رغم المآخذ

“لجنة التحكيم” تملأ “الفراغ القانوني” بدرعا

وجهاء من حوران خلال صبح بين عائلتين في بلدة معربة بريف درعا - 10 أيلول 2024 (Bosra Press)

camera iconوجهاء من حوران خلال صبح بين عائلتين في بلدة معربة بريف درعا - 10 أيلول 2024 (Bosra Press)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حليم محمد

لم يجد خالد (40 عامًا) من أبناء درعا سوى “لجنة التحكيم” كجهة قضائية، لتحصيل مستحقاته المالية من “ضمان” محصول الرمان في أرضه لأحد التجار.

حاول التاجر الذي اشترى المحصول (ضمن الأرض) التهرب من دفع قيمته بحجة خسارته في الموسم، خاصة أن خالدًا لا يملك أوراقًا رسمية تثبت حقه.

قال خالد لعنب بلدي، إنه لم يقدم شكوى لدى المحاكم التي تتبع إدارتها للنظام السوري لعدم وجود عقد موقع مع التاجر، ولجأ إلى “لجنة التحكيم” في ريف درعا الغربي، التي استطاعت التحكيم بين الطرفين، وإجبار التاجر على تسديد المبلغ المتفق عليه.

ومن الحالات التي رصدها مراسل عنب بلدي في درعا، والتي عرضت على “لجنة التحكيم” ونفذت حكمًا بها بعد إصداره، شكوى تقدمت بها سيدة مقيمة في الكويت ضد شخص ادعى أنه ساحر وابتز السيدة بمبالغ تصل إلى أكثر من عشرة آلاف دولار.

استطاعت اللجنة عبر إشعارات التحويل البنكية إدانة هذا الشخص، وإجباره على تسديد ما يقارب تسعة آلاف دولار، وأسقطت السيدة حقها الشخصي بعد إصدار الحكم.

خيار “لجنة التحكيم”

بعد سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، في تموز وآب 2018، انتهى العمل بمحكمة “دار العدل” التابعة للفصائل العسكرية المعارضة للنظام، وحلت محلها محاكم النظام السوري في المحافظة.

سيطرة النظام الشكلية وعدم قدرته على دخول عدة مناطق في درعا حدّ من فعالية هذه المحاكم، ما أدى إلى عدم محاسبة مرتكبي جرائم النصب والسرقة والقتل وغيرها.

ولحل هذه القضايا تشكلت “لجنة التحكيم” في ريف درعا الغربي بداية على أسس التوفيق بين المتخاصمين، ثم تحولت إلى لجنة يقصدها سكان المنطقة لحل مشكلاتهم.

الشيخ يوسف البكار، أحد قضاة “لجنة التحكيم” قال لعنب بلدي، إن “اللجنة” تشكلت عام 2023، كلجنة صلح بين الأطراف المتخاصمة، وخصوصًا قضايا الجنايات.

وحصلت “اللجنة” على تفويض من الفصائل المحلية التابعة لـ”اللجنة المركزية”، للعمل ضمن مجال التحكيم في جميع الخلافات، ومن بعدها وضعت ضوابط للعمل، كتسليم القاتل لـ”لجنة التحكيم”، وتوقيف من يلزمه تسديد ديون وغير ذلك من القضايا.

“اللجنة المركزية” في ريف درعا الغربي تضم عددًا من الفصائل العسكرية التي كانت سابقًا معارضة، وخضعت لـ”تسوية” خلال سيطرة النظام على درعا عام 2018، وتُتهم بتبعيتها حاليًا لـ”الأمن العسكري” في قوات النظام.

وأضاف البكار أن عمل “اللجنة ” بدأ في المنطقة الغربية، ثم بدأ التشاور مع قياديين ورجال دين في الريف الشرقي، وأصبحت لجنة موحدة أطلق عليها “لجنة التحكيم في حوران”.

حاجة المنطقة إلى لجنة تحكيم

المنطق السائد في محافظة درعا قبل تشكيل “لجنة التحكيم”، هو لجوء الشخص لتحصيل حقوقه بالقوة أو عبر تدخل عشيرته، ما خلّف نزاعات عشائرية تدخل الوجهاء لحلها.

لكن غياب التنظيم والتنسيق بين الوجهاء، وعدم وجود القوة الرادعة، أسهم في عدم الامتثال لقرارات الوجهاء.

أحد الوجهاء في ريف درعا، وصف لعنب بلدي عملهم بعبارة “نحن نعمل بماء الوجه”، أي بكرامة ودور وإلحاح الوجهاء، دون تنسيق أو إلزام لأي طرف.

لذلك كان من المفترض، بحسب وجهاء وسكان في درعا، إيجاد بديل تحكيمي لحل قضايا السكان عبر محكمة تستند إلى أصول محاكمات يطبق على الجميع.

محامٍ مقيم في درعا، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أوضح لعنب بلدي أن “لجنة التحكيم” في درعا “ملأت الفراغ القانوني”، وهي تعمل بناء على موافقة الأطراف المتخاصمة، وتلزم هذه الأطراف بالحكم بعد توقيعهم على ورقة تفيد بالقبول بالحكم.

وتستمد “اللجنة” قوتها من “اللجنة المركزية”، القوة الفاعلة على الأرض حاليًا في ريفي درعا الغربي والشمالي (كونها قوة عسكرية نافذة في المنطقة)، بحسب المحامي.

الشيخ البكار يرى أن أبرز ما قدمته “لجنة التحكيم” للمنطقة، هو إنشاء مرجعية شرعية يلجأ إليها الناس في حل قضاياهم، في الوقت الذي تغيب فيه سلطة وسيطرة النظام السوري.

وتدخلت اللجنة في كثير من القضايا الجنائية، بقبول ورضا الأطراف المتخاصمة بنتيجة الأحكام، وفق البكار، لأن العمل الذي تقوم به اللجنة شرعي يقوم على البيّنات والدليل والإقرار.

الاعتماد على أحكام الشريعة

تستند “اللجنة” إلى الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي في قضائها، إذ يعتبر جميع قضاتها من رجال الدين.

ويؤخذ على “لجنة التحكيم” عدم إدراج قضاة أو محامين في صلب تشكيلها، بحسب ما رصدته عنب بلدي من الهيكل التنظيمي للجنة، القائم فقط على رجال دين.

وبحسب الشيخ البكار، سبق أن تعاملت اللجنة مع قضايا حقوقية كالعقارات أو تقارير الطب الشرعي أو مستندات حكومية، وفي هذه الحالات تستعين “اللجنة” بهذه الوثائق كونها صادرة عن جهات رسمية.

واستبعد البكار وجود أي تطابق بين أحكام المحاكم الحكومية وأحكام “لجنة التحكيم”، لأن الأخيرة تستند إلى الشريعة الإسلامية.

المحامي المقيم في درعا قال إن هناك جمودًا في تعاطي “لجنة التحكيم” مع أهل الخبرة القانونية من القضاة أو المحامين، لكن وجودها بهذا التوقيت مهم لحل قضايا السكان، وخلق تصور لدى الأهالي بوجود جهة قضائية تعيد الحقوق لأصحابها، ما أدى إلى الحد من عمليات النصب والسرقة والسطو في المنطقة.

تفسح المجال للصلح

أحد الوجهاء في ريف درعا قال، إن “لجنة التحكيم” تولي أهمية لشيوخ العشائر والتصالح بين الأطراف المتنازعة، وإن عملها يأتي في حال فشلت مساعي الصلح بين الأطراف أو في حال قدم أحد الأطراف شكوى مباشرة لـ”اللجنة”، ومع ذلك هي تعطي الأهمية للصلح أو إسقاط الحق أو التراضي بين الطرفين.

الشيخ البكار أشار إلى “تناغم كبير بين “اللجنة” والأحكام العشائرية، إذ تفسح “اللجنة” دائمًا المجال للصلح العشائري قبل الحكم وبعده، خاصة في حالات القتل، وأحيانًا تؤجل “اللجنة” الحكم من أجل إتاحة الفرصة للحل الصلحي العشائري، و”هذا لا يعارض الشرع والتحكيم”، وفق قوله.

وهناك عدة أعراف عشائرية يتبعها الوجهاء في حال حدث نزاع وأدى إلى سقوط قتلى أو جرحى، منها إدخال الوجهاء قوات فصل بين المتخاصمين، ثم يطلب الوجهاء من أولياء دم المقتول أو المصاب “إعطاء عطوة”، وهي عرف عشائري يتعهد من خلاله أهل المقتول بعدم اعتراض أهل القاتل خلال مدة يحددها الوجهاء.

بعدها تبدأ مشاورات الجهات فرض الأحكام مثل “الجلو”، وهو خروج القاتل من المنطقة، أو الدية أو القصاص.

وفي حال أحيلت القضية إلى “لجنة التحكيم”، تدعو “اللجنة” الأطراف إلى التوقيع على ثلاث وثائق، هي وثيقة توكيل “اللجنة” بحل القضية، ووثيقة تفويض “اللجنة” باستجواب المشتبه أو الشهود ومعاينة الموقع والتحقيق، والوثيقة الثالثة هي القبول بحكم “اللجنة”.

في 10 من تشرين الأول الماضي، أصدرت “لجنة التحكيم” حكمًا بعدد من القضايا التي أوكلت إليها في مدينة جاسم شمالي درعا، خاصة المتعلقة باقتتال بين مجموعتين مسلحتين محليتين من أبناء المدينة.

تسلمت “اللجنة” 14 قضية في جاسم، هي 11 قضية قتل، وثلاث قضايا إصابة.

أحكام “اللجنة” في القضايا كانت تجريم الفاعل في جميع قضايا إطلاق النار التي أدت إلى إصابة، بدفع مبلغ بحسب التقارير الطبية، كثمن علاج وطبابة وعطالة، يتراوح بين 500 و2000 دولار.

أما قضايا القتل العمد فهي أربع قضايا موزعة على قسمين، الأول قتل عمد يستوجب القصاص وعددها ثلاث قضايا.

القسم الثاني من قضايا القتل العمد، يستوجب الدية المغلظة وقيمتها 48 ألف دولار لعدم ثباتها على شخص بعينه، وعددها قضية واحدة.

أما قضايا القتل الخطأ فحُكم على كل من ثبت تجريمه بدفع دية لأهل المقتول قيمتها 35 ألف دولار، وعددها سبع قضايا.

كما شملت الأحكام حكمين بالسجن لمدة خمس سنوات.

وسيعاد النظر بجميع القضايا التي يتهم فيها وائل الغبيني وجهاد الجلم، الصادرة غيابيًا، وذلك بعد تسليم نفسيهما للجنة التحكيم والطعن بالأحكام المقدمة ضدهما بعد أن حكم عليهما غيابيًا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة