حلب – محمد العلي
لا تتوقف الإصابة بمرض أو وعكة صحية عند حدود الآلام الجسدية لدى السوريين، إذ تزيدها آلام أجور المعاينات في عيادات الأطباء التي باتت أثقل من أن يتحمّلها المريض.
في حزيران الماضي، ارتفعت أجور الأطباء في عياداتهم الخاصة إلى مستويات غير مسبوقة، وتحولت إلى أمر واقع دفع وزارة الصحة في نهاية المطاف إلى التسليم، ورفع جميع المعاينات لمختلف الاختصاصات بنسبة 600%.
وحددت الوزارة أجور المعاينة للطبيب بـ25 ألف ليرة سورية، و40 ألفًا للطبيب الاختصاصي في العيادة، و50 ألفًا للطبيب المختص الذي تجاوزت ممارسته للمهنة مدة عشر سنوات.
ورفعت أجر الاستشارة الطبية المتضمنة الكشف عن المريض لدراسة ملفه وكتابة تقرير عن حالته إلى 150 ألف ليرة، كما أجاز القرار للمريض مراجعة الطبيب مجانًا خلال الأسبوع الأول من إجراء الكشف الطبي ولمرة واحدة فقط.
على الرغم من أن الزيادة وصلت إلى 600% كبيرة، وتفوق قدرة معظم الناس، فإنها لا تطبّق على أرض الواقع في كثير من العيادات الخاصة والمستشفيات في مدينة حلب، كما تتفاوت أجور المعاينات بين طبيب وآخر.
أضعاف التسعيرة المحددة
تعرض ربيع (39 عامًا) لمشكلة في أعصاب اليدين والقدمين، لكنه حاول تأجيل مراجعة الطبيب نظرًا إلى ظروفه المادية، حيث يعمل في محل لبيع الألبسة ولا يتجاوز راتبه الشهري مليونًا و200 ألف ليرة سورية، لا تغطي مصاريفه من إيجار منزل وفواتير، وتكاليف طعامه مع زوجته وابنته الوحيدة.
تفاقم وضعه الصحي بمرور الأيام، وازدياد حالة الارتعاش في يديه بشكل ظاهر للعيان، لفت إليه الأنظار حتى في عمله، ما اضطره لمراجعة طبيب أعصاب في عيادته الخاصة بحي الجميلية، ليفاجَأ بأن الممرضة تطلب منه 125 ألف ليرة للمعاينة، على أن ذلك يتيح له مراجعة مجانية لمرة واحدة لاحقًا.
قال ربيع، إن المعاينة لم تطل أكثر من خمس دقائق، سأله خلالها الطبيب بعض الأسئلة الروتينية ثم كتب له وصفة طبية مكوّنة من نوعي دواء، وحين خرج إلى الصيدلية المجاورة للعيادة، اكتشف أن واحدًا من الدواءين أجنبي الصنع ويبلغ سعره 90 ألف ليرة، وتحتوي العلبة منه على عشر حبات، بينما يحتاج إلى علبتين على الأقل خلال 20 يومًا لاختبار استجابة جسمه للعلاج كما طلب منه الطبيب.
وأشار المريض، الذي بدأ يسأل عن أجور معاينات أطباء أعصاب آخرين لعلّه يعثر على سعر أقل، إلى أنه لم يجد معاينة أقل من ذلك، بل إن الأجور لدى أطباء آخرين قد تصل إلى 200 ألف ليرة للمعاينة.
زيارة لمدة دقائق
يعاني مروان (67 عامًا) من مشكلات قلبية وتنفسية مزمنة جراء إدمانه على التدخين لعقود، وازدادت مضاعفات حالته مع تقدمه في السن، إلى أن تعرض لأزمات تنفسية دخل إثرها أحد المستشفيات الخاصة بحلب.
وبلغ سعر الليلة الواحدة في غرفة العناية المشددة مليون ليرة، بينما أمضى ليلته الثانية في غرفة عادية خارج العناية بسعر 600 ألف ليرة، علمًا أن قرار وزارة الصحة يقول إن تحديد السعر يتم استنادًا إلى تصنيف الغرف في المستشفيات، حيث يُحسب بنصف السعر المحدد من وزارة السياحة لغرف الفنادق، وتشمل أجورها الإقامة والإطعام في جميع غرف ودرجات التصنيف بالمستشفيات.
تجربة مروان لم تكن كذلك، إذ لم يقدم له المستشفى الخاص أي وجبة طعام في اليوم الأول، واكتفى بوجبتي الفطور والغداء في اليوم الثاني، إضافة إلى أن الثلاجة الموجودة في الغرفة لحفظ الطعام لا تعمل، ولا تتمتع الغرفة بأي ميزات تجعلها من الفئة الممتازة أو حتى الأولى.
اختار مروان المستشفى الواقع في حي السريان، بناء على نصيحة طبيبه الذي يعمل في المستشفى، ويرفض متابعة حالات في مستشفيات أخرى، ليكتشف المريض أن الطبيب وهو اختصاصي أمراض قلبية يزوره مرتين يوميًا لمتابعة وضعه الصحي، وتكلّفه كل زيارة للطبيب إلى غرفته 300 ألف ليرة سورية، علمًا أنها لا تستمر أكثر من دقائق.
حساب بـ”الدولار”
غالية، وهي طبيبة أسنان تعمل في عيادتها الخاصة بحي سيف الدولة، قالت إن أطباء الأسنان عادة لا يأخذون من المريض أجور معاينة، أما بقية الاختصاصات فعملهم باستثناء العمليات الجراحية قائم على المعاينات وكتابة الوصفات الطبية.
وأضافت أن الأجور متفاوتة جدًا بين الأطباء، فبينما تأخذ أجر علاج الضرس (حفر وسحب عصب وحشو) 250 ألف ليرة، فإن أطباء آخرين تصل أجورهم لنفس العلاج إلى 1.5 مليون ليرة (نحو 100 دولار أمريكي)، ويحددون أجورهم بالليرة لكن بحساب التصريف أمام الدولار الأمريكي.
وتتقاضى الطبيبة 75 ألف ليرة لقاء “قلع ضرس”، بينما يصل المبلغ إلى أكثر من 300 ألف في عيادات أخرى، ويرتبط ذلك بموقع العيادة والمستوى المادي للحي الذي تقع فيه، والديكورات التي يتم ملء العيادة بها للفت الأنظار وتحويلها فرصة للتباهي والاستعراض، وفق الطبيبة.
لا التزام بالسعر
تعتبر وزارة الصحة أن أسعارها الجديدة مناسبة للأطباء، وأن عليهم الالتزام بها، وأن على النقابة ممارسة الرقابة على الأطباء للالتزام بتلك الأسعار، مع الدعوة المستمرة للمواطنين لتقديم شكاوى بحق الطبيب في حال حصل على تسعيرة أعلى.
مصدر من فرع نقابة الأطباء بحلب (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، قال إن النقابة تقع في حرج من مخالفة الأطباء، لأن القائمين عليها يدركون أن تسعيرة الوزارة غير منطقية بالنسبة للطبيب، رغم أنها في الوقت نفسه ثقيلة على جيب المواطن.
وأوضح المصدر أن التفاوت بين أجور الأطباء بحسب موقع العيادة، يعود للتكاليف التي يتكبّدها الطبيب لفتح عيادته، سواء لناحية الإيجار أو شراء العقار، أو لناحية تزويدها بالكهرباء بوسائل مختلفة مثل “الأمبير والطاقة الشمسية”، فضلًا عن الضرائب والرسوم المختلفة التي يدفعها الأطباء عن عياداتهم وحتى عن لوحات التعريف بأنفسهم في الشارع، مبينًا أن النقابة تراعي ذلك بشكل غير معلن وتغض النظر عن أجور الأطباء.
65% من سكان سوريا بحاجة رعاية صحية
في آذار الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 15 مليون شخص يمثلون 65% من سكان سوريا بحاجة رعاية صحية، في الوقت نفسه يعاني 90% من السكان من الفقر.
وتعاني المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية من افتقار لكثير من الخدمات والمعدات، وتشهد سوءًا في تقديم الخدمة الصحية والازدحام المفرط لمراجعيها، ما يضطر معظم المرضى لمراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة رغم تكاليفها الباهظة.