تسببت بإرباك للمصارف الحكومية
قروض الطاقة الشمسية تحركها “الواسطة” و”الرشى”
عنب بلدي – محمد العلي
منذ نحو ثلاث سنوات، سعت حكومة النظام السوري إلى الترويج لاستخدام “الطاقات المتجددة” بدلًا من الطاقة الكهربائية “التقليدية”، في ظل عجزها عن تأمينها نظرًا لشح مواردها من النفط والغاز.
وفي هذا الإطار الترويجي، أعلنت الحكومة عن منح قروض دون فوائد ولمدة تصل حتى 15عامًا للتسديد، وتختص بشكل أساسي بالموظفين في القطاع الحكومي، ورغم أن بعضها يُمنح للمواطنين العاديين أو لموظفي القطاع الخاص، فإن شروطها صعبة قد لا يستطيع كثيرون تحقيقها.
ويشتكي متقدمون لهذه القروض من انتشار المحسوبيات و”الرشى”، وضرورة الاعتماد على “الواسطة” لتحريك ملف القرض لدى الجهات المعنية، بالإضافة إلى تلاعب الشركات المتعاقدة مع البنوك لتأمين وسائل الطاقة الشمسية للمقترضين.
أبرز هذه القروض أعلنه مصرف التسليف الشعبي في شباط الماضي، بالتعاون مع صندوق دعم الطاقة المتجددة، حيث يصل سقف القرض للقطاع المنزلي إلى 35 مليون ليرة سورية (نحو 2350 دولارًا أمريكيًا)، في مدة لا تتجاوز 15 عامًا.
أما عن الوثائق المطلوبة فتركز على تقديم إثبات دخل لطالب القرض والكفلاء، مع كفالات أو ضمانات مقبولة، بحيث تقبل الكفالة الشخصية من العاملين الدائمين في الدولة أو أصحاب الفعاليات الاقتصادية للقروض حتى 25 مليون ليرة سورية.
أما القروض التي تزيد على 25 مليون ليرة سورية، فتكون ضمانتها عينية وأهمها الضمانة العقارية.
انتقائية وفوائد
قال زهير (35 عامًا)، وهو موظف متعاقد مع مؤسسة المطاحن في مدينة حلب، إنه تقدم بطلب للحصول على قرض الطاقة الشمسية بعد أن عرف من زملائه بوجوده.
وذكر أنه للحصول على القرض، لا يكفي التقدم بطلب داخل المؤسسة التي يعمل بها، بل يحتاج إلى “واسطة” تدفع بالطلب إلى مصرف التسليف الشعبي، ومن هناك يجب التوسط كذلك لتحريك الطلب في الدور وإعطائه أولوية، ثم يتنقّل الملف بين مديرية الكهرباء والمصرف في معاملة روتينية تتطلب دفع رشى لموظفين صغار للتسريع بعملية إتمام الملف.
في نهاية المطاف، يحصل مقدم الطلب على إشعار من المصرف بقبول طلبه، وبالتالي يتوجه إلى إحدى شركات الطاقة الشمسية المتعاقدة مع المصرف، التي لا يتجاوز عددها خمس شركات في حلب، يختار واحدة منها ويجري اتفاقًا معها على عدد الألواح وحجم البطاريات والتكلفة.
بدوره، يقوم المصرف بتحويل المبلغ إلى رصيد الشركة، علمًا أن العملية غالبًا ما تأخذ وقتًا أطول من اللازم، في حين تتيح تلك الشركات لأصحاب القروض إعادة المبلغ لهم نقدًا مع خصم قرابة سبعة ملايين ليرة منه، فضلًا عن عرضِ تغيير حجم البطاريات أو نوعها وتعويض صاحب القرض ماديًا مع الحفاظ على نسبة للشركة، وفق زهير.
وفي وقت يقول فيه المصرف إن القرض بلا فوائد، فقد أوضح زهير أنه دفع مبلغ 1.5 مليون ليرة تحت عنوان “عمولة للمصرف”، بينما يبدأ التسديد بدفعة أولى قيمتها 600 ألف ليرة سورية، ثم تبدأ الأقساط بعد ثلاثة أشهر من الحصول على القرض، بواقع 111 ألف ليرة شهريًا على مدى 15 عامًا، بما مجموعه 19 مليونًا و980 ألف ليرة.
عملية تركيب الألواح أيضًا تشهد تلاعبًا من قبل موظفي مديرية الكهرباء لناحية استيفاء الشروط، خاصة بما يتعلق بالأبنية وسلامتها، وقابلية تركيب الألواح على أسطحها، الأمر الذي بدأ يلاحَظ بعد زلزال 6 من شباط 2023.
توقف قروض الطاقة
لا يقتصر منح قرض الطاقة الشمسية للموظفين على مصرف التسليف الشعبي، بل يشمل مصارف حكومية أخرى، أبرزها المصرف التجاري السوري، حيث توجد كذلك أنواع أخرى من القروض لفئات أخرى بشروط مختلفة.
وبينما كان الترويج على أشده للقروض، فإن المصارف الحكومية أعلنت، في أيار 2024، توقفها عن منح القروض بذريعة تراكم الطلبات.
وأصدر مصرف التسليف الشعبي تعميمًا طلب فيه من صندوق دعم الطاقة المتجددة التريّث بإرسال طلبات قروض الطاقة لمدة شهرين، اعتبارًا من 15 من أيار، حرصًا على منح القروض دون حدوث تأخير بعد تراكم الطلبات المرسلة من الصندوق إلى المصرف.
وبعد مرور شهرين على ذلك التعميم، لم يفتح باب القروض كما وعد المصرف، ولم يصدر تعميمًا بالعودة لاستقبال الطلبات الواردة من صندوق دعم الطاقة إلا في 20 من تشرين الأول، وفق ما ذكره مدير فرع مصرف التسليف الشعبي فرع العزيزية بحلب، إبراهيم حاج شعبان، لصحيفة “الجماهير” المحلية.
وفي 22 من تشرين الأول الماضي، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قرارًا بتخفيض مدة سداد القروض الممنوحة لتركيب منظومة كهروضوئية أو عنفات ريحية للقطاع المنزلي، لتصبح عشر سنوات بدلاً من 15 سنة.
وتعاني مدينة حلب من واقع سيئ للكهرباء، حيث لا يوجد جدول منظّم يحدد مواعيد الوصل والقطع وعدد ساعات كل منهما، لكنها تصل إلى ست ساعات في أحسن الأحوال.
ومنذ سنوات، غزت المولدات الضخمة أحياء حلب، وباتت أسلاكها المتشابكة والممتدة إلى كل منزل تقريبًا سمة أساسية لأحياء المدينة من شرقها إلى غربها، ويبلغ سعر الأمبير الواحد 70 ألف ليرة سورية كحد أدنى في الأسبوع.
وترتبط العديد من الخدمات بالكهرباء، مثل الاتصالات التي تغيب مع انقطاع الكهرباء خصوصًا ليلًا، إضافة إلى تعطيل عمل بعض المؤسسات الحكومية بوقت التقنين، مع الصعوبات التي يواجهها الطلاب في الدراسة مساء.
يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام نحو 279 ألف ليرة سورية (18 دولارًا).
توجه حكومي
منذ ثلاث سنوات، بدا واضحًا توجه النظام السوري إلى البدء بالعمل بمشاريع الطاقات المتجددة، بعد أن استنفدت الحكومة جميع الطرق في وصل التيار الكهربائي، وبعد خسائر بالمليارات تعرضت لها نتيجة خروج معظم الدارات الكهربائية عن الخدمة.
وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في تموز 2022، قانونًا صدّق بموجبه على انضمام سوريا إلى “الاتفاق الإطاري لإنشاء التحالف الدولي للطاقة الشمسية” (التحالف الدولي للطاقة الشمسية هو تنظيم حكومي دولي تقوده الهند، أُعلن عنه لأول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس 2015).
وفي أيار الماضي، أصدرت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء توصية بفرض ضريبة على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة بقيمة 25 دولارًا أمريكيًا لكل لوح (370 ألف ليرة سورية)، مرجعة السبب إلى “الحرص على دعم وتشجيع وحماية الصناعات الوطنية، وخاصة القطاعات التكنولوجية وذات التقانات الحديثة”.
وذكرت أن التوصية تهدف إلى توطين صناعات بدائل المستوردات، وتخفيف الضغط عن القطع الأجنبي، وترشيد استهلاكه وخلق البيئة المناسبة للتوسع في هذه الصناعات وصولًا إلى الاكتفاء الذاتي، وتصدير الفائض، وسعيًا إلى تعزيز تجارب التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
وفي تموز 2023، منحت هيئة الاستثمار في حكومة النظام إجازة استثمار لمشروع صناعة ألواح الطاقة الشمسية في المدينة الصناعية بعدرا، بتكلفة تقديرية تفوق 81 مليار ليرة سورية، وطاقة إنتاجية تصل إلى 150000 لوح سنويًا.
وفق الهيئة، فإن المشروع يهدف إلى إنتاج ألواح شمسية عالية الجودة، وبأسعار مناسبة تلبي الطلب المتزايد عليها محليًا، وتخفض الكميات المستوردة منها، مع توقعات بأن المشروع سيوفر 53 فرصة عمل جديدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :