خالد الجرعتلي | هاني كرزي
شهدت سوريا خلال الأسابيع الأخيرة موجة نزوح جديدة وغير مسبوقة، واضطر حوالي نصف مليون سوري ولبناني إلى عبور الحدود طلبًا للأمان والاستقرار على وقع الضربات الإسرائيلية التي يشهدها لبنان، والتوغل البري في جنوبه.
لكن النزوح نحو سوريا، البلد الذي يعيش أوضاعًا أمنية واقتصادية معقدة، يأتي بتحديات جديدة لهؤلاء النازحين، إذ توزعوا بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي سوريا، وصولًا إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” في شرقي سوريا.
وبينما يختلف مستوى الاستجابة من منطقة لأخرى، تتعدد التحديات التي تواجه النازحين، من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، إلى التكيف مع ضغوط الأوضاع الاقتصادية والقيود الأمنية. ووسط غياب واضح لتنسيق دولي أو محلي يعالج أوضاعهم، يجد هؤلاء النازحون أنفسهم في معركة يومية للبحث عن لقمة العيش ومكان آمن.
وفي حين سارعت منظمات دولية وأخرى محلية لتقديم الاستجابة الأولية للنازحين اللبنانيين والعائدين من السوريين، بدت السلطات المحلية عاجزة عن استيعاب أعداد اللاجئين الذين انتشروا بمختلف المناطق السورية، أو كانت تبحث عن مكاسب سياسية يمكن تحقيقها من خلال هذا الملف.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف واقع العائدين السوريين واللاجئين اللبنانيين، من خلال مقابلات مع عائلات نازحة، والاستناد إلى تصريحات المسؤولين المحليين والدوليين، ومقاطعتها مع آراء خبراء وباحثين، وتقارير صدرت عن منظمات أممية حول الاستجابة لموجات النزوح.
إلى الصفر
باعتبار سوريا المنفذ البري الوحيد للبنان إلى العالم، ويتبادل البلدان الجاران ستة معابر رسمية والكثير من غير الرسمية، شكّلت سوريا الوجهة الأولية لهؤلاء النازحين من سوريين غادروا بلدهم هربًا من آلة النظام العسكرية إبان اندلاع الثورة في 2011، ولبنانيين من المناطق الساخنة جنوبي لبنان.
البحث عن مأوى
معظم العائدين من لبنان لا يملكون سكنًا في سوريا، فكثير منهم باعوا بيوتهم قبل السفر إلى لبنان أو لم يتملّكوا أصلًا في سوريا، بينما تعرضت بيوت آخرين للقصف والتدمير جراء المعارك، أو الاستيلاء من قبل المخابرات والميليشيات، ما جعلهم بلا مأوى، في وقت تشهد به إيجارات المنازل ارتفاعًا متواصلًا.
موفق الرحمون غادر إلى لبنان عام 2019، وأقام بمنطقة النوري في بيروت، وعاد إلى ريف حمص الشمالي مؤخرًا، لكنه صُدم بما وصفه بـ”الغلاء الجنوني للإيجارات”، فاضطر للإقامة مع والديه في منزلهما الصغير.
كان موفق يعمل في لبنان بطلاء الجدران، ويتقاضى حوالي 20 دولارًا يومًيا، لكن بعد العودة إلى منطقته وجد أنه لا عمل في مهنته، فالناس يكفيهم أن يعيشوا تحت سقف وبين أربعة جدران ولا يهتمون لطلاء المنزل، وفق تعبيره، لذا قرر العمل في تربية الدواجن.
أما فارس المحمد (36 عامًا) فقرر السكن مع زوجته وطفليه في مخيم “رأس العين” شمال غربي الحسكة، بعد خمس سنوات قضاها في لبنان.
فارس قال لعنب بلدي، إن أكثر الصعوبات التي واجهها هي العثور على سكن، لذا اضطر للإقامة في مخيم للنازحين، حيث يتشارك الخيمة مع قريب له.
يجلس فارس في خيمته اليوم عاجزًا عن توفير عمل، ويصرف ما ادّخره خلال السنوات التي قضاها في لبنان بمختلف المهن (ورشات بناء، حراسة، زراعة)، علمًا أنه أنفق معظم مدخراته في رحلة هروبه إلى سوريا، وفق ما قاله لعنب بلدي.
لم يتلقَ فارس أي مساعدة من المنظمات الإنسانية، واعتمد على ما قدمه له بعض الأقارب لتأمين الفرش والأغطية وبعض أدوات الطبخ، وهو يفكر في العمل بورشات البناء خارج مخيم “رأس العين”، بعدما يرتاح قليلًا من مشقة النزوح.
وفي مخيم بريف الرقة، يقيم حسين (40 عامًا)، قادمًا من منطقة الهرمل اللبنانية، بعدما نزح مع أسرته المكونة من ستة أشخاص إلى مسقط رأسه.
حسين قال لعنب بلدي، إن منزله في الرقة تدمّر بفعل الحرب، إذ خرج من لبنان لا يملك سوى ثيابه التي يرتديها، وأنفق ما يملكه من أموال خلال رحلة النزوح، لذا قرر الإقامة في مخيم “العدنانية” بريف الرقة، لكن لا تتوفر فيه الخدمات، وتغيب عنه فرص العمل.
لا عمل
بعد انتظار لثلاثة أيام عند معبر “عون الدادات”، سُمح للنازحين بالدخول إلى شمال غربي سوريا، في 9 من تشرين الأول الماضي، وهناك صُدم أحمد شيخ تلت (28 عامًا) بواقع جديد، فليس لديه منزل، واضطر للإقامة مع عائلته المكونة من أربعة أشخاص لدى أحد أقاربه، ريثما يجد منزلًا للإيجار.
تراوحت إيجارات المنازل بين 150 و200 دولار بريف إدلب، وهو مبلغ كبير بالنسبة لشخص ليس لديه عمل، كحال أحمد الذي كان يعمل بالإنشاءات في لبنان.
“أنا محرج جدًا من ابن عمي، لأنه مضى شهر وما زلت أقيم في بيته، لكن ليست لدي القدرة على دفع إيجار شهري في منطقة معرتمصرين التي نزحت إليها، ولم أجد عملًا حتى الآن”، أضاف أحمد شيخ تلت.
“عدنا إلى الصفر”، هكذا وصف وسيم حاله بعد العودة من لبنان إلى بلدته تل شهاب في ريف درعا الغربي.
كان وسيم يعمل في صناعة الحلويات بلبنان، لكنه صُدم بالواقع بعد رجوعه مضطرًا إلى سوريا، حيث بحث الشاب العشريني عن فرصة عمل في مطابخ الحلويات بدرعا، لكن الركود الذي يشهده سوق الحلويات دفع لتقليص الإنتاج والتخلي عن كثير من العمال، فوجد وسيم نفسه بلا عمل وكأن كل شيء تعلمه في مهنته ذهب أدراج الرياح.
بلال (28 عامًا) عاد إلى مسقط رأسه في درعا بعد سنوات قضاها في لبنان، وحياة أسسها هناك، كان يعمل في شركة أدوات كهربائية، لكنه اضطر بعد نزوحه إلى سوريا للعمل في الزراعة بأجرة تصل إلى 40 ألف ليرة سورية يوميًا (نحو ثلاثة دولارات).
بلال أب لخمسة أطفال، ولا يكفي مردود العمل بالزراعة لتأمين قوت عائلته، لكنه عاجز عن التنقل بين المدن السورية بهدف العمل خوفًا من الاعتقال، فهو مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية.
أربع سلطات..
لا خطة على الصعيد الوطني
منذ اليوم الأول للتصعيد في لبنان، في 23 من أيلول الماضي، بدأت رحلة نزوح الآلاف من اللبنانيين والسوريين من الحدود السورية- اللبنانية، ومع الانقسام العميق بين مناطق السطيرة في سوريا، لا توجد خطة على صعيد وطني، للتعامل مع موجات النازحين.
ورغم أن النظام أعلن عن دخول نحو 500 نازح إلى سوريا حتى اليوم، لم تكن مناطق سيطرته هي الوجهة النهائية للنازحين، إذ عبر بعضهم إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، بينما اختار آخرون مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي، وفضل جزء منهم إكمال رحلة نزوحهم نحو دول الجوار مثل العراق والأردن.
واختلف تعاطي سلطات هذه المناطق مع النازحين، إذ رفضت “الحكومة المؤقتة” السماح بداية بدخول النازحين عند وصولهم إلى معبر “عون الدادات” شرقي حلب، لكنها أُجبرت على فتح المعبر تحت ضغط شعبي، ثم أعادت إغلاقه لاحقًا، في حين انتظرت حكومة “الإنقاذ”، في إدلب، عبور النازحين من مناطق “المؤقتة” نحوها.
بينما اتخذت “الإدارة الذاتية” موقفًا يعبر عن مساعيها لتسهيل عبور النازحين واللاجئين، وبدأت بإصدار أرقام شبه يومية، تحصي من خلالها أعداد الوافدين.
بينما وقف النظام مذكّرًا بتردي الوضع الاقتصادي، والدمار الذي لحق بالبنى التحتية، فاتحًا أبوابه أمام مئات الآلاف من اللاجئين، والمنظمات الدولية، والجهات المانحة، لتقديم الدعم لهم.
استطلاع: لا قدرة للسلطات المحلية
في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني ومنصاتها في مواقع التواصل، شارك فيه أكثر من 500 شخص، شكك 62% منهم بقدرة المؤسسات السورية في مختلف مناطق السيطرة على استيعاب موجات النزوح من لبنان، بينما يرى 38% منهم أن بإمكان هذه السلطات الاستجابة.
جاري التحميل ...
النظام غير معني.. منظمات تتولى المهمة
في مناطق سيطرة النظام، جهزت الحكومة 20 مركزًا لإيواء النازحين، منها 16 مركزًا استقبلت النازحين، بينما لم تستقبل الأربعة الأخرى أيًا منهم، حتى منتصف تشرين الأول الماضي.
وتجوّل مسؤولون حكوميون مرارًا في مراكز استقبال النازحين، لكن الآلية الحكومية المعتمدة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين والنازحين لم تتضح بعد.
وفي أحدث تقرير صدر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حول الاستجابة لأزمة النزوح في سوريا، قالت اللجنة إنها تراقب عن كثب عواقب النزاع الدائر في لبنان، الذي ولّد انتقال مئات الآلاف من الأشخاص إلى سوريا، ما خلّف احتياجات إنسانية “هائلة”، فرضت مساعي لتحقيق “استجابة طارئة سريعة ومنسّقة من جميع السلطات المعنية والجهات الإنسانية”.
“الصليب الأحمر” قال إن البنية الأساسية الحيوية متضررة في سوريا، بما في ذلك المياه والكهرباء والرعاية الصحية.
وأضاف أن أي ضغط إضافي سيشكل عبئًا من الصعب استيعابه، وسيتطلب استجابة إنسانية جماعية مكرّسة ومنسقة، بالإضافة إلى إيلاء أهمية لمساعدة وحماية الجميع، أينما كانوا.
ولفت “الصليب الأحمر” في تقريره إلى أنه يعمل بالشراكة مع “الهلال الأحمر العربي السوري” لتقييم وتلبية الاحتياجات الفورية.
وفي إطار عمله على تلبية احتياجات الوافدين، قال “الصليب الأحمر”، إنه قدم مجموعة من الخدمات، بدءًا من توزيع 100 ألف زجاجة مياه على الحدود، في حمص وطرطوس والرقة ودير الزور وريف دمشق، إلى جانب أنشطة التنظيف وجمع القمامة، والخدمات الصحية بالاشتراك مع “الهلال الأحمر السوري” المدعوم من قبله، ووزارة الصحة السورية.
وحول قدرة مناطق سيطرة النظام على استيعاب أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين، قال مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، إن النظام غير معني بتقديم استجابة للفارين من لبنان.
وأضاف لعنب بلدي أن النظام يتعامل مع الاستجابة للأزمة الحالية، على أنها يجب ألا تقع على عاتقه، بل يجب أن تتحمل مسؤوليتها المنظمات الأممية والدولية، والدول المانحة.
ولفت إلى أن نسبة الواصلين إلى مراكز إيواء حكومية، تقدم فيها الحكومة الخدمات بشكل كامل، هي نسبة قليلة جدًا ولا تكاد تذكر، في حين يستقر عشرات الآلاف منهم في مراكز تديرها منظمات.
“الإدارة الذاتية” غير قادرة
لم يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لـ”الإدارة الذاتية” التي تعلن بشكل يومي عن زيادة أعداد الوافدين لمناطق سيطرتها قادمين من لبنان، بلغت أعدادهم أكثر من 20 ألف شخص وفق أحدث إحصائية صدرت في 7 من تشرين الثاني الحالي.
وتقول “الإدارة” باستمرار، إن العائدين يتوجهون إلى منازلهم أو إلى أقاربهم، أما من ليس لديه مكان للذهاب إليه، فتُخصص مراكز لإيوائهم.
ورفض مسؤولون في “الإدارة” تقديم تفاصيل حول آلية الاستجابة في مراكز إيواء النازحين، أو نشاط المنظمات المحلية والدولية في المنطقة للاستجابة لموجات النزوح.
وتنشط في مناطق سيطرة “الإدارة” منظمة “الصليب الأحمر الكردي”، التي أوردت عبر موقعها الرسمي تقارير عن الاستجابة لأزمة النزوح من لبنان.
ووفق “الهلال الأحمر الكردي“، نزحت عائلات باتجاه مخيمات للنازحين السوريين في مناطق من ريف حلب الشمالي، لافتة إلى أن بعض النازحين يعانون من غياب المأوى والدعم.
وأضاف “الهلال الأحمر الكردي” أن فرقه عملت على توزيع الإمدادات الأساسية مثل الإسفنجات والبطانيات وسلال المطبخ على العائلات النازحة في مخيم “سردم” شمالي حلب، بهدف التخفيف من حدة معاناتهم.
ويعتقد الباحث المتخصص في الشأن الكردي بمركز “رامان” للدراسات بدر ملا رشيد، أن عدة عوامل قد تحدد مدى قدرة استجابة “الإدارة الذاتية” لأعداد كبيرة من النازحين ولمدة طويلة، أبرزها القدرة الاقتصادية، والبنية التحتية، التي تعاني نتيجة غياب الشفافية في “الإدارة الذاتية”، وهو ما يسبب تبخر معظم موارد المنطقة دون إمكانية تتبع مدى التوازن بين الواردات والمصاريف بشكل حقيقي.
وتوقع ملا رشيد، في حديث إلى عنب بلدي، أن “الإدارة الذاتية” لن تكون قادرة على تحقيق استجابة طويلة الأمد، خصوصًا مع المعاناة التي تشهدها المنطقة من حالة تهميش تمتد لفترة ما قبل الحرب، ومعاناتها من حصار طويل، وقصف مستمر.
ونظرًا إلى أن المنطقة تعاني من مستويات بطالة عالية، فمن المحتمل أن تزداد هذه النسبة، إلى جانب النقص الكبير في المياه والكهرباء والاحتياجات الأساسية، وفق الباحث.
ولفت الباحث إلى أن قطاعات أخرى ستتأثر ويتأثر بها النازحون بشكل متزايد في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، منها قطاع التعليم، في منطقة تعاني من غياب أي اعتراف محلي أو ودولي بمؤسساتها التعليمية.
إمكانيات محدودة شمال غربي سوريا
بعد أيام قضاها المئات من النازحين على معبر “عون الدادات” قادمين باتجاه ريف حلب الشرقي، حيث تسيطر “الحكومة المؤقتة” وهي المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني السوري”، سمحت السلطات بدخولهم في 7 من تشرين الأول الماضي.
ورغم انتشار تسجيلات مصورة تظهر عبور أعداد كبيرة من النازحين من لبنان عبر “عون الدادات” لم توفر “الحكومة المؤقتة” إحصائيات عن أعداد العابرين باتجاه المنطقة.
وبحسب ما ذكره مكتب الإعلام في “الحكومة المؤقتة”، لعنب بلدي، فإن دخول العائلات يجري تباعًا وفقًا لإجراءات بدأت باتخاذها “الحكومة” لتسهيل وتنظيم دخولها.
وتوجد فرق من النفوس أرسلتها الحكومة إلى “عون الدادات” لتوثيق الأشخاص الواصلين، وأخذ معلوماتهم الشخصية وصورة شخصية لهم وتبصيمهم، ومنحهم إخراج قيد، بحيث يستطيعون التجول في مختلف مناطق سيطرة المعارضة، وأيضًا مراجعة المنظمات العاملة في المنطقة والهيئات الحكومية.
وبهذه العملية، يكون القادمون من لبنان حاصلين على وثائق صادرة من دائرة النفوس، لاستكمال هذه الإجراءات لاحقًا باستخراج هويات شخصية رسمية صادرة من مراكز النفوس من المنطقة الموجودين فيها.
وفي منطقة إدلب، أشرفت وزارتا التنمية والداخلية في حكومة “الإنقاذ” على استقبال النازحين من لبنان، وفق تسجيلات مصورة نشرتها “وكالة أنباء الشام”.
مدير العلاقات العامة في وزارة التنمية بحكومة “الإنقاذ”، طارق العلي، قال لعنب بلدي، إن مناطق سيطرة “الإنقاذ” استقبلت 3033 نازحًا من لبنان، بينهم 2000 طفل، لافتًا إلى أن الحكومة استجابت بشكل فوري لحركة النزوح من خلال إنشاء مراكز إيواء مؤقتة لاستقبالهم.
وأضاف أن “الإنقاذ” سهّلت الإجراءات اللازمة لتأمين الأوراق الثبوتية في حال عدم توفرها لديهم، لتسهيل عمليات تسجيلهم وتأمين حقوقهم.
وحول آلية الاستجابة المتبعة، قال العلي، إن حكومة “الإنقاذ” أمّنت مراكز إيواء مؤقتة للنازحين، ونسقت مع عدد من الجهات الإنسانية لتوفير المساعدات الطارئة، مثل سلال الإغاثة (سلال الطوارئ)، التي تحتوي على مواد أساسية مثل الأغطية، والأدوات الصحية، والمواد الغذائية.
ولفت إلى أن الحكومة لا تزال تعمل بالتعاون مع منظمات إنسانية محلية ودولية (لم يسمّها) لضمان توزيع هذه المساعدات بشكل منظم.
ووفق العلي، لا تزال للنازحين احتياجات أساسية قائمة تشمل السكن الدائم، والسلال الغذائية، وتوفير الدعم النقدي لتغطية احتياجاتهم العاجلة.
القصف الذي تنفذه قوات النظام والميليشيات المدعومة إيرانيًا، منها “حزب الله” اللبناني، باتجاه مناطق شمال غربي سوريا، زاد من حجم المعاناة والاحتياجات، وفق العلي.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يتطلب الواقع دعمًا إضافيًا من الجهات الإنسانية بشكل عاجل لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة للنازحين.
وحول نظام الكفالة المعمول به في مناطق سيطرة “الإنقاذ”، قال العلي، إن هذا النظام لا يزال معمولًا به، ويطبق على جميع الوافدين حتى الذين يملكون أوراقًا ثبوتية، كنوع من التحقق من شخصية الوافدين الراغبين بالإقامة بالمنطقة.
وتفرض كل من حكومة “الإنقاذ” و”المؤقتة” و”الإدارة الذاتية” على الوافدين لمناطق سيطرتها تأمين كفيل من أبناء المنطقة، ولا يزال هذا النظام ساريًا في جميع هذه المناطق، إذ يبحث النازحون عن كفلاء من أبناء المناطق التي نزحوا إليها، ليسمح لهم بالإقامة فيها.
يرى الدكتور في القانون والباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، أن المقصود بالاستجابة هو تأمين مجموعة من الحقوق التي ترتبط بالنازحين واللاجئين، تبدأ من الصحة والتعليم والسكن وحفظ حقوق الملكيات والتواصل وحرية الحركة والتنقل.
وقال الباحث لعنب بلدي، إن حكومتي “الإنقاذ” و”المؤقتة” لا تملكان القدرة على تقديم أي جهد في الاستجابة، مشيرًا إلى أن الاستجابة للنازحين داخليًا في المخيمات، الموجودين منذ سنوات، تديرها منظمات المجتمع المدني، ومنظمات دولية، ولا تتدخل فيها أي جهة حكومية.
الباحث اعتبر أن دور هذه الحكومات في العادة يقتصر على التنسيق، لافتًا إلى أن كلمة استجابة قد تكون “كبيرة” على هذه الجهات.
فجوة مالية
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، دعا إلى تأمين 324 مليون دولار لمساعدة الفارين من لبنان إلى سوريا جراء التصعيد الإسرائيلي.
وأكد، خلال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، في8 من تشرين الأول الماضي، “الحاجة الملحّة” لحشد المساعدات الإنسانية وتوفير المزيد من الدعم لأنشطة التعافي المبكر، كما هو منصوص عليه في قرارات مجلس الأمن.
وأمام هذا الرقم الخاص بمساعدة النازحين من لبنان، لا تزال المبالغ المرصودة محدودة، إذ خصصت المفوضية الأوروبية، في 6 من تشرين الثاني الحالي، خمسة ملايين يورو، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا للأشخاص العابرين إلى سوريا.
بينما أعلنت حكومة الإمارات، في 7 من تشرين الأول الماضي، عن تخصيص 30 مليون دولار، لإرسالها للنازحين اللبنانيين في سوريا، ضمن حزمة إغاثية لمساعدة اللبنانيين المتضررين.
وتعلن عدة دول أيضًا، منها إيران والعراق وفنزويلا، إرسال مساعدات وتقديم دعم للنازحين، بالإضافة إلى جهود الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية.
هذه الأرقام تضاف إلى أزمة بالاحتياجات في سوريا، فبحسب الأمم المتحدة، تستمر الاحتياجات الإنسانية في سوريا بالارتفاع بلا هوادة، مدفوعة بتصاعد العنف، ما أدى إلى المزيد من النزوح والمعاناة.
ويحتاج 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في عام 2024، وهو أكبر عدد منذ بداية الأزمة في عام 2011.
وبلغت احتياجات سوريا الإنسانية لعام 2024 حوالي 4.07 مليار دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
وحتى الآن، حصلت الأمم المتحدة على 1.12 مليار دولار فقط، ما يغطي 27.5% فقط من الاحتياجات.
سوريا طاردة
الواقع الذي اصطدم به النازحون عقب عودتهم من لبنان إلى مختلف مناطق السيطرة في سوريا، جعلهم يفكرون بخيارات بديلة، وهو حال كثيرين من العائلات التي قابلتها عنب بلدي، فهناك من يفكر بالعودة إلى لبنان أو عاد فعلًا رغم استمرار الحرب، وآخرون بدؤوا يفتشون عن سبل للوصول إلى تركيا أو أوروبا، بينما رضي بعضهم بهذا الواقع وقرر البقاء في سوريا.
محاولات للهجرة
يفكر وسيم، الذي عاد إلى تل شهاب في ريف درعا الغربي، بالهجرة إلى أوروبا، بعد وعود من أحد أقاربه بمساعدته في تأمين تكاليف طريق الهجرة (بطريقة غير شرعية).
وقال الشاب لعنب بلدي، إنه لم يستطع التأقلم مع العمل في الزراعة، إضافة إلى أن تكاليف الحياة باهظة جدًا ولن يكفي العمل بالزراعة لتأمين مصاريف الحياة الأساسية.
في المقابل، استبعد فارس المحمد الذي يقيم في مخيم “رأس العين” فكرة العودة إلى لبنان أو اللجوء إلى أوروبا لأن ذلك “مكلف جدًا”، حسب قوله، لذا قرر الاستقرار في المخيم حيث السكن مجاني، وسيبحث عن عمل خارج المخيم.
في المقابل، لم يتحمل بعض النازحين ظروف المعيشة القاسية في سوريا، وقرروا العودة إلى لبنان، ورصد مراسل عنب بلدي في حمص، عودة بعض العائلات السورية إلى لبنان خصوصًا من العاملين في القطاع الزراعي.
الأسر التي قررت مغادرة سوريا مجددًا كانت تقيم ضمن “براكيات” (منازل خشبية) في أراضٍ زراعية بلبنان، وتدفع أجرة تصل إلى 200 دولار شهريًا، لكنهم يعملون في تلك الأراضي، ويطعمون عائلاتهم من محاصيلها.
تهديدات مميتة
حذر رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو بينيرو، من أن البلاد “تجر إلى الصراع الكارثي الذي يجتاح المنطقة”، مشيرًا إلى “تهديدات مميتة” تواجه السوريين أينما ذهبوا.
وقال بينيرو خلال كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في 1 من تشرين الثاني الحالي، إن فرار السوريين الذين لديهم خوف مبرر من الاضطهاد في وطنهم يؤكد الخيارات المستحيلة التي يواجهونها.
“هل يخاطرون بحياتهم بالقنابل في لبنان، أم يعودون إلى مكان قد يواجهون فيه أيضًا تهديدات مميتة أخرى؟”، قال رئيس لجنة التحقيق، موضحًا أن العديد من النساء والأطفال شرعوا في رحلات محفوفة بالمخاطر إلى سوريا بمفردهم، بسبب الأنماط الموثقة جيدًا للاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري وتجنيد الرجال في سن الخدمة العسكرية قسرًا.
أما أفراد الأسرة من الذكور البالغين، فإما بقوا في الخلف أو لجؤوا إلى المخاطرة بالسفر اعتمادًا على المهربين.
تحقق اللجنة في تقارير عن تعرض السوريين العائدين من لبنان للإيذاء أو الاعتقال أو الوقوع ضحايا للابتزاز من قبل “الجهات الفاعلة المسلحة العنيفة” عند نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب اللجنة، توجد العديد من الحواجز تعوق العودة “الآمنة والطوعية”، وتشمل هذه الانتهاكات استمرار قوات النظام في تعذيب وإخفاء المعتقلين في أثناء احتجازهم على الرغم من الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، في تشرين الأول الماضي، باتخاذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها لمنع مثل هذه الانتهاكات.
ووثقت تقارير حقوقية انتهاكات واجهها سوريون عائدون من لبنان، إذ قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، في 30 من تشرين الأول الماضي، إن اللاجئين العائدين من لبنان يواجهون مخاطر القمع والاعتقال على يد قوات النظام عند عودتهم.
وذكرت المنظمة الحقوقية أن السوريين الفارين من لبنان، وخصوصًا الرجال، يواجهون خطر الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والوفاة خلال الاحتجاز في سجون النظام، مشيرة إلى أنها وثقت اعتقال أربعة أشخاص عائدين من لبنان عقب بدء التصعيد الإسرائيلي نهاية أيلول الماضي.
سوريا ليست أكثر أمنًا للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن المخاطر المتصاعدة في لبنان تجعل العديد من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه. عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنًا، ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت.
آدم كوغل
نائب مديرة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”
الأمن أولًا.. ثم الاقتصاد
المدير التنفيذي لمنظمة “بيتنا سوريا”، أسعد العشي، وهو ناشط مدني وخبير اقتصادي، أرجع خيارات النازحين العائدين إلى وضعهم الأمني أولًا ومن ثم الوضع الاقتصادي، ففي حال كانوا مطلوبين للنظام سيحاولون الخروج من سوريا بأي ثمن ولأي وجهة أخرى.
بالنسبة للوضع الاقتصادي، فقد يصبر النازحون قليلًا ويحاولون إيجاد أعمال أو تجارة تؤمّن لهم مصدر دخل، وفي حال فشلهم بإيجاد عمل ومع انحسار الدعم الإنساني لسوريا، قد تكون خياراتهم اللجوء مجددًا إلى أماكن تقدم لهم بعض الدعم الاقتصادي، وفق العشي.
العشي لفت إلى أن مشاريع التعافي المبكر (الأممية) قد تؤمّن بعض سبل العيش للنازحين، ولكن في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والفساد المستشري في سوريا، من الصعب الاستفادة من هذه المشاريع من قبل المواطنين العاديين، مشيرًا إلى أن التنافس على الموارد المقدمة ضمن تلك المشاريع، سيخلق آليات صراع جديدة ما بين عائد ومقيم.