إسرائيل تقطع الإمدادات
هل يستعد الأسد للتخلي عن إيران و”حزب الله”؟
عنب بلدي – جنى العيسى
كثف الجيش الإسرائيلي ضرباته مؤخرًا على مواقع في سوريا، في محاولة واضحة لقطع إمدادات الأسلحة نحو “حزب الله” اللبناني.
وعلى غير عادتها، تبنت إسرائيل عددًا من الضربات التي نفذتها في مناطق سيطرة النظام، أحدثها في العاصمة دمشق، حيث قالت إنها استهدفت مصالح تابعة لـ”ركن الاستخبارات في حزب الله” الموالي لإيران، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، في 4 من تشرين الثاني الحالي.
وتعرضت الحدود السورية- اللبنانية لقصف متكرر من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي، في محاولة لقطع إمدادات “حزب الله” اللبناني من سوريا، وكثفت إسرائيل غاراتها خلال الأسابيع الأخيرة، وطالت المعابر الرسمية وغير الرسمية بين البلدين.
وعلى طول الحدود، توجد معابر غير شرعية استخدمت خلال السنوات الماضية في عمليات تهريب البشر والبضائع والأسلحة وحبوب “الكبتاجون”، إلى جانب ستة معابر شرعية تستخدم للمعاملات التجارية، وعبور المدنيين.
وفي هذا السياق تحدثت إسرائيل عن “فرض حصار عسكري على لبنان” لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية لـ”حزب الله” بريًا وجويًا، وفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“.
وتصر إيران بشكل متكرر ورسمي على بقائها في سوريا، وتؤطر وجودها بأنه “استشاري” وبطلب من حكومة النظام السوري، ولكنها منذ بداية نشاطها في سوريا عملت على دعم النظام سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، ووسعت نفوذها خلال السنوات الماضية في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية.
سعي للتعاون مع الأسد
في 6 من تشرين الثاني الحالي، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن مصادر، أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تسعيان لتحجيم نفوذ إيران في سوريا، وذلك عبر التعاون مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وفق الصحيفة، التي نقلت الحديث عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لم تسمهم، تريد كل من إسرائيل والولايات المتحدة مساعدة الأسد لمنع إيران من الاستمرار في إمداد “حزب الله” اللبناني، عبر الحدود السورية.
بحسب حديث المسؤولين، قد يدعم الأسد منع إيران من إمداد “حزب الله” عبر سوريا، لأنه أصبح مستاء من الوجود الإيراني في العاصمة دمشق.
مسؤول إسرائيلي قال للصحيفة، “نأمل في أن نستطيع جعل بشار الأسد، في الحد الأدنى، يوقف إمدادات السلاح إلى (حزب الله) عبر سوريا”.
وحتى ساعة تحرير هذا التقرير، لم يصدر أي تعليق حول حقيقة هذه الأنباء من جانب النظام السوري أو إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية.
إيران أضعف في سوريا
الباحث الأمني والعسكري اللبناني ناجي ملاعب قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “حزب الله” وإيران ليسا وحدهما في سوريا من القوى الخارجية، فهناك الأتراك والروس والأمريكيون، وإذا كان بشار الأسد يحاول التفلت من إيران في سوريا، فستكون لديه قوى خارجية يستند إليها.
واعتبر الباحث أن ملف الوجود الأجنبي في سوريا كان محسومًا لمصلحة إيران في فترة من الفترات، إلا أن دخول الروس جعل فضل بقاء الأسد في السلطة لهم، لذا فإن خيار تخلي الأسد عن إيران لا يعتبر مستبعدًا في هذا التوقيت.
ويعتقد ناجي ملاعب أن عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة، لأن ما كان ينفذ على الأرض سابقًا هو عقيدة أوباما التي أباحت توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويرى الباحث أن العديد من المؤشرات، منها التقارب العربي مع النظام ومسار التقارب مع الأتراك وغيرها من الملفات التي تديرها روسيا في هذا السياق، تؤكد أن النظام لم يعد في قبضة الإيرانيين، وهذا ممهد لإمكانية وجود دور روسي- أمريكي متفاهم عليه مستقبلًا أو حتى تركي- روسي. بدوره، لن يقف الأسد بوجه أي اتفاق دولي يحافظ على بقائه في السلطة.
