“الانفصال الجيلي”.. تحدي صحافة المستقبل
علي عيد
الصحفيون “الشباب سيكونون رؤساءنا وسيكونون في وضع يسمح لهم بتوظيفنا. لقد حان وقتهم الآن”، يقول روبرت هيرنانديز، أستاذ الممارسة المهنية في كلية “أننبرغ للاتصال والصحافة” (USC Annenberg) بجامعة جنوب كاليفورنيا.
توقفت عند هذه العبارة، على خلفية نقاشات نخوضها في إدارة التحرير بجريدة عنب بلدي، وجميعنا من أبناء الجيل “إكس” (Generation X)، إذ نريد الولوج إلى الجيل التالي “زد” Generation Z))، وصنع هوية تناسب هذا الجيل وتتحضر لجيل “ألفا” (Gen Alpha) الذي ولد بعد عام 2011.
مؤسسات غير ربحية ومعاهد دراسات وأبحاث غربية، ذهبت بعيدًا في دراسة تحديات مستقبل الإعلام مع الأجيال الجديدة، وهو ما لا يحظى بالاهتمام المطلوب في المجتمعات العربية، حيث تسيطر ثقافة سياسية واجتماعية تقليدية ممانعة للتطور، ويتولى الجيل الجديد بنفسه البحث عن اهتماماته عبر المتاح من ثقافات غير محلية، وهو ما يفسر فجوة الأجيال (Generation gap)، أو أكثر من ذلك ما يمكن تسميته “الانفصال الجيلي” (Generational separation)، إن صحّ التعبير، في أغلبية الدول العربية، فغالبًا ما يشتكي الآباء من “GX” عدم القدرة على التواصل مع أبنائهم مواليد نهايات “GZ” وصولًا، وبشكل أكبر، إلى “GA”.
يبدو أن مشكلة تواصل الأجيال ترتبط بشكل وثيق بطبيعة التغيرات الهائلة التي شهدتها نهايات الألفية الثانية والعقدان الأخيران من الألفية الثالثة، فهناك نزوع واضح لدى الأجيال الجديدة لصناعة هويتها، وهي هوية متقوقعة فيزيائيًا ومندمجة افتراضيًا، ويظهر هذا في اللغة والملبس والموسيقا والعلاقات البينية لأبناء الجيل.
هل للصحافة دور أم أنها تتحمل مسؤولية جزئية أو كلية عن “الانفصال الجيلي” في المجتمعات العربية، ذلك سؤال تصعب الإجابة عنه دون بحث معمق، يقوم على دراسة المحتوى الإعلامي، وتأثير الانفتاح في ضوء ضعف المواكبة، وتحليل طبيعة القوى المسيطرة على هذا الإعلام وأهدافها، وتأثير الفقر والحروب والصراعات على هذه المجتمعات.
تشير بعض الدراسات، وهي نادرة، ومنها “استطلاع رأي الشباب العربي” (ASDA’A BCW)، إلى أن الثقة تتفاوت لدى أبناء الجيل الجديد (18-24) بطبيعة الحياة التي يعيشونها في بلدانهم.
وتظهر النسخة الـ15، التي نُشرت عام 2023، تباينات رأي الشباب من مختلف الدول العربية وبينها سوريا، بسياسات حكوماتهم، وإن كان الاستطلاع يشير إلى رضا أكبر لدى مواطني دول الخليج العربي (87%) عن سياسات حكوماتهم، فإن أكثر من ثلثي الشباب في شمال إفريقيا وبلاد الشام (شمال إفريقيا 61% وبلاد الشام 71%)، يقولون إن حكوماتهم لا تملك السياسات الصحيحة لمعالجة مخاوفهم الأكثر أهمية.
بالعودة إلى نسخة سابقة من الاستطلاع، تعود إلى عام 2019، يتحدث الشباب العرب عن الدين باعتباره يلعب دورًا كبيرًا جدًا في الشرق الأوسط، وأن المؤسسات الدينية بحاجة إلى الإصلاح.
وتشير نسخة 2019 (لا تشمل سوريا) إلى أن ثلاثة من كل أربعة شباب عرب غير راضين عن جودة التعليم في بلادهم، وأكثر من نصفهم يريدون متابعة التعليم العالي في الغرب.
وحول سؤال عن مصدر الأخبار الذي يحصل عليه أبناء الجيل، يتحدث الأشخاص المستطلعة آراؤهم عن وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها المصدر “الأكثر شعبية” مقابل “وسائل الإعلام التقليدية”.
وفوق ذلك يرون أن وسائل التواصل “أكثر جدارة بالثقة”، وأنها “أصبحت المصدر الرئيس للأخبار لديهم”، متفوقة على التلفزيون، وهو ما اعتبره الدارسون متوافقًا عمومًا مع الاتجاهات العالمية لهذه الفئة العمرية، لكن الاندفاعة تبدو مضاعفة لدى الشباب العرب.
ارتفع خيار اعتماد الأخبار من وسائل التواصل كمصدر أول لدى الشباب، عام 2019، إلى 80%، مقارنة بـ25% عام 2015، وهو ما ينبغي ملاحظته وتفسير أسبابه، ومواكبته من قبل الإعلام.
يستخدم 9 من كل 10 شباب عرب واحدة على الأقل من قنوات التواصل الاجتماعي الرئيسة يوميًا. ويحتل “واتساب” القناة الاجتماعية المفضلة في دول الخليج بنسبة (96%)، أما في بلاد الشام فيحتل “واتساب” المرتبة الأولى بنسبة 89%، ثم “فيس بوك” 88%، ثم “يوتيوب” 77%، و”إنستجرام” 68%.
تبدو النسب في العالم العربي أكبر منها في الغرب، ويظهر استطلاع مركز “بيو للأبحاث” في الولايات المتحدة، أن 36% من الشباب الأمريكيين (بين 18 و29 عامًا) يحصلون على أخبارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل 27% لمواقع الأخبار و16% للتلفزيون.
أما مسح معهد “رويترز” على 74000 شخص عام 2018، (يشمل 37 سوقًا عالمية)، فأظهر أن 53% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا على مستوى العالم استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي كبوابة للأخبار في أسبوع واحد.
النسب السابقة والتفاوت الحاصل، يظهران اندفاعًا أكبر لدى الشباب العربي، وخصوصًا الدول التي شهدت حروبًا وصراعات، نحو التخلي عن النهج التقليدي في الحصول على الأخبار، وهذا يعني أن وعيهم يتشكل وفقًا لما يأتيهم عبر الشبكات المفتوحة.
تقول دراسة “استطلاع رأي الشباب العربي”، إن وسائل الإعلام التقليدية “غالبًا ما تشوه سمعتها بسبب سيطرة الدولة، وكثيرًا ما يطلق الناشرون النار على أقدامهم”، وتعطي أمثلة على ذلك تجارب “الصحف الرائدة” في الكويت التي منعت التغطية التحريرية للشركات التي لا تعلن لديها، وكذلك “التحيز السياسي والرقابة وقمع الصحفيين”.
وترى الدراسة أن الجيل القادم سيكون أكثر ارتباطًا بوسائل التواصل مما كان يُعتقد سابقًا، وأن الشباب “ليس لديهم صبر كبير” على وسائل الإعلام السائدة، إذ يرغبون في مصادر مستقلة للأخبار والسرد البديل.
بالعودة إلى السؤال الجوهري، كيف يمكن الولوج إلى الجيل التالي، لا يبدو أننا قادرون على كسر الموجة، وأن جيل الألفية العربي، وضمنه السوري، يحتاج إلى وقفة مختلفة من الإعلام، ونهج أكثر مسؤولية، وليس بمقدورنا اللحاق، فهل “نركب الموجة”، وهل يكون هذا نمطًا انتهازيًا في التفكير، أم أننا على أعتاب فقدان الفرصة إن لم نذهب إلى رغبات الجيل، حتى لو اضطررنا إلى مخاطبة كل شابة أو شاب بشكل منفرد، وهو ما يتطلب تحليل شخصياتهم، واحترام رغباتهم. يبدو أن علينا أن نحمل رسالتهم إلى جيل سابق.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :