عنب بلدي – خالد الجرعتلي
منذ بدء التصعيد الإسرائيلي ضد “حزب الله” اللبناني، توسعت الضربات الإسرائيلية إلى داخل الأراضي السورية، مستهدفة مصالح “الحزب” في سوريا وطرق إمداد إلى لبنان.
البيانات الإسرائيلية الرسمية أشارت بشكل متكرر إلى ضلوع “الأمن العسكري” (الاستخبارات العسكرية) في دعم أنشطة “حزب الله” وإيران في سوريا، ما جعل من مفارزه عرضة لهذه الضربات.
واتهمت هذه البيانات “الأمن العسكري” بالضلوع في نشاط “حزب الله”، من نقل أسلحة وتجنيد أفراد، في وقت يحاول فيه النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، اتخاذ موضع الحياد من الحرب.
“الأمن العسكري” في الواجهة
في 4 من تشرين الثاني الحالي، دخلت وحدة عسكرية إسرائيلية إلى الأراضي السورية بين محافظتي درعا والقنيطرة، واعتقلت شخصًا قالت إن إيران جندته في سوريا.
وأظهر أحد التسجيلات المصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي من عملية التحقيق، أن علي سليمان العاصي جُنّد من قبل “الأمن العسكري”، واتضح لاحقًا أن إيران هي من تقف خلف تجنيده.
وتكرر ذكر “الأمن العسكري”، في 30 من تشرين الأول الماضي، عندما تحدث مركز “ألما” الإسرائيلي عن سبب استهداف إسرائيل لحي كفرسوسة الأحدث وسط العاصمة دمشق.
وقال مركز “ألما“، إن الاستهداف طال مجمعات تتبع لفرع “الأمن العسكري” على خلفية إدارته للمعابر بين سوريا ولبنان من الجانب السوري.
وفي 25 من تشرين الأول، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن طائرات إسرائيلية هاجمت بنى تحتية عسكرية لـ”حزب الله” عند معبر “جوسية” الحدودي بين سوريا ولبنان.
وأضاف أدرعي أن “حزب الله” خطط لنقل أسلحة عبر معبر “القاع” الذي يديره “الأمن العسكري” التابع للنظام السوري.
لماذا “الأمن العسكري”؟
على مر السنوات الماضية، شكّل تغلغل إيران في سوريا نقطة للنقاش على الصعيد الإقليمي، وطرحت مكافحته كشرط لعودة النظام السوري لمحيطه العربي، في مبادرة طرحتها الأردن مطلع العام الماضي.
تتغلغل إيران بمختلف القطاعات في سوريا أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، لكن هذا التغلغل يتفاوت أمام نفوذ روسي مضاد، وقطاعات قد تكون أقل أهمية بالنسبة لطهران، في حين أن الممر البري الواصل بين العراق ولبنان عبر سوريا يعد على رأس أولويات طهران.
ويمتد هذا الطريق من العراق عبر معبر “القائم” الحدودي مرورًا بمدينة البوكمال، ومحافظات وسط سوريا، وصولًا إلى لبنان.
وفي سوريا، يدير “الأمن العسكري” المعابر الرسمية على الحدود، كما تنتشر نقاطه الأمنية والعسكرية في مناطق حدودية.
الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، يرى أن ارتباط إيران بـ”الأمن العسكري” ليس حالة فريدة، لكن انزعاج إسرائيل من هذا التغلغل يرجع للمواقع التي ينشط فيها “الأمن العسكري” في سوريا.
وقال الباحث لعنب بلدي، إن إيران تغلغلت في مفاصل سوريا كافة، والأجهزة العسكرية والأمنية جزء منها، لكن الرقعة الجغرافيا التي ينشط فيها “الأمن العسكري” هي بطبيعة الحال مساحات تخدم نشاط “حزب الله” اللبناني في سوريا على الصعيد اللوجستي.
شعبان يرى أن الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة التي طالت “الأمن العسكري” مرتبطة بتخديم “حزب الله” عبر مناطق تنشط فيها هذه المؤسسة الأمنية، ولا يعتبر نفوذ إيران فيها مختلفًا عن بقية المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ووفق الباحث، توافق تغلغل إيران في “الأمن العسكري” مع بنك الأهداف الإسرائيلي الهادف لقطع إمدادات إسرائيل، وهي سياسة تل أبيب المعتدة في سوريا.
ولفت إلى أن إسرائيل لم تستهدف “الأمن العسكري” في مناطق أخرى خارج الجغرافيا المفيدة لـ”حزب الله” اللبناني.
وسبق أن تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، منها “Times Of Israel“، عن أن الجيش الإسرائيلي فرض “حصارًا عسكريًا” على لبنان، يهدف لمنع تهريب الأسلحة إلى البلاد من إيران، سواء عبر المعابر البرية أو عبر مطار “بيروت الدولي”.
ونفذت إسرائيل منذ بدء عملياتها العسكرية في لبنان ضربات على بعض المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، ولم يُسمح لبعض الرحلات الجوية القادمة من إيران بالهبوط في بيروت.
تغلغل إيراني “شديد”
وبينما تستهدف الضربات الجوية قدرات عسكرية إيرانية محددة داخل سوريا، لا يواجه أي طرف وجود إيران الفعلي في سوريا أو يحد من تغلغله في مفاصل المؤسسات السورية.
وفي حين تقف الولايات المتحدة في حالة عداء لإيران، انعكست بغارات شنتها في تشرين الثاني الحالي، وقبلها مطلع العام الحالي، في دير الزور، لم تتحرك أمريكا بشكل واضح أو معلن للحد من نفوذ إيران في سوريا، فالهجمات الأمريكية المتكررة دائمًا ما تكون “عقابية” وتأتي ردًا على الاستفزازات الإيرانية من خلال هجمات صاروخية على قواتها شرق نهر الفرات، لكنها لا تتدخل ما دون ذلك.
يعتقد الباحث نوار شعبان أن من الصعب دائمًا تقييم مدى قدرة إيران على التغلغل بمنظومة معينة، لكن عند رؤية هذه المنظومة بدأت تقدم خدمات لوجستية لـ”حزب الله” أو إيران نفسها، يمكن وصف هذا التغلغل بـ”الشديد”.
وأضاف أن تمتع إيران بنفوذ داخل مؤسسة ما، لا يمكن قياسه بالأعمال العسكرية، إنما يقاس نظرًا إلى حجم التخديم على تأمين نقاط تهريب أسلحة، وتأمين شحنات، وحماية شحنات أسلحة، وحماية مستودعات، وفق شعبان.
ولفت الباحث إلى أن النظام السوري قادر على تجنب فصل “الأمن العسكري” عن الجغرافيا المفيدة لـ”حزب الله” في حال قرر تجنيبه الضربات الإسرائيلية.
ولفت إلى أن خطوة من هذا الحجم لا يمكن أن تكون سهلة التطبيق بالنسبة للنظام، نظرًا إلى نفوذ “حزب الله” وإيران المتراكم عبر السنوات الماضية.
كيف تنتشر إيران في سوريا
تتعدد آليات الوجود الإيراني في سوريا، سواء عبر ضباط تطلق عليهم إيران اسم “مستشارين”، وهم المسؤولون عن تسيير مصالح إيران في البلاد، وآليات تدريب الميليشيات الوكيلة لإيران في المنطقة، أو عن طريق ميليشيات مشكّلة من عناصر ينحدرون من جنسيات وبلدان مختلفة، من بينها سوريا، ويجمعها الولاء الديني.
وتتوزع هذه الميليشيات على الجغرافيا السورية التي يسيطر عليها النظام السوري بشكل أساسي، وتسيطر على مناطق نفوذ خاصة بها في الشرق السوري، وبالتحديد في مدينتي البوكمال والميادين شرقي دير الزور، إضافة إلى مناطق أخرى في عدة محافظات، بينها ريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحلب وحمص وحماة.
وتتحرك هذه الميليشيات وفق الظروف العسكرية والأمنية المخطط لها مسبقًا، لكن الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة صارت تفرض تحركات مختلفة عما اعتادته هذه الميليشيات، لتجنب أكبر قدر ممكن من الخسائر.
ويمتد وجود الميليشيات الإيرانية، وكذلك قادة في “الحرس الثوري الإيراني”، من الحدود السورية- العراقية في أقصى الشرق، بالقرب من مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وصولًا إلى الجنوب السوري على الحدود مع الجولان المحتل.
تزايدت الضربات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، منذ اندلاع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، في 7 من تشرين الأول 2023، وما تبعها من تصعيد عسكري من إيران وحلفائها في المنطقة.
ومنذ دخول إيران عسكريًا في الميدان السوري عام 2013، لم تظهر إحصائيات دقيقة لأعداد أفراد الميليشيات المدعومة من إيران، كما تنفي الأخيرة وجود أي قوات نظامية تابعة لها على الأراضي السورية، وتكتفي بالإشارة إلى وجود “مستشارين عسكريين” فقط.
البيئة الاستراتيجية لإيران
في دراسة صدرت في كانون الأول 2020، حملت عنوان “مجموعات الوكلاء الإيرانيين في العراق وسوريا واليمن: تحليل مقارن بين الوكيل الرئيس”، نشرتها وكالة نظم المعلومات الدفاعية الأمريكية، وهي هيئة حكومية، طرحت إجابات لتساؤلات حول البيئة الاستراتيجية لإيران، وحرب الوكلاء التي أطلقتها ضد الولايات المتحدة منذ سنوات.
وذكرت الدراسة التي جاءت في 154 صفحة، في فصلها الأول، أن جميع العمليات الهجومية الإيرانية ضد المصالح الأمريكية تقريبًا، تنفذها طهران بالتعاون مع وكيل مدعوم من قبلها، تساعده من خلال توفير المعدات والتدريب، تجنبًا للانخراط في صراع مع أعدائها.
وحول أهداف إيران قالت الدراسة، إن طهران تستخدم “نهجًا ثوريًا” في سياستها الخارجية التي تهدف لتحسين وضعها في الشرق الأوسط، والنظام الدولي على نطاق أوسع.
وأضافت أن أهداف سياسة طهران الخارجية المعلنة متعددة الجوانب، لكن يمكن ترتيبها في أربع فئات عريضة، هي تصدير “الثورة الإيرانية”، وبسط النفوذ الاقتصادي والسياسي على المنطقة، وحماية أتباع “النظام الشيعي”، وتعزيز قوتها التقليدية.
ويسعى نظام الحكم في إيران حاله حال جميع الحكومات إلى البقاء بأي ثمن، ويشمل ذلك الاستفادة من قوة الجماعات سواء كانت تتفق معها أيديولوجيًا أم لا، على سبيل المثال، بعد الحرب العراقية- الإيرانية، غض نظام صدام حسين العراقي الطرف عن نشاط جماعات سنية بمحافظة الأنبار العراقية بعمليات تهريب بضائع كانت تمنع العقوبات دخولها إلى البلاد.
بمجرد مغادرة القوات الأمريكية العراق عام 2011، استخدمت إيران المجموعات نفسها كوكلاء لاحتواء طرق الإمداد القبلية السنية، لتحقيق وصول غير مقيد إلى المواني على البحر الأبيض المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا.