يحاول كتاب “الربيع الأول: ر”، دراسة المنهجية الاستراتيجية للنبي محمد من خلال النظر في تصرفاته الاستراتيجية، أي كل فعل أو قول تم في سياق العلاقات مع القوى والقبائل والأفراد المختلفين.
الكتاب، وهو للإعلامي الفلسطيني وضاح خنفر، يتضمن 20 فصلاً موزعة على 398 صفحة، يضاف إلى الفصول ملحق لخرائط جغرافية للمدينة المنورة مع تحديد أبرز معالمها ومكان تواجد القبائل، وتوزع القبائل العربية حينها في الجزيرة العربية وصولًا إلى بلاد الشام والعراق، وطرق التجارة، وتوزع القوى العالمية حينها.
يحتوي الملحق المراسلات والتحالفات والبعثات العسكرية على مختلف أنواعها، كما يشمل الخطاب الإعلامي الصادر عن النبي محمد أو أصحابه، وصولًا إلى فتح مكة في العام 8 من الهجرة (630 ميلادية).
الكاتب رسم صورة للعالم قبل البعثة وبعدها، دون أن تقتصر دراسته على المصادر الإسلامية فقط، واستعان بمصادر أخرى منها بيزنطية وفارسية، لتوضح الواقع الدولي والاقتصادي الذي تعامل معه النبي محمد.
ويرى الكاتب أن النبي محمد اعتمد في المنهج النبوي نسقًا متصلًا في التدبير السياسي والاستراتيجي، اعتمادًا على التقدير الدقيق لموازين القوى، كما كان واقعيًا في تقدير الموقف وعمليًا في وضع الخطط.
وأشار الكاتب في مقدمة كتابه إلى عدة شخصيات تاريخية استثنائية غيرت خرائط العالم وعدلت موازين القوة (حققت انقلابًا عالميًا) مستخدمة نهجًا مشتركًا، قوامه الفعل العسكري الذي أدى إلى تعزيز السلطة وتعظيم الثروة مع انتماء قومي أو امبراطوري محدد.
الشخصيات التاريخية التي أشار إليها الكاتب هي، الإمبراطور الروماني جستنيان الأول (حكم بين 527 و565 ميلادي)، ويوليوس قيصر، وداريوس الأول أعظم ملوك الإمبراطورية الإخمينية الفارسية والإسكندر المقدوني.
وبحسب الكاتب، النبي محمد وعلى البعد الاستراتيجي حقق انقلابًا عالميًا سريعًا وجذريًا، لكنه يختلف عن باقي الشخصيات المذكورة، بشكل جوهري، إذ إن منهجه الاستراتيجي لم ينطلق من مركزية السلطة واحتكار الثروة، ولم يصدر فعله ذاك عن منطلق قومي أو طموح إمبراطوري، ومن هذا البعد “تكمن فرادة الفعل النبوي استراتيجيًا”.
تحدث الكتاب في البداية عن موقع ومكانة مكة السياسية والاقتصادية وتركيبتها القبلية وصراعاتها الداخلية، واستعرض موازين القوى الدولية والإقليمية قبيل بعثة النبي وواقع الجزيرة العربية في ذلك الوقت وبناها الاجتماعية والدينية.
ثم انتقل إلى زمن البعثة والهجرة إلى المدينة وصولًا إلى فتح مكة.
البداية من برنامج
وضاح خنفر، صحفي فلسطيني عمل لسنوات في قناة الجزيرة القطرية، حتى عين مديرًا عامًا للقناة عام 2006، وقدم استقالته في أيلول 2011.
في 11 من حزيران 2020، صدر الكتاب عن دار “جسور للترجمة والنشر في بيروت، وهي دار مهتمة بالفكر والسياسة والأدب.
سبق إصدار كتاب “الربيع الأول” تقديم خنفر سلسلة حملت عنوان الكتاب عبر قناته في “يوتيوب“، المواسم الخمسة الأولى من البرنامج نشرها قبل إصدار الكتاب، والموسمين الأخيرين، السادس والسابع، نشرهما عامي 2023 و2024.
الأكاديمي التركي والمستشار السابق لرئيس حزب “العدالة والتنمية” ياسين أقطاي علق على الكتاب في مقال له بصحيفة “يني شفق” التركية.
وقال أقطاي إن الكاتب استلهم في الواقع اسم “الربيع الأول”، ضمن أجواء بيئة شهدت تحول ما يعرف بالربيع العربي إلى شتاء بفعل الثورات المضادة والانقلابات.
وأضاف أقطاي، أنه التاريخ غالبًا يكتب في ضوء اليوم المعاصر، وليست سيرة النبي محمد مستثناة من ذلك بطبيعة الحال.
وما يدفعنا للبحث عن آثار “الربيع الأول” في السيرة النبوية، بحسب أقطاي، هو الربيع الذي لم يكتمل بعد في حاضرنا.