيض الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني”، و”المقاطعة” الخامسة منبج وتضم مدن منبج وأبو قلقل والمحترق.
“المقاطعة” السادسة عفرين والشهباء وتضم عفرين ونواحيها وهي خارج سيطرة “الإدارة الذاتية” باستثناء الريف الجنوبي وتل رفعت، أما “المقاطعة” السابعة الطبقة فتضم مدن الطبقة والمنصورة والجرنية.
وقال الباحث في مركز “رامان للبحوث والاستشارات” بدر ملا رشيد، لعنب بلدي، إن مناطق الرقة ودير الزور شهدت معارضة محلية للمجالس والبلديات التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، كونه جرى تعيينها في مرحلة ما بعد تنظيم “الدولة”.
وأضاف رشيد أن تعيين كوادر المجالس المحلية والبلديات لم يجرِ بناء على انتخابات محلية أو توافق مجتمعي واسع، ما أدى إلى حدوث إشكاليات ناتجة عن عدم توافق بين البيئة المحلية وممثليهم الإداريين والعسكريين، لهذا أقامت “الإدارة الذاتية” انتخابات في الرقة ودير الزور في محاولة لإرضاء هذه التجمعات المحلية.
وتابع الباحث أن “الإدارة الذاتية” رغبت في إجراء الانتخابات بالمناطق ذات الغالبية العربية كالرقة ودير الزور، لأنها تصر على ضرورة التمثيل العادل، إلى جانب عدم وجود توافق في المناطق الكردية، بالإضافة إلى تجنب الضغوط واحتمالية حدوث عملية عسكرية من جانب تركيا في حال تنظيم “الإدارة الذاتية” انتخابات شاملة تضفي مشروعية سياسية متكاملة على كيانها
تجنب “الحزام الأمني” التركي
الانتخابات التي أجرتها “الإدارة الذاتية” حتى الآن في “مقاطعتي” دير الزور والرقة، يمكن اعتبار أنها جرت خارج “الحزام الأمني” الذي تخطط تركيا للسيطرة عليه وتعتبره خطًا أحمر بالنسبة لها.
“الحزام الأمني” طالبت به تركيا منذ بداية الثورة السورية، ويمتد من الحدود التركية إلى عمق 30-40 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
وفي تشرين الأول عام 2019، أطلقت تركيا عملية “نبع السلام”، وسيطرت خلالها على جزء من هذا الحزام، يتمثل في منطقتي رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة قرب الحدود السورية- التركية.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عاد للتأكيد على “الحزام الأمني” عقب فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية.
ونقلت صحيفة “حرييت” التركية تصريحات للرئيس التركي قال فيها، إن أنقرة لا تزال مصممة على سياستها المتمثلة في إنشاء ممر أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا على طول حدودها الجنوبية.
ويرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، أن “الإدارة الذاتية” قامت بتفويض كل منطقة لتحديد موعد للانتخابات المحلية على حدة، ودون أي تغطية إعلامية، لتجنب الاستهداف التركي لهذه العملية.
وأضاف شواخ لعنب بلدي، أن “الإدارة الذاتية” اتبعت تكتيكًا محددًا لإجراء الانتخابات، حيث بدأت في الرقة ودير الزور، ولاحقًا ستكون غالبًا في منبج والطبقة، ومن ثم الحسكة وبقية المناطق القريبة من الحدود السورية- التركية.
وفسّر شواخ سير الانتخابات بهذا الترتيب، بأن “الإدارة الذاتية” تعمدت أن تبدأ انتخاباتها في المناطق ذات الأغلبية العربية، وبنفس الوقت بدأت بالمناطق التي تقع جنوب طريق “M4″، أي خارج “الحزام الأمني” التركي، إذ إن تلك المناطق عادة تكون خارج نطاق نشاط الطيران المسيّر التركي أو الطيران الحربي أو المدفعية.
أما باقي المناطق التي تقع داخل “الحزام الأمني” التركي كالقامشلي وعين العرب، فربما تُجري “الإدارة الذاتية” فيها الانتخابات على عجل، لتجنب أي استهداف عسكري تركي أو ضغط دولي، وفق شواخ.
تكتيك جديد
“الإدارة الذاتية” أجلت انتخابات البلديات ثلاث مرات، الأولى في نهاية أيار الماضي، والثانية في حزيران، خرج عقبها رئيس حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، صالح مسلم، متحدثًا عن تمسك “الإدارة” بإجراء الانتخابات في آب، لكن ذلك لم يحدث.
في 5 من أيلول الماضي، أعلنت “الإدارة الذاتية” عن بدء التحضيرات لإجراء انتخابات البلديات في مناطق سيطرتها، بعد أكثر من أربعة أشهر على تأجيلها لأول مرة.
وأصدرت “الإدارة” القراررقم “7“، قالت فيه إنها فوّضت الهيئة العليا للانتخابات التابعة لها لبدء العمل على إجراء انتخابات البلديات.
ولم يحدد القرار موعد الانتخابات، لكنه أشار إلى أن الانتخابات ستجري في وقت تراه الهيئة العليا مناسبًا، بحسب وضع كل “مقاطعة” على حدة.
وفي هذا السياق، قال الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، إن “الإدارة الذاتية” وضعت نفسها في مأزق حين أعلنت عن انتخابات، حيث لم تكن تتوقع رد الفعل التركي العنيف هذا، لذلك كانت أمام خيارين، إما أن تلغي الانتخابات، ما يضع المنطقة كلها تحت الإرادة التركية، وبالتالي أي استحقاقات مقبلة قد تعلن “الإدارة الذاتية” عنها ستتوقف إذا ما كان هناك رفض تركي.
أما الخيار الآخر فكان إجراء الانتخابات وتحدي الرغبة التركية والأمريكية بعدم إجرائها، وبالتالي إعطاء ذريعة قوية لتركيا للقيام بعمل عسكري في تلك المنطقة.
وأمام هذا الواقع قال شيخ علي لعنب بلدي، إن “الإدارة الذاتية” لجأت إلى تكتيك جديد، يتمثل في عدم إلغاء الانتخابات ولا إجرائها بشكل علني وفي كل المناطق بنفس الوقت، وإنما قامت بإجراء الانتخابات بشكل غير معلن، وتركت الخيار لكل منطقة حسب الظروف المناسبة لها.
وأضاف شيخ علي أن “الإدارة الذاتية” بدأت الانتخابات في الرقة كنوع من جس النبض، ثم أجرتها في دير الزور، وعقب ذلك ستقوم بعملية مراقبة لردود الفعل الدولية، وفي حال وجدت أنها لم تواجه ضغوطًا كبيرة خاصة من تركيا وأمريكا، ستُجري الانتخابات في بقية مناطقها، ولكن بنفس التكتيك الذي اتبعته في الرقة ودير الزور.
ردود فعل متوقعة
بعد أيام على تأجيل الانتخابات للمرة الأولى في أيار الماضي، علّقت الولايات المتحدة الأمريكية (وهي الداعم الرئيس لـ”الإدارة الذاتية”) على الانتخابات، إذ قالت إن ظروف “الأزمة” في سوريا غير مواتية لإجراء انتخابات شمال شرقي سوريا في الوقت الراهن.
ومع التأجيل الثاني في حزيران، حملت ألمانيا الموقف نفسه على لسان المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، إذ قال عبر “إكس”، إن إجراء انتخابات في سوريا بالوقت الراهن لن يؤدي إلى دفع العملية السياسية إلى الأمام، بل إلى ترسيخ الوضع الراهن المتمثل في الصراع والانقسام الذي طال أمده.
وكان لأنقرة موقف أكثر حدة، إذ دعا زعيم حزب “الحركة القومية” (MHP) التركي، دولت بهتشلي، لعملية عسكرية مشتركة تجمع تركيا والنظام السوري للقضاء على “العمال الكردستاني” في سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “Cumhuriyet” التركية.
وانتقد بهتشلي انتخابات البلديات، معتبرًا أنها مرحلة جديدة مقبلة لـ”تقسيم تركيا”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ترى في الحوار مع “الإرهابيين” أمرًا ذا أهمية استراتيجية في المكان، في إشارة إلى “الإدارة الذاتية”.
منذ بدء “الإدارة الذاتية” انتخاباتها المحلية منتصف الشهر الحالي، لم يصدر أي رد فعل من قبل تركيا أو أمريكا أو ألمانيا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
ويرى أنس شواخ أن رد الفعل التركي قد يصدر في حال قررت “الإدارة الذاتية” إجراء الانتخابات في المناطق الواقعة ضمن “الحزام الأمني” التركي، مثل عين العرب والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية، حينها من المتوقع أن ينتج عن ذلك تصعيد عسكري تركي ضد مناطق “الإدارة الذاتية”.
في حين قال أسامة شيخ علي، إنه باعتبار أن “الإدارة الذاتية” أجرت الانتخابات بشكل غير معلن وفي مناطق محددة، “أعتقد أن تداعياتها لن تصل إلى مرحلة تدخل عسكري تركي آخر أو قصف بسبب إجراء الانتخابات في هذه الأماكن، وربما يقتصر الأمر على مجرد بيانات تركية تندد بإجراء هذه الانتخابات”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :