أعداء صحافة الشأن العام
علي عيد
يعاني الصحفيون ووسائل الإعلام المستقلة ضغوطًا من مختلف الاتجاهات في قضايا النشر، فالحقيقة أعداؤها كثر، وغالبًا ما تتعارض مع مصالح المتنفذين في الحكومات والأحزاب ورجال المال والأعمال.
وفي كثير من الحالات، يخلط العامة أو المنتفعون أو المتضررون من قضايا النشر، بين قضايا الشأن العام والخاص، ويزداد الخلط في المجتمعات التي تعاني حروبًا وصراعات، ولا تحتكم إلى قوانين ديمقراطية.
المجتمعات التي تخضع لضغط سلطة غير ديمقراطية، غالبًا ما تكون قضايا الشأن العام فيها محظورة على النشر، وتعاني فيها الصحافة المستقلة وصحفيوها من الملاحقة والتضييق، ويخضع القانون في تلك المجتمعات لإرادة السلطة والمتحالفين معها، وهو الحال اليوم بمختلف مناطق السيطرة في سوريا، كمثال على هذا النمط.
يقول دليل سلامة الصحفيين، الصادر عن “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” (OSCE)، إنه “دون التدفق الحر للمعرفة والمعلومات، فإن الشعوب تصبح صماء بكماء، وفي نهاية المطاف، عاجزة”.
وينبه الدليل إلى أن الصحافة عرضة لمحاولات “السيطرة والإيذاء” من قبل مجموعات أو أفراد، مثل القوى الاقتصادية، والتجمعات الأيديولوجية، أو حزب سياسي، أو زعيم واحد، أو جهاز الدولة.
ويعرف الدارسون صحافة أو تقارير الشأن العام، بأنها تلك التي تتناول الشؤون العامة وشبه العامة، مثل الحكومات والسلطات المحلية، والقطاع الخاص الذي يتعامل معه الجمهور، والسياسة، والانتخابات، والمحاكم، والمدارس، ومؤسسات الرعاية الصحية، والشؤون الحضرية والريفية، والبيئة، ومجالات اجتماعية مثل شؤون الأقليات والنساء، وشؤون المستهلكين، وتشمل أي كيانات خاصة تخضع لتنظيم الحكومة المحلية أو تؤثر على عامة الناس.
ويمكن فهم دور الصحافة في بناء الديمقراطية، على أساس المهمات التي تقوم بها تلك الصحافة، ومن ثم فهم المسؤوليات والمخاطر على حرية الصحافة، وكذلك حق الجمهور في المعرفة.
ثمة مشكلة قانونية وأخلاقية في بيئات الصراع تتعلق بقواعد النظر في قضايا النشر بالشأن العام، وضمان حق الجمهور وحق الصحافة، وضوابط ما ينشر، إذ تفتقد هذه البيئات لأرضية وثقافة قانونية، وترتبط الصعوبات أساسًا بواقع الصحافة، إذ غالبًا ما تخضع وسائل الإعلام لقوانين خارج الجغرافيا، فمعظم تلك الوسائل غير مرخصة في الداخل، وفي هذا عناصر قوة وضعف.
تكمن عناصر القوة في قدرة تلك الصحافة على معالجة قضايا تهم الجمهور دون الخضوع لضغط ومصالح سلطات الأمر الواقع، وامتلاكها هامشًا كبيرًا للتحرك، مع ضرورة التنبه إلى أمن وسلامة كوادرها ومصادرها على الأرض.
أما عناصر الضعف، فهي مرتبطة بالجانب الأخلاقي لعمل صحافة المنفى، خصوصًا مع سيطرة “السوشيال ميديا”، إذ يمكن أن يؤدي عدم اتباع القواعد المهنية جراء الشعور بالقدرة الفائقة على العمل دون ضوابط قانونية، وعدم التدقيق، والانحياز، إلى التسبب بتضليل الرأي العام، وإلحاق ضرر يخص الأطراف المرتبطة والمتأثرة بتقارير وصحافة الشأن العام.
من الأمثلة على مشكلات النشر في قضايا الشأن العام بالبيئة السورية الحالية، استخفاف بعض الجهات بجهود الصحافة، وبما تنتجه، وتجاهل قاعدة أن ما ينشر يصبح ملكًا للجمهور.
بين وقت وآخر، تطالب جهات أو أشخاص اعتباريون أو أفراد بحذف محتوى صحفي لأنه يؤثر على عملهم أو مصالحهم، ويتاح لهم المطالبة بذلك مستعينين بمستوى متقدم نسبيًا من المهنية والديمقراطية تفتح باب الاعتراض، وهو ما شرعت بتطبيقه وسائل إعلام مستقلة التزامًا بالقواعد الأخلاقية، وغالبًا لا تأخذ هذه المطالبات حق الجمهور أو المصلحة العامة.
حتى وإن جاءت مطالبات الحذف بعد تسوية الجهات المطالبة للمخالفات، فإن الأساس هو الحفاظ على المحتوى، لأنه لم يعد ملكًا للوسيلة الإعلامية، وبات جزءًا من الوثائق والأرشيف والتاريخ الذي ستعود إليه جهات مختلفة، أفرادًا كانت أم مؤسسات، لإجراء دراسات أو تدقيق أو فهم سياقات ومسارات تتعلق بظاهرة أو قطاع أو مصلحة عامة.
ما سبق لا يعني التخلي عن مكتسب حق الجمهور بالاعتراض، بل على العكس، يجب تعميق هذه التجربة وتوسيعها، لأنها تشكل خصمًا للصحافة غير المهنية، ودليلًا وأداة تصحيح للصحافة المستقلة.
المطلوب من الإعلام المستقل والمسؤول التعامل مع قضايا الشأن العام بمهنية، عبر البحث والتدقيق، وتحقيق التوازن، والاستدلال، والاعتماد على مصادر وشهادات أصلية ذات صلة، مع الاحتفاظ بالوثائق والأدلة التي تثبت صحة ما يتم نشره في حال التعرض لأي ضغط.
وكذلك ينبغي الالتزام بالحقوق الخاصة، وعدم ارتكاب أي انتهاكات، والابتعاد عن التحريض أو بث ونشر معلومات مضللة أو مبالغ فيها لإثارة الرأي العام.
لا يمكن اعتبار ما أقوله هنا بمنزلة استشارة قانونية، وإنما تلخيص بالرأي.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :