منذ إعلان فوز ترامب، تهافتت المباركات من أطراف تتبع لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، في نفس الوقت، قالت ممثلة “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في أمريكا، سينم محمد، إن السياسة التي سيتبعها ترامب ستكون مختلفة عن سياساته سابقاً.
وعقب إعلان فوز دونالد ترامب، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت “الإدارة الذاتية” بيانًا هنأت فيها ترامب، وقالت إنها تتطلع إلى “دور ريادي يسهم في تحقيق الاستقرار، ويعزز جهود مكافحة الإرهاب، ويحد من مساعي تهديد الأمن الإقليمي والدولي”.
الرئيس المشترك في “الإدارة الذاتية” حمدان العبد، قال من جانبه، لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان“، في 11 من تشرين الثاني الحالي، “نحن في الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا لدينا حلفاء آخرين على غرار روسيا ودول أوروبية أخرى”، ردًا منه على فرضية الانسحاب الأمريكي من سوريا.
تعليقات “الإدارة الذاتية” جاءت تزامنًا مع تعاطٍ تركي مع فوز ترامب بالانتخابات من بوابة سوريا، إذ سارعت أنقرة للحديث عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، حتى قبل أن يشير ترامب نفسه إلى هذه القضية التي سبق وطرحها خلال ولايته السابقة عام 2019.
تركيا متحمّسة
في 6 من تشرين الثاني الحالي، قال روبرت كينيدي جونيور، وهو أحد الحلفاء المقربين من الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إنه يريد سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا.
وذكر روبرت في حديثه مع شبكة “تاكر كارلسون” الأمريكية، خلال بث مباشر لتغطية نتائج الانتخابات الرئاسية، أن الرئيس ترامب أعرب عن نواياه بشأن سحب قواته من شمال شرقي سوريا، في أثناء رحلة بالطائرة.
وأضاف كيندي، الذي من المتوقع أن يلعب دورًا رئيسيًا في حكومة ترامب، “كنا نتحدث عن الشرق الأوسط، وأخذ ترامب ورقة ورسم عليها خريطة للشرق الأوسط مع جميع الدول الموجودة عليها، وهو ما لم يتمكن معظم الأمريكيين من فعله”.
“كان ترامب ينظر بشكل خاص إلى الحدود بين سوريا وتركيا، وقال، لدينا 500 جندي على الحدود بين سوريا وتركيا ومعسكر صغير تعرض للقصف”، بحسب ما نقل عنه كينيدي.
وقال كينيدي إن ترامب أبلغه بوجود 750 ألف جندي في تركيا و250 ألفًا في سوريا، ولم يحدد ما إذا كان يقصد قوات النظام أم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أم مزيجًا من الاثنين.
ثم قال ترامب له، “إذا واجهوا بعضهم البعض، فإننا سنكون في الوسط، وسنصبح وقودًا للمدافع في حال اندلاع قتال بين الأطراف المتصارعة”، ثم ختم ترامب حديثه قائلًا، “أخرجوهم”، في إشارة إلى القوات الأمريكية الموجودة في سوريا.
من جانبه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تتطلع بلاده لإنهاء سيطرة “الإدارة الذاتية” على مناطق من سوريا، أكد مطالبه من الولايات المتحدة، غداة إعلان فوز دونالد ترامب.
وقال أردوغان، في 8 من تشرين الثاني، “سنواصل محادثاتنا مع دونالد ترامب في الفترة الجديدة، ونناقش كيف سنشكل تطورات الشرق الأوسط بحسب التطورات عبر دبلوماسية الهاتف كما في السابق. على سبيل المثال، سننظر في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا”.
ونقلت صحيفة “حرييت” التركية حديث الرئيس التركي للصحفيين، بالقول إن أنقرة لا تزال مصممة على سياستها المتمثلة في إنشاء ممر أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتر على طول حدودها الجنوبية.
ماذا تغيّر
كانت “الإدارة الذاتية” تشعر براحة أكبر من خلال تلقيها الدعم مع إدارة أمريكية “ديمقراطية”، أكثر مما كان عليه الوضع خلال ولاية ترامب السابقة، الذي يمثل الإدارة “الجمهورية” الأمريكية، وفق ما يراه الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا بمركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي.
الباحث قال لعنب بلدي، إن مستشار الأمن القومي الأمريكي بريت ماكغورك كان مهندس العلاقة بين “الإدارة الذاتية” والإدارات الامريكية، وكان من أشد المدافعين عن فكرة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، خلال الولاية السابقة لدونالد ترامب.
واستقال ماكغورك من منصبه على خلفية إصرار ترامب على الانسحاب من سوريا.
شيخ علي قال إن عودة ترامب الذي تعتبره “الإدارة الذاتية” صاحب تاريخ سيئ معها، بعد أن سحب القوات الأمريكية من مناطق في ريف الحسكة والرقة وحلب، تاركًا القوات التركية تتغلغل فيها على حساب “قسد”، دون وجود شخص مثل ماكغورك فيها، قد تعتبر “الإدارة” مشكلة ستواجهها مستقبلًا.
وفي الوقت نفسه، اعتبر الباحث أن جميع الفاعلين في المنطقة يدركون أن ترامب هو “رجل صفقات”، أي أنه لا يريد أن يخرج خاسرًا أو يقدم شيئًا دون مقابل، ما يجعل من حالة القلق من عودته غير محصورة فقط في “الإدارة الذاتية” إنما يمكن اعتبار جميع الأطراف قلقة من هذه العودة.
وتوقعت مصادر دبلوماسية في أنقرة، وفق ما نقلته “BBC” بنسختها التركية، أن أنقرة تتوقع توقف إدارة دونالد ترامب عن دعم “قوات سوريا الديمقراطية” وهي الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”.
وأضافت أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا أعيدت مناقشتها مؤخرًا في واشنطن، وقد تجري عملية انسحاب أمريكي من سوريا بيم عامي 2025 و2026.
ولفتت إلى أن أحدث اجتماع رفيع المستوى بين أنقرة وواشنطن بشأن سوريا، جاءت ضمن نطاق زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي جون باس إلى تركيا في أيلول الماضي.
وأضافت المصادر لـ”BBC” أن الولايات المتحدة ليس لديها حتى الآن أجندة للانسحاب رسميًا، لكن أنقرة تلقت رسالة مفادها “يجب حل المشكلة على أساس التعاون”.
ومن بين التقييمات التي تم إجراؤها في أنقرة أن هذه المراجعة التي بدأتها الإدارة الأمريكية الحالية ستستمر بعد وصول ترامب إلى السلطة، وأن أنقرة وواشنطن يمكن أن تتوصلا إلى اتفاق في هذا الإطار.
خطة مطروحة للإنسحاب
في أيلول الماضي، حددت الولايات المتحدة الأمريكية الجدول الزمني لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.
وذكر بيان أمريكي- عراقي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن مهمة التحالف في العراق تقرر إنهاؤها خلال مدة لا تتجاوز الـ12 شهرًا المقبلة.
ولمنع عودة تهديد التنظيم من شمال شرقي سوريا، ستستمر المهمة العسكرية للتحالف العاملة في سوريا، انطلاقًا من المشاورات مع اللجنة العسكرية العليا، حتى أيلول 2026.
نائبة السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قالت خلال إجابتها على أسئلة صحفيين، الجمعة، إن مهمة التحالف الدولي تتغير إلى “شراكة أمنية ثنائية” مع الحكومة العراقية.
وأضافت أنها لا تملك أرقامًا حول أعداد القوات العسكرية التي يمكن أن تنسحب من المنطقة، لكن “بصمة” بلادها ستتغير في العراق.
سينغ أشارت أيضًا إلى أن “البنتاجون” لديه المزيد لمشاركته في وقت لاحق.
وتعتبر الولايات المتحدة داعمًا لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، وتسيطر الأخيرة على مساحات واسعة شرق نهر الفرات تضم محافظات الرقة والحسكة، وأجزاء من دير الزور.
اقرأ أيضًا: الانسحاب الأمريكي من العراق.. “قسد” أول المتضررين
أمريكا ملزمة بمواجهة إيران
منذ بداية التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط قبل أكثر من عام، تكررت الاستهدافات للقواعد الأمريكية في المنطقة، من قبل ميليشيات مدعومة من إيران، تراها واشنطن على أنها تحاول إجبارها على سحب قواتها من المنطقة.
وشكلت القواعد الامريكية نفسها، خط دفاع أول عن إسرائيل، التي تعرضت لهجمات مباشرة من إيران لمرتين خلال العام الحالي.
الباحث أسامة شيخ علي، يرى أن الظروف المحيطة بأمريكا، سواء في سوريا أو الإقليم، هي اليوم مختلفة عما كانت عليه بين عامي 2018 و2019، عندما قرر ترامب الانسحاب لأول مرة.
وأضاف أن الحرب الإقليمية القائمة حاليًا والعدوان الاسرائيلي المستمر على غزة والحرب الإسرائيلية على “حزب الله” المدعوم إيرانيًا في لبنان، تحمل مخاوف من تمدد الصراع إلى سوريا.
وفي الوقت نفسه، قدمت إدارة ترامب خلال حملته الانتخابية وعودًا متعلقة بمواجهة إيران واذرعها في المنطقة، ما يجعلها ملزمة بذلك.
وفي حال كانت الولايات المتحدة تسعى لمواجهة الميليشيات الإيرانية في سوريا فإن “قسد” ستكون جزءًا أساسيًا من ذراعها على الأرض لمحاربة هذه الميليشيات، كما كانت ذراعها لمحاربة تنظيم “الدولة”.
واستبعد شيخ علي أن تتخلى واشنطن عن “قسد” بشكل كلي، مع استمرار احتمالية أن يعقد ترامب صفقة مع أردوغان، تفضي للتخلي عن مناطق تسيطر عليها “قسد”، أو على الأقل تشكيل ضغوطات أكبر على قسد لتخفيف سيطرة “حزب العمال الكردستاني” على مفاصل صناعة القرار في “قسد” و”الإدارة الذاتية”.
ويتحكم “العمال” المدرج على لواء إرهاب تركية وأمريكية بمفاصل صناعة القرار في “الإدارة الذاتية” و”قسد”، وتعتبر أنقرة أن الأخيرين يشكلان امتدادًا لـ”العمال” في سوريا.