تتعدد آليات الوجود الإيراني في سوريا، سواء عبر ضباط تطلق عليهم إيران اسم “مستشارين”، وهم المسؤولون عن تسيير مصالح إيران في البلاد، وآليات تدريب الميليشيات الوكيلة لإيران في المنطقة، أو عن طريق ميليشيات مشكّلة من عناصر ينحدرون من جنسيات وبلدان مختلفة، ويجمعها الولاء الديني.
وتتوزع هذه الميليشيات على الجغرافيا السورية التي يسيطر عليها النظام السوري بشكل أساسي، وتسيطر هذه الميليشيات على مناطق نفوذ خاصة بها في الشرق السوري، وبالتحديد في مدينتي البوكمال والميادين شرقي دير الزور، إضافة إلى مناطق أخرى في عدة محافظات، بينها ريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحلب وحمص وحماة.
دوليًا.. غير ممكن
الباحث السوري المتخصص بالشأن العسكري نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن نفوذ إيران و”حزب الله” وأدواتهما المختلفة في داخل النظام، بدأ منذ 2013 وتصاعد في عام 2017، وكان هذا الوجود بخصائصه لا يشكل خطرًا على الأمن القومي الإسرائيلي إلا في مناطق أو في أحداث معينة.
ويرى شعبان أن هذا الحضور سمح له من قبل العديد من الدول بالتمدد، إذ تغيرت طبيعة الوجود من أمني وعسكري إلى أدوات مختلفة منها الأدوات الناعمة، ولكنه بشكل أو بآخر استطاع التغلغل في المنظومة الأمنية لدى النظام.
ولكن منذ تشرين الأول 2023، تحولت الجغرافيا السورية إلى غرفة عمليات لإيران و”حزب الله”، وفي مرحلة التصعيد على لبنان، استهدفت غارات إسرائيلية أنفاقًا ونقاط تهريب وجسورًا نهرية ومخازن أسلحة وشخصيات مرتبطة بإيران والحزب ضمن سوريا.
وفق هذه المعطيات، يرى الباحث نوار شعبان، أن النظام السوري لا يملك القدرة على حجب أو منع تحرك إيران و”حزب الله” في سوريا، معللًا ذلك بأن هذا النفوذ نتاج كل ما حدث قبل تشرين الأول 2023، ومنها الطريقة التي عومل بها ملف الوجود الإيراني من قبل القوى الدولية.
واعتبر شعبان أنه حتى في حال وجود رغبة من النظام بالانخراط في اتفاق دولي يوقف التمدد أو الوجود الإيراني ويبعده عن مناطقه، فإنه لا يملك أدوات يقدمها في هذا السياق، فعلى سبيل المثال، قد يطلب منه التعاون الاستخباراتي، إلا أن إسرائيل ليست بحاجة إلى هذه المعلومات لأن استخباراتها تعمل بشكل جيد بالأساس.
وفسر الباحث موقف النظام من سماحه حتى الآن لإيران و”حزب الله” باستخدام الجغرافيا السورية بعاملين، أولهما غياب قدرته على منعهما من ذلك، فضلًا عن غياب الرغبة لديه بأن تتوقف أو تتقلص أدوارهما في المنطقة.
لا انفصال تام
لن يتخلى بشار الأسد عن العلاقة مع إيران، التي ساعدته على النجاة من الحرب، لكنه من ناحية أخرى “لا يريد أن يجره الإيرانيون إلى مواجهة مع إسرائيل”، بحسب ما يراه البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة “تل أبيب” ورئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط المعاصر فيها.
وقال زيسر، في حديث نشره موقع المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)، إن الأسد قد يرحب بفرض قيود على نفوذ إيران داخل سوريا، لأن الوجود الإيراني البارز قد يؤدي إلى هجمات إسرائيلية على نظامه، وفي حين أن الأسد قد يمضي قدمًا بخفض الوجود الإيراني في سوريا، فمن غير المرجح أن ينفصل تمامًا عن طهران.
في الفترة بين منتصف عامي 2023 و2024، شهدت المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا تراجعًا محدودًا في عددها من 570 إلى 529، بحسب مركز “جسور للدراسات”، لكن لا تزال إيران هي الدولة صاحبة الانتشار العسكري الأكبر في سوريا مقارنة مع بقية القوى الأجنبية.
ولم تستخدم طهران سوريا إلى اليوم بشكل مباشر في الهجمات ضد إسرائيل، على غرار الجبهة الجنوبية في لبنان، أو عبر قصف بالمسيّرات بعيدة المدى من الميليشيات المدعومة من قبلها في العراق، واقتصر الاحتكاك في سوريا على مناوشات وعدد محدود من المسيّرات الانتحارية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :