أجّل تحقيق حلم إيران.. “أسد البحار” يصطاد مرافئ سوريا ولبنان

  • 2024/11/17
  • 12:21 م
الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هوالند يقف مع جاك ورودولف سعادة - 4 حزيران 2013 (AFP)

الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هوالند يقف مع جاك ورودولف سعادة - 4 حزيران 2013 (AFP)

عنب بلدي – علي درويش

بقيت سوريا ولبنان ضمن مخططات جاك سعادة، مؤسس شركة الشحن البحري العملاقة “CMA-CGM”، منذ أول ظهور لها في مدينة مرسيليا الفرنسية عام 1978 وحتى حصول الشركة على عقود استثمار في مرافئ اللاذقية وبيروت وطرابلس.

عودة جاك سعادة ووريثه في إدارة الشركة ابنه رودولف للاستثمار في سوريا ولبنان، جاءت بعد مرافقتهما رؤساء فرنسا خلال زيارات إلى سوريا ولبنان، وهو ما يعكس نفوذ العائلة السياسي إلى جانب قوتها الاقتصادية.

ولا تزال مجموعة “CMA-CGM” تحاول التوسع وتجدد عقودها في سوريا ولبنان، رغم التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تشهدها سوريا منذ 2011، وأزمة لبنان الاقتصادية منذ عام 2019 وتغلغل “حزب الله” اللبناني في مفاصل الدولة (وبالضرورة إيران) ولاحقًا الحرب الإسرائيلية.

رودولف أصبح مديرًا تنفيذيًا لمجموعة والده عام 2017، ليكمل في توسيع إمبراطورية والده جاك الذي توفي في حزيران 2018.

ماذا تملك “CMA-CGM” حاليًا

جاك فرنسي- لبناني، وهو ابن عائلة برجوازية والده من مدينة اللاذقية الساحلية غربي سوريا وأمه لبنانية، انتقل إلى لبنان عام 1970 بسبب قرارات التأميم التي أصدرها حزب “البعث” بعد استيلائه على الحكم في سوريا.

الحرب الأهلية اللبنانية أجبرت جاك على السفر إلى فرنسا، والاستقرار في مرسيليا، التي بدأ فيها ببناء إمبراطوريته، بعد تأسيس شركة (Compagnie Maritime d’Affrètement” (CMA”، عام 1978، مكوّنة من أربعة موظفين وسفينة واحدة ومسار شحن واحد فقط بين بيروت واللاذقية وليفورنو ومرسيليا.

تطوير الشركة على مدار 46 عامًا منحها قدرة على نقل أكثر من 21 مليون حاوية (TEU)، في مختلف القارات سنويًا، وتدير 45 محطة، وبلغ أسطولها البحري 623 سفينة مختلفة الأحجام، بسعة إجمالية ثلاثة ملايين حاوية نمطية، بحسب موقعها الرسمي.

أنشأت الشركة، في آذار 2021، خطًا للشحن الجوي بأربع طائرات شحن عبر شركة “CMA CGM AIR CARGO”، وأعلنت لاحقًا شراء طائرتين، وبانتظار أن تضم أربع طائرات أخرى إلى مجموعتها الجوية، وبذلك أصبحت قادرة على تقديم خدمات الشحن البري والبحري والجوي.

علاقات سياسية نافذة

ربطت جاك ورودولف سعادة علاقات مع الساسة في فرنسا، بحسب تحقيق أعده “راديو فرنسا” (radiofrance)، في أيلول الماضي، إحداها مع وزير الدفاع ثم الخارجية الفرنسية بين عامي 2012 و2022، جان إيف لودريان (اليوم هو الممثل الشخصي لإيمانويل ماكرون في لبنان)، الذي كان له دور في التقارب بين ماكرون ورودولف سعادة.

كما ارتبط الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا هولاند (2012-2017)، بعلاقة ودية مع جاك سعادة، وساعد الشركة عام 2013 بالخروج من أزمتها المالية، التي بدأت عام 2009 وكانت تؤدي إلى إفلاسها.

وبحسب ما قاله دومينيك بوسيرو (وزير الدولة للنقل لمدة 5 سنوات في عهد جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، ثم عضو مجلس إدارة بوسيرو)، فإن رؤساء فرنسا، فرانسوا هولاند وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وإيمانويل ماكرون، كانوا جميعًا مهتمين بشركة جاك سعادة.

ويشير بوسيرو إلى أهمية إمبراطورية سعادة للشحن، وأن الشركة تلعب دورًا استراتيجيًا لدولة مثل فرنسا، ومن الممكن الاستيلاء على البحرية التجارية في حالة حدوث أزمة عسكرية، كما فعلت مارغريت تاتشر خلال حرب الفوكلاند، يضاف إلى ذلك قدم رودولف سعادة خدمة للدولة أو السلطات المحلية.

جاك سعادة وابنه رودولف سعادة يغادران قصر اإلليزيه بعد لقائهما بالرئيس فرانسوا هوالند – 7 آذار .2014 (AFP )

عودة إلى سوريا

تطوير واستحواذ على مدار سنوات شهدته “CMA”، إلى أن عاد جاك إلى مدينته اللاذقية من بوابة الاقتصاد، لكن ذلك لم يتم مصادفة، إذ كان ضمن الوفد المرافق للرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، خلال زيارته إلى سوريا في أيلول 2008.

جاك كان في الوفد إلى جانب الرئيس التنفيذي لشركة “شل” النفطية، كريستوف دو مارجيري، التي حصلت مباشرة على عقد تجديد في دير الزور، وفق صحيفة “lefigaro” الفرنسية.

أما جاك فحصل على استثماره بعد نحو 5 أشهر، بتوقيع الشركة العامة لمرفأ اللاذقية، في شباط 2009، عقدًا مع شركته “CGM-CMA” وشركة “Terminal link”، وشركة “سوريا القابضة”، لإدارة محطة حاويات مرفأ اللاذقية لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات بموافقة الطرفين.

شركة “Terminal Link”، متخصصة في مجال استثمار المواني وتطويرها وتشغيل محطاتها، موجودة في 16 دولة بأربع قارات، مقرها مرسيليا، ومملوكة لـ”CMA “CGM بنسبة 51%، وشركة “China Merchants Port Holding Company Ltd” وهي حكومية مملوكة للدولة بنسبة 49%، وفق الموقع الرسمي للشركة.

أسست الشركات المستثمرة الثلاث فيما بعد شركة محطة حاويات اللاذقية الدولية (LICT)، كشركة سورية محدودة المسؤولية، لتتولى وتدير وتنفذ عقد إدارة وتشغيل محطة الحاويات، وباشرت عملها بإدارة وتشغيل المحطة في 1 من تشرين الأول 2009.

وفق العقد، تبلغ قيمة الاستثمارات من قبل الجهة المشغلة 45.9 مليون دولار، منها 6.2 مليون دولار لأعمال الصيانة وإعادة التأهيل للبنى التحتية في المحطة، و6.2 مليون دولار لشراء تجهيزات تعود ملكيتها لشركة المرفأ بعد انتهاء العقد.

وتبلغ مساحة المحطة 33.38 هكتار في المرحلة الأولى، وفيها 4 أرصفة و12 مأخذًا للحاويات المبردة، كما تضم 4 روافع للرصيف و5 متحركة و26 حاضنة و17 “ستافة” و55 شوكية و33 قاطرة.

وكانت الحكومة السورية أحدثت شركة مرفأ اللاذقية، وهي قطاع مشترك (خاص وعام)، عام 1950، وفق المرسوم التشريعي رقم 38 القاضي بإحداث واستثمار مرفأ بحري في مدينة اللاذقية مع المنشآت التابعة له.

وأصبحت الشركة تابعة لوزارة النقل اعتبارًا من العام 1974، ثم تحولت إلى عامة (قطاع عام) بموجب القانون 17 لعام 1982.

ويتكون المرفأ من قسمين، الأول “محطة حاويات اللاذقية الدولية” (LICT)، التي تديرها شركة “Terminal Link” حاليًا، والثاني، الشركة العامة لميناء اللاذقية، التي تشرف على الموظفين العموميين واختبارات المختبر والمعدات.

تجديد وسيطرة على حساب إيران

تأخر تجديد عقد “CMA-CGM” حتى صيف 2020 (كان من المفترض أن يتجدد 2019 بموافقة الطرفين)، اعتبرته التحليلات المتخصصة نابعًا من رغبة إيرانية بالحصول على الاستثمار مقابل رفض روسي، فيما كانت النتيجة روسية على حساب الرغبة الإيرانية.

وبحسب ما نقلته صحيفة “العربي الجديد” عن مسؤول حكومي في مرفأ اللاذقية، جرى تعديل حصة استثمار الشركة الفرنسية، لتصل إلى 99%، تبع ذلك إجراءات متعلقة بتعديل مجلس الإدارة، وإدخال الشركة مديرين تنفيذيين من كادرها.

“CMA-CGM” استمرت في عملها خلال الثورة السورية، ورغم ما تعرض النظام من عقوبات غربية وأمريكية، بسبب استخدامه العنف ضد المظاهرات السلمية.

العمل رغم العقوبات عرّض الشركة لمخاطر خرق العقوبات، لكن بحسب ما ذكره الباحث الاقتصادي كرم شعار في نشرته الشهرية حول الاقتصاد السوري، فإن العامل الرئيس لصمود الشركة هو قدرتها على التعامل مع العقوبات، فهي الشركة الغربية الكبرى الوحيدة التي استمرت في العمل بسوريا.

وأشار شعار إلى أن “العلاقة الوثيقة” التي تربط الشركة بالحكومة الفرنسية، وخاصة الرئاسة، أعطتها مزايا إضافية، وقللت من خطر اتخاذ إجراءات عقابية ضدها.

التجديد الأول تبعه تجديد ثانٍ في تشرين الأول الماضي، وهو ما حرم إيران التي حاولت خلال السنوات الماضية الحصول على ميناء اللاذقية مقابل ما قدمته من دعم عسكري وسياسي واقتصادي للنظام السوري، أسوة بمنافستها وحليفتها في سوريا، روسيا، التي سيطرت على ميناء طرطوس.

ووصف الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إياد الجعفري، عملية التجديد بأنها تأخير لحلم إيران بأن يكون “درّة تاج جزئها المتخيّل من طريق الحرير الصيني”، وبالتالي تحقيق هدفها بأن يكون لها طريق تجاري من أراضيها عبر العراق، وعبر البادية السورية، وصولًا إلى السواحل السورية، وامتلاكها إطلالة على المتوسط.

وأشار الجعفري في مقال له بموقع “المدن“، إلى وجود “فيتو” إسرائيلي على نفوذ إيران في المرفأ بدأ منذ 2019، علمًا أن المرفأ تعرض لقصف إسرائيلي عدة مرات، وفشلت محاولات الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، خلال زيارته إلى سوريا عام 2023 في الحصول على المرفأ.

النظام عوض إيران بموافقته على دفع قسم من عائدات الميناء لرد جانب من ديونها، بحسب تسريب وثائق رسمية لمجموعة إيرانية معارضة اخترقت خوادم خاصة بالرئاسة الإيرانية عام 2023.

التوصيف السياسي لتجديد عقد الشركة، بحسب الجعفري، “استقرار لموطئ القدم الفرنسية بالساحل السوري”، وبذلك نجح بشار الأسد في التملص قليلًا من العباءة الإيرانية، ليحافظ على “شعرات معاوية” العديدة التي يمدّها مع قوى دولية وإقليمية أخرى.

مرفأ في سوريا.. إمبراطورية في لبنان

جاك بدأ استثماره باللاذقية بعد مرافقته ساركوزي، وابنه رودولف عاد إلى لبنان بعد مرافقته الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى لبنان في آب 2020 عقب انفجار مرفأ بيروت.

لم تتجاوز استثمارات العائلة في سوريا بحسب ما هو ظاهر مرفأ اللاذقية، أما في لبنان فإنها تحولت إلى شبه إمبراطورية اقتصادية في قطاعات مختلفة، على رأسها المواني (طرابلس وبيروت).

وتوسع نفوذ رودولف سعادة الاقتصادي في لبنان، وأصبح يعقد اجتماعات مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية للبحث في آفاق الاستثمار، أحدها كان في حزيران الماضي.

لم تتأكد عنب بلدي من وجود استثمارات لعائلة سعادة في لبنان قبل زيارة رودولف وماكرون، لكن جاك سعادة كان شغل رئاسة “الغرفة اللبنانية الفرنسية للتجارة” بين بين 1986 و2014، بحسب موقع “من هم”.

وبحسب تحقيق لموقع “درج” حمل عنوان “مناقصة مشبوهة بمرفأ بيروت“، ومقال للصحفية الاقتصادية عزة حاج حسن في موقع “المدن” اللبناني، تمددت استثمارات رودولف بعد الزيارة، وهي:

  • عام 2021، استحوذت مجموعة “CMA-CGM” عام 2021 على حصص في أسهم شركة “Gulftainer” لبنان، وهي الشركة التي تدير محطة حاويات طرابلس، والمرفأ التجاري الثاني في لبنان، وكانت مملوكة لرئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، وأنطوان عماطوري.
  • في شباط 2022، مناقصة إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة 10 سنوات، عبر صفقة مشبوهة، إذ سوق للمناقصة بشكل سري، وفق تحقيق “درج”.
  • في آذار 2023، حصل تحالف شركتي “Colis Privé” و”Merit invest” (كلتاهما تتبع لـ”CMA-CGM”) على عقد تلزيم شركة “liban post”، وبذلك استولت على قطاع الخدمات والمنتجات البريدية في لبنان (كانت لرئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي).
  • مقر “CMA-CGM” في بيروت هو مقرها الإقليمي الذي يغطي أعمالها في السعودية وسوريا والعراق ومصر والسودان والأردن وقبرص واليونان، إضافة إلى محطات الحاويات في مرفأي بيروت وطرابلس.

“أسد البحار” يبني إمبراطوريته

توفي جاك سعادة في 24 من حزيران 2018، عن عمر ناهز 81 عامًا، وكان ابنه رودولف قد أصبح رئيسًا تنفيذيًا للشركة عام 2017.

وتعد عائلة جاك من العوائل البرجوازية المعروفة في اللاذقية، وكان لوالده رودولف (الجد) استثمارات بعدة قطاعات في سوريا، وترك جاك سوريا بسبب قرارات التأميم التي أصدرها حزب “البعث”.

بحسب الموقع الرسمي للشركة، البداية كانت عام 1978 عبر شركة تسمى “Compagnie Maritime d’Affrètement”، مكونة من أربعة موظفين وسفينة واحدة ومسار شحن واحد فقط بين بيروت واللاذقية وليفورنو ومرسيليا.

فكرة استخدام حاويات الشحن الفولاذية في نقل البضائع كونها أكثر أمانًا وكفاءة ومرونة، “استلهمها” المؤسس جاك سعادة من الصناديق الفولاذية التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية حينها لإرسال الملابس والمعدات إلى قواتها.

أضافت الشركة خدمة جديدة في طرق شحنها لتشمل قارة أمريكا الشمالية، بعد شرائها سفينتين، لتصبح في 1986 شركة ناشئة سريعة النمو.

وانتقلت خلال العشر سنوات التالية إلى مرحلة جديدة، تضمنت توقيع اتفاقية تجارية مع شركات شحن كبرى تخدم خط البحر الأحمر (من الصين إلى مصر) عام 1987، وافتتاح مكاتب لها في آسيا أبرزها بشنغهاي الصينية عام 1992، وأطلقت عام 1994 خط فرنسا آسيا (FAL).

تطوير الشركة شمل جوانب أخرى، منها عمليات الاستحواذ التي أجرتها الشركة بدءًا من عام 1996، أبرزها:

  • الاستحواذ على شركة Compagnie Générale Maritime”” (CGM)، وهي شركة حكومية فرنسية، منحت جاك وصولًا لخطوط شحن إلى جزر الهند الغربية والأمريكيتين، وبذلك أصبحت “CMA” في المرتبة الـ12 بين تكتل شركات الشحن على مستوى العالم.
  • عام 1998 استحوذت على شركة الخطوط الوطنية الأسترالية “Australian National Line” (ANL) صاحبة الحضور في المحيط الهادئ، المتخصصة في نقل الحاويات إلى جميع الوجهات الرئيسة في أوقيانوسيا، مع تغطية في جميع أنحاء آسيا وأستراليا ونيوزيلندا وجزر المحيط الهادئ وشبه القارة الهندية وأمريكا الشمالية.
  • الاستحواذ على شركة “Mac Andrews” في المملكة المتحدة، و”Delmas” عام 2005 وتأسيس مؤسسة ” CMA CGM” في غرب إفريقيا، و”CNC” في تايوان، و”COMANAV ” في المغرب، و”US Lines” في الولايات المتحدة، أيضًا فتح طرق لها جديدة.
  • في 2014 استحوذت على شركة “OPDR”، المتخصصة في الشحن البحري لمسافات قصيرة لشمال أوروبا وجزر الكناري وشبه الجزيرة الأيبيرية والمغرب، وحلول الخدمات اللوجستية من الباب إلى الباب.
  • وفي 2016 استحوذت على شركة “NOL”، أكبر شركة شحن مدرجة في بورصة سنغافورة، وعمليات استحواذ أخرى على شركات باختصاصات تطوير خدمات الشحن وتعزيز الخبرة اللوجستية، وتقديم مجموعة الحلول عبر سلسلة التوريد.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية