الأسد يعيد “تشكيل النخب” بإجراءات مجلس الشعب
عنب بلدي – نوران السمان
لا تقتصر الإجراءات الأخيرة التي يتخذها النظام السوري ضد نواب مجلس الشعب على مجرد تحركات قانونية تقليدية، بل تتخذ منحى استثنائيًا يكشف عن نيات وغايات أعمق.
ويبرز من بين الأسماء التي طالتها الإجراءات الأخيرة، ومن بينها سحب العضوية من مجلس الشعب، اسم رجل الأعمال محمد حمشو، بالإضافة إلى أسماء أخرى مقربة من النظام السوري، كخالد الزبيدي وراسم المصري، وهو ما يعتبر تطورًا لافتًا بالنظر إلى نفوذ هذه الشخصيات الاقتصادية والعلاقات التي تتمتع بها داخل بنية السلطة الحاكمة.
ويقرأ باحثون سياسيون هذه التطورات على أنها رسائل باتجاهين لا تقتصر على الأفراد المستهدفين، بل تمتد إلى آخرين داخل منظومة النظام السوري نفسها.
“إعادة تشكيل النخب”
المحلل السياسي ومدير مركز “إدراك” للدراسات”، باسل حفار، يرى أن النظام يركز على استهداف شخصيات معينة (مثل محمد حمشو)، ربما لأسباب تتعلق بامتلاكهم جنسية مزدوجة أو لتحقيق توازنات داخلية تخدم مصالحه.
بينما قال أيمن الدسوقي، وهو باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، إن الإجراءات الأخيرة التي حصلت في مجلس الشعب تأتي في إطار “إعادة تشكيل النخب” داخل النظام لضمان عدم وجود شبكات تهدد استقراره.
وأضاف الباحث أنها تحمل أيضًا رسالة واضحة مفادها أن النظام السوري لن يستثني أحدًا “مهما كان موقعه وعلاقاته ونفوذه” لضبط النخب السياسية والاقتصادية، في ظل ما يروج له من عملية تغيير وإصلاح.
رجل أعمال بـ”أذرع متعددة”
يُعرف عن محمد حمشو بأنه الواجهة الاقتصادية للنظام السوري، وبأنه يمتلك علاقات وثيقة باللواء ماهر الأسد قائد “الفرقة الرابعة” وشقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ويرى الدسوقي أن هذا الرجل مثال حي على هذه الديناميكية المتغيرة، حيث استفاد من علاقاته لتنمية نفوذه الاقتصادي، إلا أن الثقل داخل النظام “ليس ثابتًا”، بل يعتمد على عوامل سياسية واقتصادية متقلبة، بحسب الباحث.
ولحمشو أذرع في كل قطاع تقريبًا من قطاعات الاقتصاد السوري، ويعد من رجال الأعمال البارزين ولكن ليس لبراعته التجارية، إنما لنفوذه داخل مسؤولي النظام وكبار آل الأسد.
وسبق أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه، وقالت إن “حمشو كان دفع مبالغ كبيرة من المال لتأمين مقعده في البرلمان السوري”.
كان حمشو عضوًا في مجلس الشعب، وممثلًا عن دمشق منذ عام 2016 إلى 2020، ورئيس مجلس إدارة كل من “مجموعة حمشو الدولية”، التي تتبع لها حوالي 20 شركة فرعية، وعشرات الشركات الأخرى.
وأدرج في قائمة العقوبات الأمريكية، عام 2011، لتقديمه الدعم والعمل لمصلحة الأسد وشقيقه ماهر، كما تم إدراج مجموعته “حمشو الدولية” في قوائم العقوبات.
ويعد من أوائل الشخصيات التي فرض عليها الاتحاد الأوروبي عقوباته، بالإضافة إلى العقوبات التي أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية.
واستبعد حمشو من مجلس إدارة “غرفة التجارة العربية الألمانية” بعد تقرير صحفي ألماني، نُشر في عام 2020، لإدراجه في قائمة العقوبات الأوروبية والأمريكية، ما يعني منعه من دخول ألمانيا.
“على قوائم الملاحقة”
فيما يتعلق بالملاحقة القضائية لعدد من النواب أبرزهم الزبيدي والمصري، يرى المحلل السياسي باسل حفار أن النظام السوري تعامل مع هذه الشخصيات كما الحال الذي اتبعه مع محمد براء قاطرجي وغيره.
ويصب تعامل النظام أيضًا في المسار السابق الذي كان كفيلًا بوضعهم على قوائم العقوبات الدولية، بسبب الخدمات التي قدمتها تلك الشخصيات له.
وأضاف حفار أن الأمر يتكرر مع هذه الشخصيات وغيرها ممن حاولوا “تحقيق اختراق معين في الوصول إلى مكانة سياسية بمجلس الشعب، أو في بعض الأطر الأخرى بالدولة، عبر غرف التجارة وبعض المسارات التجارية”.
كما يرى الباحث أن هناك توازنات معينة “داخل منظومة النظام نفسها”، لم تعد تخدم وجود هؤلاء الأشخاص أو تفكر في الاستثمار فيهم، فأصبحوا في موقع الملاحقة.
النظام السوري يوصل رسالة من خلال تحركاته الأخيرة، بحسب حفار، مفادها أن “لا أحد بعيد عن سطوة الأجهزة الأمنية والملاحقة، وخصوصًا أولئك الذي يعطون انطباعًا بأنهم يتمتعون بحصانة معينة في فترة معينة، فها هم اليوم يتعرضون للملاحقة بشكل أو بآخر”، وفق الباحث.
ماذا عن الزبيدي والمصري؟
ظهر اسم خالد الزبيدي، وهو رجل أعمال سوري يمتلك عدة شركات وارتبط اسمه بنادر قلعي شريك رامي مخلوف، إلى الساحة في الأعوام الأخيرة، فيما يتعلق بإطلاق استثمارات ضخمة.
ومن بين تلك الاستثمارات مشروع “غراوند تاون” بالتعاون مع وزارة السياحة، وهو ثاني أكبر مشروع عقاري في سوريا بعد “ماروتا سيتي”، بالإضافة إلى مشروع شبيه بجانب مطار “دمشق الدولي” يضم ستة آلاف بيت.
الزبيدي شريك أيضًا في ملكية شركة “زبيدي وقلعي” ومدير شركة “آجار للاستثمار”، والمدير العام لشركة “الزبيدي للتطوير”، وشريك في شركة “إنجاز” للاستثمار.
وفرضت عليه عقوبات أمريكية وأوروبية، وسبق أن ترشح لمجلس الشعب في عام 2020، إلا أنه سحب ترشيحه، معلنًا أن قراره جاء التزامًا بمظلة حزب “البعث” الحاكم.
أما النائب راسم المصري فقد قررت اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب، في آب الماضي، إعطاء الإذن لوزارة العدل السورية بملاحقته قضائيًا بعد رفع الحصانة عنه.
وكان مجلس الشعب رفض سابقًا طلبًا من وزارة العدل لتحريك دعوى قضائية ضد المصري، المتهم بالفساد، رغم وجود وثائق تثبت ذلك، وفق ما ذكرته صحيفة “البعث” الحكومية.
وجاء ذلك بعد شكوى تتضمن اتهامات للمصري باستخدام نفوذه وحصانته لإنشاء بعض المخالفات “الضخمة”، بغطاء من مسؤولين في مجلس محافظة اللاذقية.
الشكوى مدعومة بتقرير موقع من محافظ اللاذقية، عامر إسماعيل، يوضح فيه حجم تجاوزات المصري، بما في ذلك إنشاء بناء مؤلف من تسعة طوابق في حي دمسرخو، ضمن التنظيم العمراني لمدينة اللاذقية.
برؤية نائب
كان عضو مجلس الشعب نزار الفرا تحدث في برنامج “حديث النهار” على إذاعة “شام إف إم” السورية، في 20 من تشرين الثاني الحالي، عن تفاصيل ما يحصل بخصوص إسقاط عضوية بعض أعضاء مجلس الشعب نتيجة حيازتهم جنسية أخرى.
وقال إن هذا الإجراء يعتبر مخالفة دستورية تسقط العضوية إثرها، في حال إثبات حيازة الشخص على جنسية أخرى، إما عن طريق سفره أو تنقله بجواز سفر آخر أو من خلال إجراءات تعمل عليها الداخلية.
سبب ما يحصل، بحسب الفرا، هو “عدم وجود ورقة تنص على ألا يكون المرشح لديه جنسية ثانية”، مشيرًا إلى أن بعض المراكز تعاملت مع هذا الأمر بشكل اعتيادي، ومراكز أخرى شددت على هذا الموضوع.
يأتي هذا على نقيض ما أكده محامٍ في دمشق في حديث سابق لعنب بلدي، أنه يحق لمجلس الشعب حسب المادة “243” من النظام الداخلي للمجلس أن يسحب عضوية أحد أعضائه إذا ثبت أنه فقد أحد شروط الترشح للمنصب.
ومن أحد شروط الترشح لمجلس الشعب، أن يكون المرشح عربيًا سوريًا لمدة لا تقل عن العشر سنوات، وألا يحمل جنسية أخرى غير السورية.
كما تنص المادة “152” من الدستور على أنه “لا يجوز لمن يحمل جنسية أخرى إضافة للجنسية العربية السورية أن يتولى منصب رئيس الجمهورية أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا”.
وأرجع الفرا سبب وصول النواب إلى مجلس الشعب دون التحقق مما إذا كان أحدهم مزدوج الجنسية أم لا إلى “التراخي (…) وعدم تطبيق نص الدستور خلال الدورات الماضية، جعل المرشحين يتعاملون مع هذا الأمر بشكل اعتيادي”.
من جانب آخر، فيما يتعلق بالملاحقات القضائية، ذكر أنه يجب تطبيق القانون على الجميع، على أن يبقى الأمر ضمن “البيت الداخلي” للمجلس دون الإفصاح عنه لحين ثبات التهمة الموجهة لعضو مجلس الشعب.
وبين الفرا لـ”شام إف إم” أن وزارة العدل وجدت خلال السنوات الماضية أن الحصانة أدت إلى المماطلة بكثير من القضايا، ما جعلها تعمل على رفع الحصانة جزئيًا للقدرة على التحقيق مع الشخص، مشيرًا إلى ضرورة أن ينفذ هذا الإجراء بحق العضو بحال كان الجرم بقضية “كبيرة”، لأن بعض القضايا أصبحت تأخذ شكلًا “كيديًا” مثل دعوى بسرقة سيارة، أو مخالفة بناء، حسب قوله.
مراسيم لملء الفراغ
وافق مجلس الشعب، في 21 من تشرين الثاني الحالي، على طلب وزارة العدل بالملاحقة القضائية لثلاثة نواب من المجلس، دون ذكر اسمهم.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر، في 20 من تشرين الثاني، مرسومين لإجراء انتخابات تشريعية للمقاعد الشاغرة في دمشق وحلب، بعد إسقاط العضوية عن نواب سابقين.
وبناء على أحكام الدستور وعلى قانون الانتخابات العامة رقم “5” لعام 2014، أصدر الأسد المرسومين رقم “286” و”287″ بتحديد 21 من كانون الأول المقبل موعدًا لإجراء الانتخابات التشريعية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
أحدث هذه الإجراءات، في 17 من تشرين الثاني الحالي، حين صوت نواب مجلس الشعب وبالإجماع على إسقاط عضوية محمد خالد بسام الزبيدي، عن دائرة محافظة دمشق (قطاع ب) لحمله الجنسية الجزائرية والكندية، بالإضافة إلى السماح بملاحقته قضائيًا، في 23 من تشرين الأول.
سبق هذا القرار، في 3 من الشهر الحالي، تصويت النواب على مقترح إسقاط عضوية أنس محمد الخطيب عن دائرة محافظة دمشق (قطاع ب)، لحمله الجنسية الأردنية إلى جانب السورية، بالإضافة إلى السماح بالملاحقة القانونية للعضوين أيهم جريكوس ومدلول العزيز، في 4 من الشهر الحالي.
في تشرين الأول الماضي، أسقطت عضوية نائبين آخرين بسبب امتلاكهما الجنسية التركية، الأول شادي دبسي وكان ترشح عن دائرة حلب في الدورة الأخيرة، والثاني محمد حمشو، كما ورد اسم مجاهد إسماعيل ضمن قائمة الملاحقين قضائيًا.
وفي 26 من حزيران الماضي، وافق مجلس الشعب على منح الإذن في الملاحقة القضائية بحق خمسة نواب في مجلس الشعب دون ذكر أسمائهم.
وكان مجلس الشعب وافق، في آذار الماضي، على رفع الحصانة البرلمانية عن النائب فؤاد علداني، بناء على طلب وزير العدل المتضمن منح إذن الملاحقة القضائية بحق علداني المتورط في قضايا فساد.
ويأتي رفع الحصانة عن علداني بعد إدانته بالقضية الجمركية “رقم 1064″، الخاصة بملف تهريب المحروقات ما تسبب بهدر مليارات الليرة السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :